قاضي حاكم موريتاني ينجح في تخليص معمر فرنسي من الأسر بجبال الأطلس
في مدينة وادي زم يصادفك زقاق يحمل اسم القاضي الشنقيطي، كما يعرف الوادزميون القدامى رياضا يحمل الاسم نفسه، وفي تارودانت يوجد ممر يؤرخ لعبور هذا الرجل من حاضرة سوس العتيقة، لكن بصفته باشا.
في العدد 4877 من جريدة «السعادة» يوم 15 فبراير سنة 1940، نتوقف عند ورقة تعريفية بهذا الرجل وتحمل توقيعه:
“ولدت في بلاد شنقيط لإحدى عشرة خلت من جمادى الأولى من عام ألف وثلاثمائة وأحد عشر هجرية، الموافق 1892م، وتعلمت مبادئ اللغة والإعراب والصرف والسيرة والتاريخ على «أخوالي» محمد محمود بن البيضاوي، دفين أكردوس، و«إخوته» السيد محمد والسيد أحمد، دفيني بقيع الفرقد في المدينة المنورة، والطالب محمد شهيد انميلان، وهو موضع في بلاد شنقيط، وأمي خديجة بنت البيضاوي، دفينة المقبرة السهيلية بمراكش، وجدتي لالة فاطمة بنت الطالب أحمد، دفينة السمارة بالساقية الحمراء. وطني الحقيقي هو بلاد الإسلام جمعاء ونسبنا هو العلم، فقد وجدنا في الإسلام حيثما توجهنا وأينما حللنا وطنا رحبا، ومن العلم ركنا آويا”.
ويركز الشيخ ولد سيدي عبد الله الموريتاني على الجانب الشعري في حياة الشنقيطي، «هذا الرجل، الذي عاش بين وطنه الأم موريتانيا، وبين الديار المغربية التي عمل بها، وعرف لدى مجتمعه الشنقيطي بـ«الباشا» وذلك لكونه كان باشا مدينة تارودانت في الجنوب المغربي.. امتاز الرجل بباعه الشعري الواسع». وهو ما دفع الدكتور محمد الظريف، أستاذ الأدب الصحراوي في جامعة محمد الخامس إلى جمع ديوانه ونشره.
قضى الشنقيطي فترة في وادي زم، حين عين قاضيا على المنطقة في نهاية العشرينات، واشتهر أكثر حين قام بالتوسط للإفراج على دانيال زوبياغا، الذي كان مختطفا لدى إحدى القبائل الأمازيغية في الأطلس المتوسط لما يقارب السنتين. حيث طلب مساعدة أحد بني عمومته، الشيخ الشريف سيدي علي، الفقيه المشهور وأخ المقاوم الكبير أحمد الهيبة ماء العينين في الجنوب، الذي قدم خصيصا من موريتانيا لوادي زم وأقنع «بن خلوق» بالإفراج عن رجل أوروبي بدون فدية، وكان هذا العمل «الدبلوماسي» محل تقدير من السلطات الفرنسية. علما أن القاضي اهتم بتقوية صلاته وثقافته الغربية، حتى أصبح من أهم عشاق الأدب الفرنسي، ومن أحسن عارفيه والناطقين به، ما سهل مهامه مع سلطات الحماية.
وبالعودة إلى قضية الإفراج عن الفرنسي دانيال الذي كان مختطفا في نهاية العشرينات من القرن الماضي من طرف بوزكري بن خلوق، الملقب بــ«بزيكر»، والذي صنفته الكتابات الكولونيالية في خانة قطاع الطرق على مستوى منطقة تادلة، وحين سقط الشاب دانيال بين يديه تحول إلى أسير، فإن هذا الأخير كان من خدام الاستعمار الفرنسي في وادي زم، ولاعبا لفريق سريع وادي زم في أول عهده.
وعمد كتاب «أسير في بلد الشلوح»، الذي قام الدكتور صالح شكاك بتعريبه والتعليق على مضامينه، إلى رصد عملية اختطاف زوبياغا ووضعه تحت الإقامة الجبرية لمدة عامين، إلى حين إطلاق سراحه يوم 13 يوليوز 1930، بفضل جهود القاضي الشنقيطي، دون تقديم إتاوة لخلوق، بالرغم من ملاحظات جوهرية للباحث في قضية الأسر، علما أن اختطاف دانيال أريق حول جوانبه الدم، خاصة وأنه شهد مقتل المراقب المدني الفرنسي روني روزيو وسائق المختطف ألفونس سانز.
وعين الشنقيطي، في بداية الأربعينات، باشا على مدينة تارودانت وتوفي هناك.