شوف تشوف

الرأي

في فقه الفقد.. الحزن كله عورة!

فلنكن عابثين ولنبتعد عن المنطق قليلا هذا المساء..
تخيل أن تفاصيل صغيرة..صغيرة جداً بحجم أعقاب سجائرك.. قادرة على إضرام النار داخل عظامي مجددا..!  تفاصيل صغيرة كافية تماما لدفعي للسقوط من طابق كبريائي الثامن والستين.. أنفض بعدها الوقار عن رأسي وأعود مراهقة مستهترة في أوج طيشها وجنونها.. أهدي الورود.. أخمر القصائد.. وأرقص بساق واحدة.. جريحة..! تفاصيل صغيرة كابتسامتك الرصينة مثلا.. الشبيهة بسكين من عسل تذبح أوردة قلبي برقة وعذوبة بالغتين.. تلك التي كنت تطويها بخفة لتركنها في الجزء العلوي بأقصى فمك.. اللعنة! لم رحلت فجأة كريح غادرة وتركتنا كدمى مبتورة نساوم العناكب ونلعن الظلام؟ لقد أفقرتنا بعد ثراء.. أنا وشجرة الصنوبر ونسيم الغاب وباقي الكون الرحيب! في حضرة جناب ذكراك.. أعلق أوردتي على جيد الوقت.. ثم أدور كالدراويش حول دمي المتخثر.. أشعل أصابعي.. إلا واحدا أعض عليه كلما وكزني الحنين.. أوقد أضلاعي.. إلا واحدا أهش به على غنم وحدتي.. أسرج قناديل دموعي.. إلا قليلا أدخره لأرق قادم.. أنادي أحرفي التي تصلي في محراب شوقي إليك.. فتتهادى متغنجة.. ثملة.. يؤزها الحب أزا..
ثم أدربها على القفز والسباحة عميقا في قافية عينيك.. لكنها تطفو غريقة شهيدة.. معطرة باسمك والعنبر..
لأتكوم بعدها أمام الشاطئ.. جسدا معجونا بالعطش والحمى.. مشوبا بحمرة الورود.. تفوح مني رائحة الأسى والمطر..!
كلما هزني الشوق.. تيممت شطر ذاكرتي.. أُخرج منها أول لحن تحدثنا عنه.. وأول ابتسامة رأيتك بها.. وأول قبلة استقرّت بين عينيك.. كلما هزني الحزن.. تطهرت بشعاع حسنك.. وتعطرت بحديقة صدرك.. وكررت اسمك ثلاثًا ليسافر عني كدر الوقت.. وليستقر بصدري فرح لا يشبهه شيء إلا نبضك.. على ضفاف الصمت.. ألثم عطرك المجنون.. وأسافر مني إليك.. أتحرك بخفة كالسحاب.. تأخذني أسراري صوب صدرك.. أغفو زمنا.. وأعود منك إلي.. محملة بعطر فاضح.. وشوق جامح.. يربك ضفائري المنداة بالمسك والعنبر.. ضفائري التي كانت تسوق الغمام.. وترضع الحمام.. ضفائري التي كانت تشنق الفجر.. وتربك حواسك الخمس..! ضفائري الطويلة كأرقي.. الخفيفة كأحلامي.. الغزيرة كهذياني.. ضفائري.. منذ رحلت..
صارت ثعابين تنهش قلبي.. والقصيدة التي بذرتها لك في رحم اللغة ذات أمل.. لم تكن بارة بنا بما يكفي..
فبعد تسع خيبات من عمرها.. وما قبل مخاض الفرح بقليل.. بيديها الاثنتين قطعت حبلها السري ومضت مترنحة نحو قبرها تنشد الموت وبئس المصير.. لله در هذا القلب من أتون مستعر..! قذفت فيه حطب هزائمي اللذيذة.. وأقمشة خيباتي الأولى.. حرائقي القديمة.. وخشب تجاربي الأولى..  قطفت جلدي.. لوعاتي.. آهاتي.. وكل البوح الذي تخمر ولم أجرؤ على قوله في حضرة الحبيب.. ثم حشوته في فمه.. ليهتف ببراءة قائلا:
هل من مزيد!؟ آآآآآآه.. لاشيء يواري سوأة حزني بك..
ففي فقه الفقد.. الحزن كله عورة.. !

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى