النعمان اليعلاوي
فتحت وزارة الصحة باب النقاش مع مهني القطاع العمومي حول تنزيل مقتضيات القانون رقم 08.22 المتعلق بإحداث المجموعات الصحية الترابية، والذي دخل حيز التنفيذ بصدوره في الجريدة الرسمية عدد 5706 في يوليوز من العام الماضي، لتتخلى بذلك وزارة الصحة عن «المديريات الجهوية للصحة»، حيث ستحل محلها «المجموعات الصحية الترابية»، وهي مؤسسات عمومية مستقلة تتكلف بالعلاجات الاستشفائية والتكوين والبحث على المستوى الجهوي، فبموجب القانون السابق ستحدث بكل جهة من جهات المملكة، تحت تسمية «المجموعة الصحية الترابية»، مؤسسة عمومية تتمتع بالشخصية الاعتبارية والاستقلالي المالي، وتخضع لوصاية الدولة، كما تخضع للمراقبة المالية للدولة المطبقة على المؤسسات العمومية وفقا للنصوص التشريعية والتنظيمية الجاري بها العمل.
وتضم المجموعات الصحية الترابية جميع المؤسسات الصحية العمومية التابعة لنفوذها باستثناء المؤسسات الصحية الخاضعة لنصوص تشريعية أو تنظيمية خاصة، والمؤسسات الاستشفائية العسكرية، والمكاتب الجماعية لحفظ الصحة، ويحدد بنص تنظيمي مقر كل مجموعة وكذا لائحة المؤسسات الصحية المكونة لها، فبحسب هذا القانون، فإن المجموعة الصحية الترابية تتولى في حدود مجالها الترابي، تنفيذ سياسة الدولة في مجال الصحة، خصوصا مجال عرض العلاجات، مجال الصحة العامة، مجال العلاجات، مجال التكوين، مجال البحث والخبرة والابتكار، ثم المجال الإداري، تحل المجموعات المحدثة بموجب هذا القانون، كل واحدة منها فيما يخصها، محل الدولة والمراكز الاستشفائية الجامعية في جميع حقوقها والتزاماتها المتعلقة بجميع صفقات الدراسات، والأشغال والتوريدات، والخدمات، وكذا جميع العقود والاتفاقيات المبرمة لحساب المصالح اللاممركز التابعة لوزارة الصحة والمؤسسات الصحية التابعة مباشرة للدولة أو المراكز الاستشفائية الجامعية، قبل التاريخ المحدد بموجب المرسوم المنصوص عليه في المادة 23 والتي لم يتم تسويتها بصفة نهائية في التاريخ المذكور.
هذا القانون الجديد، قد أثار جدلا في أوساط المهنيين، كما حرك تساؤلات حول مستقبلهم في الوظيفة العمومية، وحول ما إذا كان الوزارة تستعد للتخلي عن موظفيها لصالح مؤسسات عمومية، ما يعني تنقيل موظفي وزارة الصحة إلى تلك المؤسسات التي تحظى باستقلال مادي وإداري، في الوقت الذي يرى العديد من المهنيين أن «خلق مؤسسات جهوية ذات استقلال إداري و مالي و ذات هدف ربحي (على شكل شركات أو مقاولات) ونقل موظفي القطاعات الوزارية الى هذه المؤسسات، حيث إن هذه المؤسسات ستتولى تدبير كل شؤون موظفيها او بالأحرى مستخدميها (التوظيف، الأجور، الترقية، العقوبات، الطرد، وصولا إلى التعاقد…)، هو تخل عن الوظيفة العمومية، حيث ستتحكم في الأجور كيف شاءت زيادة أو نقصانا وفق وضعيتها المالية والميزانياتية بالإضافة إلى إمكانية التصرف في موظفيها وفق قوانينها الخاصة (العقوبات، الحركية…)، وهكذا ستتخلص الدولة من عبء أجور وتسيير الموظفين باستثناء موظفي القطاعات الحساسة»، حسب عدد من مهني القطاع.
فيما يفتح القانون الجديد باب النقاش حول إشكال مخالفته لقانون الوظيفة العمومية، وبالتحديد الفصل 38 منه، والذي يشير إلى أنه في حالة تحويل مصالح من إدارة عمومية إلى أخرى أو في حالة لا تركيز أو لا مركزية إحدى المصالح الإدارية فإن الموظفين المنتمين لهذه المصالح ينقلون أو يلحقون بصورة تلقائية، حيث إن «المشرع المغربي سن النقل في حالة لا تركيز المصالح الإدارية وسن الإلحاق في حالة اللامركزي، وهي الحالة المطبقة على المجموعات الصحية الترابية، والتي تستوجب الإلحاق عوض النقل، مستندين في ذلك إلى تجربة إنشاء المركز الاستشفائي الجامعي محمد السادس بمراكش تم الإلحاق التلقائي لجميع الموظفين، أما الراغبين في الإدماج في الميزانية المستقلة للمستشفى الجامعي فقد حدد النظام الأساسي للمراكز الاستشفائية الجامعية مدة لتقديم طلب مكتوب يعبرون عن رغبتهم في الإدماج أي الخروج من الوظيفة العمومية لكي يطبق عليهم النظام الأساسي للمراكز الاستشفائية الجامعية.
