شوف تشوف

سري للغايةسياسية

قاصدي مرباح رفض إبادة متظاهري منطقة القبايل وهكذا تقرر اغتيالُه

يونس جنوحي

«كان قاصدي مرباح يدير المخابرات العسكرية بيد معلم». هذه شهادة الصحافي هشام عبود في شخص قاصدي مرباح الذي كان بالنسبة لأغلب الجزائريين اسما بدون صورة، لدواع أمنية طبعا، ثم ما لبث أن أخرج إلى مساحة الضوء مع توالي الأحداث.

يقول هشام عبود إن قاصدي مر بامتحان عسير، بحكم أصوله القبايلية رغم أنه وُلد في المغرب. إذ انتشرت إشاعة مفادها أنه موال للقبايل، خلال فترة حكم الشاذلي بن جديد، وهذا الأمر كان متوقعا، إذ لم يكن سهلا على أمازيغي أن يُبيد أبناء جنسه من موقعه في إدارة المخابرات العسكرية للبلاد.

 

مفترق الطرق

«في سنة 1980، أصبحت الإشاعة أكثر قوة. أحداث منطقة القبايل في أبريل 1980، والتي عارض خلالها بقوة قرار إرسال قوات عسكرية لإنهاء مطالب إثبات هوية القبايل، سرعت من وتيرة اقتراب فصله». لكنه استمر في العمل إلى نهاية الثمانينيات متقلبا في عدد من المواقع، وهناك تعرف عليه الجزائريون للمرة الأولى عندما أصبح وزيرا للصناعات الثقيلة، ثم وزيرا للفلاحة، ثم وزيرا للصحة، قبل أن يتم تنصيبه رئيسا للوزراء في اليوم الموالي للثورة الشعبية في أكتوبر 1988. وهناك بالضبط بدأ التخطيط لإنهاء وجوده فوق الأرض، وليس وجوده السياسي فقط.

 

معالي الوزير

يقول هشام عبود إن قاصدي مرباح لم يُنه ولايته على رأس رئاسة الوزراء، رغم أنه كان في البداية يتوفر على كل الضمانات للاشتغال. كيف لا وهو الذي يحتفظ بكل الملفات القذرة للجنرالات، بحكم منصبه السابق مديرا للمخابرات العسكرية في أصعب وأحلك الفترات الأمنية التي مرت بها الجزائر. لم يكن يحتاج مثلا إلى تقارير من أي جهاز لكي يعرف مقدار الفساد الذي يغرق فيه الجنرال بلخير أو حمروش أو أي موظف سام آخر يدور في فلك مافيا الجنرالات. وهذا السبب هو الذي عجل باغتياله في سنة 1993.

يروي هشام عبود هنا واقعة مثيرة ما كان الرأي العام الوطني الجزائري ليعرف تفاصيلها لولا هذه المذكرات، إذ إن إشاعات كثيرة انتشرت بعد اغتيال مرباح سنة 1993، لم تتبين حقيقتها.

يحكي هشام عبود قائلا إن مرباح لم يُنه ولايته والسبب آلة شيطانية صنعها كل من حمروش، مدير ديوان رئاسة الدولة، والجنرال بلخير، وأيضا الكولونيل توفيق الذي كان مكلفا بشؤون الدفاع والأمن في رئاسة الجمهورية.

كان الأمر يتعلق بإحالة الجنرال بتشين الذي كان وقتها يشغل منصب مدير أجهزة الأمن العسكري ومساعده الكولونيل إسماعيل على التحقيق. وقد توقع بلخير وتوفيق وحمروش أن يرفض قاصدي مرباح هذا الأمر.

هؤلاء الثلاثة طلبوا من الوزير الأول قاصدي مرباح، بشكل ودي في البداية، أن يقبل قرار رئيس الجمهورية المتعلق بإحالة بتشين على التحقيق، بدون إثارة المشاكل.

هذا القرار صنعه الجنرالات وليس أي أحد آخر من خارج دائرتهم وألصقوا فوقه طابع رئاسة الجمهورية. كيف لا والرئيس نفسه كان في جيبهم.

لكن رد قاصدي مرباح كان حازما، كما يقول هشام عبود هنا. إذ واجه بتشين الذي جاء ليرى الوزير، وأمره بأن يؤدي التحية العسكرية أولا، وأجابه الآخر بأنه جاء لزيارته بصفته رفيقا في السلاح، فكان رد مرباح مفاجئا للجميع، إذ قال له:

«-أنت لم تحمل معي السلاح أبدا. لا أعرفك. اخرج».

كان هذا الطرد بداية مشاكل قاصدي مرباح الذي كان يريد في الحقيقة إبعاد كرة النار عن دائرته الضيقة. كان يعرف، بحكم خبرته الطويلة جدا، أن النار إذا التهمت بذلة شخص يقف بالقرب منه فإنها سوف تُذيبه في القريب العاجل.

حاول مرباح استغلال الانفتاح السياسي في البلاد بعد أحداث 1988 حيث كان الجنرالات يبحثون عن مخرج من الأزمة التي صنعوها بأنفسهم، وخلق حزبا جديدا قاوم فيه محاولات الجنرالات اختراقه أمنيا وعسكريا، لكن معركته معهم لم تدم طويلا، حيث اغتيل بعد أقل من سنتين على محاولته التجديف بعيدا، ونقل الخبر، سنة 1993، كإعلان لتفوق الجنرالات على الدماغ المخابراتي والأمني للبلاد الذي طالما كانوا يفتخرون به في السابق.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى