في ليلة واحدة
بَدَتْ، وهي تسألهُ، كمن تدَّعي اتِّباع حمية صارمة لتنحيف جسمها، وفي نفس الوقت، تسرع في وضع قطعة شوكولاته في فمها، ثم تطبق شفتيها قبل أن ينتبه إليها أحد… ابتسمَتْ.. ولمعت عيناها، وعندما تفتح الورد على وجنتيها، وَجدَها في كامل مشمشها، فاقترب أكثر، وهمس في أذنيها بكثير من عطش الروح: «أنا لا أملك حسابا على الفايسبوك ولا على التويتر… خذي رقمي وبادري بالرن… لأسجل رقمك الآن».
أيقنَتْ ساعتها أنها تثِبُ إلى أعلى درجة في محراب الهوى بمباركة القدر.. إنها هي؛ ما زالت تثبت قدميها فوق الأرض، وإن أقلعت نحو سماواتٍ يثمَلُ فيها العاشقون من دون نبيذ.. شعرَتْ بهدوء غريب رغم تسارع نبضها، ورغم تلعثمها أكثر من مرة وهي تحاول تسجيل رقم هاتفه… هدوءٌ غريب فعلا جعلها تشعر بارتياح عميق تنفست على إثره الصعداء.. ربما لأن الذي انتظرت حدوثه منذ ساعات، أقل بكثير من كثافة ما يحدث الآن، وخلال بضع ثوان… إنَّ أكثر ما تتوق إليه الآن هو الخلود إلى الحلم والعزلة، لكي تبدعَ في ما هو آتْ.. نعم لا مجال للارتجال، في العادةِ أنَّ ما نحصِّله سهلاً ينتهي أسهلْ.. لكن الذي نتجرع عذاباته يظلُّ ثميناً نادراً لا نقامر به البتَّة، بل إنّه يظل خارج قانونِ العرض والطلب… لا يساوم ولا يقاوم… ملكية خاصة وكفى… قبل أن يصل إلى منزله كان قد شاهد صورة بروفايلها على الواتساب عدة مرات.. في كل مرة يحاول التمييز بين الصورة والواقع، ثم يردد في قرارة نفسه: «الصورة تشبه الأصل… كلاهما أجمل.. لكنني سأكتفي بجمال الصورة التي تنام وتستيقظ في رأسي.. سأجعلها غنيمة الخيال لهذا المساء.. سأبكي وأضحك وأعلن موتي فوق نحرها البلوري، سوف أدخل مملكتها من أظافرها ومن أقصر خصلة في شعرها، سوف أخترق عطراً يحجبُ عناد الأنثى فيها.. سأُلبِسُها جلدي وأرويها من ينابيعي التي بدأت تمتلئ من مطر عينيها.. تلك العيون التي تقسو وتحنُّ وتؤلم مرة واحدة، فترديك صريع قدَرِك».. وقبل أن تصل إلى منزلها.. كانت قد أخرجت الهاتف من حقيبة يدها، أكثر من مرة علَّها تجد رسالة قصيرة أو اتصالا أو أي شيء يخمد النيران التي شبت بين جوانحها، بعد الهدوء الذي سبق العاصفة… «لنْ أبادرَ بكتابة أية رسالة قصيرة، ولن أتصل ولن أتهور أبدا، سأنتظر وإن كلفني ذلك سهر الليالي.. سيتصل بالتأكيد… عندما رن هاتفُه، بدا كطفل يفرح بهدية العيد، وكنت ملكةً يحلقُ إكليلي عالياً بينما أقف بقدمي شامخةً كشجر الأرز.. سأظل في مكاني.. حتما سيأتي… ».
في الواقع كانت تعض على الحجر لتختبر الصبر… وكانت ليلة من أطول الليالي … فُتِحَ أمامها بابٌ على المجهول، فنسيت ما تقدم من الإخفاقات والخيبات ومن اللحظات الرائعة التي لا تتكرر، لكنها فشلت في تتويج حلمها الجريء بأفق توقعاتها المنفتح على الجنون والمستحيل…
(يتبع…)