وفي هذا السياق، أوضح محمد العابدة ، أستاذ القانون الإداري بكلية الحقوق بمراكش، أن «ورش الحماية الاجتماعية استعجل القيام بإصدار قوانين ونصوص وجب التعجيل بتنزيلها على أرض الواقع، وفي هذا الصدد تم الحديث عن المجال الصحي وتم إصدار العديد من القوانين المرتبطة بهذا المجال، ونحن أمام تحديث وإصلاح مؤسسات الدولة»، مبينا في تصريح لـ«الأخبار» أن «القانون المتعلق بإحداث المجموعة الصحية تم تمريره على حين غرة من الشغيلة الصحية، وقد نص القانون على نقل الموظفين في الوزارة إلى هذه المجموعات، وهو الأمر المخالف حيث إن نقل الموظف في الإدارات العمومية يستوجب أن يكون بناء على طلب وعدد شروط ليست هي المتضمنة في القانون الجديد»، معتبرا أن «هذا القانون سيثير الكثير من اللغط في صفوف موظفي الصحة ويهدد مشروع الدولة الاجتماعية التي تستند على قطاعات أساسية هي الصحة والتعليم والسكن».
ووقف العابدة عند المادة 16 من القانون المتعلق بإحداث المجموعات الصحية، وهو النص المتعلق بالنقل التلقائي للموظفين بموجب مرسوم، كما يحدد هذه النص الفئات المعنية بالنقل التلقائي، وهو النقل الذي سيتم عبر مرسوم سيصدر لاحقا، مبينا أن «ما يثار بهذا الخصوص هو غياب الوضوح بين الوزارة والشغيلة في شخص ممثليهم من النقابات»، مبينا أن «قرار سابق لمحكمة لنقل أقر بأنه لا يحق للإدارة أن تمس بحق مكتسب للموظفين»، مبينا أن «السؤال المطروح هو هل تمت استشارة الشغيلة قبل إصدار هذا القانون، حيث سيتم المساس بحقوقهم المتعلقة بوضعية الحالية من موظفين عمومية إلى موظفين تابعين لمؤسسات»، مبينا أنه «ينبغي على الإدارة أن توضح عدد من الإشكاليات التي يطرحها الموضوع، خصوصا أن هذا النقل التلقائي يظهر أنه غير شرعي وقد يتضمن شططا في استعمال السلطة»، مبينا أن هذه المجموعات الترابية تطرح إشكالات تتعلق بالتدبير في حالة ما إذا فشلت ومآلها المالي والإداري، وهو ما يهدد الاستقرار الوظيفي للموظفين».
في المقابل، اعتبر لحبيب كروم أنه «على خلاف ما يتم ترويجه، فلا تسعى الحكومة والدولة المغربية إلى خوصصة القطاع الصحي، لأن جميع الخطب الملكية في مناسبات عدة تدعو إلى الإصلاح الجذري لقطاع الصحة، والخوصصة لن تحل محل الإصلاحات الجذرية، ولن تضمن على سبيل المثال فعالية ونجاعة البرامج الصحية والوقاية من الأمراض تحديدا في العالم القروي»، موضحا بخصوص المساس بحقوق الموظفين أن «موظفي القطاع نعم سيحتفظون بصفة موظفين عموميين مع الحفاظ على جميع المكتسبات والحقوق، بالإضافة إلى امتيازات و تحفيزات جديدة في إطار قانون الوظيفة العمومية الصحية استجابة الى دعامة تثمين الموارد البشرية الرامية إلى تحفيز العنصر البشري»، مبينا بخصوص إشكالية إفلاس المجموعة الصحية «أنه لم يسبق أن تم تسجيل إفلاس أحد القطاعات، كما أن المراكز الإستشفائية الجامعية التي تعتبر مؤسسة عمومية ذات استقلالية معنوية ومادية شأنها شأن المجموعات الترابية الصحية، لم تفلس، والدولة لن ستسمح بذلك، من خلال دعمها الذي سيكون قائما تحديدا على قطاع حيوي كقطاع الصحة والحماية الاجتماعية».