في ليلة واحدة
أما هي فلم تكن تضحك وتلهو مثل الباقين، أو لنقل: إنَّ شيئاً ما كان ينقص في ضحكاتها وكأنها آخر من يضحك وأول من يكف… ما كانت لتسيطر على ذهنها الذي، في كل برهة، كان يجمع أمتعته ويسافر نحو وجهة مغايرة، ولا عن عدد الوفود المارقة بمخيلتها من الأسئلة والصور و«صواريخ» الحشيش… صار كل الحديث يختلط بالدخان وبرائحة الوهم اللذيذ… لكنها لا تملك القدرة على إيقاف هذا الزحف الذي يكبر ويكبر حتى خيل إليها أن طيفه على وشك القفز من على المائدة الكبرى ليلتصق بشفتيها المكتنزتين المحمرتين فتذيبه حرارة جسدها الملتهب، ليندلق حنونا لينا كقطعة آيس كريم، في اتجاهات مختلفة نحو الأسفل…
كانت تلك استيهاماتها التي تتستر خلف الابتسامات والنظر إلى القمر والنجوم وأحيانا تأكيد حديث أو فكرة بـ: «نعم صحيح؛ فعلا معك حق…». وعندما تشعر بالعجز وعدم السيطرة تستأذن في اتجاه الحمام… تنظر إلى المرآة فلا تجد سوى وجهها الذي يعجز عن وضع قناع من الأقنعة التي كانت تسقط عند قدميها، إلا قناعا طال انتظاره…
نظرت من جديد إلى المرآة وهي تحدث نفسها:
ــ ما فائدة العطر الذي أرشه للمرة الرابعة أو الخامسة؟ ما فائدة أحمر الشفاه الذي صار لونه غامقا من فرط تجديده كلما وجدتني أمامي؟
الظاهر أن الرجل أثقل من محتوى هذه اللفظة ذاتها… حتى إنه لم يكلف نفسه اللحاق بي ناحية الحمام، كان يجدر به أن يفعلها ولو من باب اللباقة.. هو الآن يتلذذ بمواجدي التي سيسمع أنينها بعد حين، وأنا سأكره وجوده وأكره نفسي بالمرة. كم سيلزم هذا العائد من المهجر لكي يفهم أن الليل والنهار في تعاقب مستمر، بينما الليل وأنا في تناغم مستمر… ولا أطيق أن أستقبل شمس النهار وأنا أحمل في نفسي شيئا من «لَوْ»…
عادت أدراجها نحو المقصورة التي يلتئم فيها الفرح وعبق الليل الندي، تحملها ترانيم الساكسفون وأنفاس السهر والوجد، تمشي مشيتها التي تحاكي ولادة بنت المستكفي، وتتمنى أن تهب القبلة لمن تبغي ولا يعبأ بصهيل الفرسات فيها…
كان الوقت متأخرا لكن الجلسة حميمة وتغري بمزيد من التأخر، سحبت الكرسي لتجلس وهي تتحدث إلى مضيفها بأنها متعبة وترغب في العودة إلى المنزل.. وقبل أن يوافق مضيفها على طلبها، كان هو قد استقام من مقعده وتقدم خطوات نحو الباب من دون أن يسلم على أحد أو يستأذن.. فقط توجه نحو سيارة الشخص المضيف واعتذر لصديقه عن عدم مرافقته، لأنه سيصحب مضيفه في سيارته لتبليغ السيدة وصديقتها إلى منزلهما…
(يتبع…)