شوف تشوف

الرأي

في ليلة واحدة

لأول مرة تنهال عليه رسائلُ حب محموم كما تنهال نِبالُ الرماة في حرب طاحنة، ولأول مرة يشعر بأن أغلى أمنياته أن يطولَ زمنُ الصمت؛ الذي تغيب فيه كل اللغات، لتنتعش لغة الجسد المتعطش لثورةٍ طال انتظارُها، ثورةٌ تحرر كل الكائنات الصامتة والباحثة عن ينبوع ماءٍ وواحةِ فيءٍ غريبة، تشبه الحكايات العجيبة، حيث يلتفُّ اللبلاب حول النخيل ويُطوِّقُ العليقُ أغصانَ الصنوبر، بينما تتفتح الزنابقُ لتقبل الفراشاتِ الحائمة مرةً… ثم تنام…
عادتُهُ في العشق أن ينزوي الصمتُ في الرَّدْهةِ المقابلة للحياة… لَمْ يحدثْ من قبلُ أن أنصتَ لصمته في حضور امرأة فاتنة.. للفتنةِ إيقاعُها الذي لا يمر في خط الصمت بتاتا… هكذا يمارسُ عشقَهُ منذ كان وحيثما كان…
وعادتُها في العشق أن تحاور أريجَ الصمت؛ الذي يعطرُ ممرها القرمزي، أو أن «تختبئ خلف أسوار القصيدة».. صمتُها مدوِّي.. يصرخ في أحشائه بعنف، برغم الخجل الماثل في عينيها كطفلة تكبر قبل الأوان…
لكن منطق اللذة يعشق الصمتَ ويقبض بتلابيبه، فتؤلف المشاعرُ موسيقى النشوةِ ذات الذبذبات الارتدادية؛ تلك التي تنذرُ بزلزال من نوع خاص جدا، يصير فيه الوجع والدمار مرادفين للمتعة… «الصمت رفيقُ الفرحِ في اللذاتِ».
دخولُهما في لحظة عشق صامت قبل سويعات إلى الآن، كان فرصة أتاحت لهما التحاور في شتى الأمور والتحدث في مختلف المواضيع وطرح مئات الأسئلة العابثة بالمنطق والمعقول… تلك التي لا تحتاج إلى ردود، بل إن العبث كل العبث أن تفكر في تفسير أو توضيح أو رد، فالغموض من نكهاتها المفتخرة.
«يجب أن أحصل على رقم هاتفه بأي شكل»، همست في أذن رفيقتها، عندما استدار خفيفاً رابعهم، وهو يسأل ضيفه عن وجهته من أجل تبليغه.
لم تكن رفيقتها مطمئنة لما يجري، كانت تنتظر حدوث ما يضع حدا لهذا الهراء، فأجابتها دونما تفكير: «لقد جننت لا محالة! ما فكرت يوما بأنك سترتَدِّينَ وضيعةً وبهكذا سرعة… لن تفعلي ذلك أبدا… ألا يجدر به أن يطلب منك ذلك أولا؟».
في الواقع لم تكن تستمع إلى ما تردده صديقتها، لأنها ليست بحاجة إلى نصحها بقدر حاجتها إلى «كود» سريع يفتح أمامها كل الأبواب المغلقة… مؤكد أنها لن تبادر بـ «هيت لك…» بالنسبة إليها، ليس بعد، كانت مؤمنة بإمكانياتها وقدرتها على أن تجعل الرجل الوفي لاستثنائه، المتفاني في إرضاء غروره، يخِرُّ استسلاماً لحسنها وذكائها وجاذبيتها المتفردة…
«ما أقسى هذا الذي يخرج من بين أصابعها… هراءٌ كل الحشيش الذي اخترق أنفاسي وهراء كل الذي عاقرته منذ زمن… ليس لنعومة أناملها مثيل.. أظافرها موجعة حد الجرح وأنفاسها مربكة… حتى إنني لا أملك من نفسي ما يجعلني أرى جمال الأخرى… ماذا الآن وإلى أين أنا ماض.. هل أنصرف وأترك كل هذا الحظ للحظ؟؟ ليس بمقدوري أن أقامر الآن.. علي أن أفعل شيئا..».
هكذا كان يحاور الذي يسكن بداخله وهو يتلفت يمينا ويسارا باحثا عن دكان أو «سوبر ماركت» لشراء التبغ، وحالما عنَّ له، استوقف مضيفه واستأذن منه في الذهاب لشراء علبة سجائر ثم يعود… لكن الرجل كان كريما مثلما كان القدر كريما معطاء يجود بمصادفاته التي تجاوزت قاموس النعوت والصفات… فأصر الرجل على أن يذهب ليجلب السجائر بدلا منه…
بمجرد انصراف الرجل استدار ناحيتها ليكتفي بالنظر إليها، قائلا: «كانت سهرة رائعة أليس كذلك؟؟» فكان ردها: «هل لديك حساب على الفايسبوك؟».
(يتبع…)

مقالات ذات صلة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى