شوف تشوف

الرئيسيةملف التاريخ

في ذكرى وفاته الـ38.. الدليمي سعى للانقلاب على الملك

يقول «ويليام بلوم» الضابط السابق في المخابرات المركزية الأمريكية CIA إن الجهاز سجل اجتماع الجنرال الدليمي مع الضابط المغربي أحمد رامي في مدينة ستوكهولم ببهو أحد الفنادق الفخمة.
لم يكتف عملاء الـCIA الذين راقبوا الجنرال المغربي، الذي كان مكلفا بملف الصحراء حيث كانت تجري عمليات عسكرية مكثفة في المنطقة ردا على اختراقات التراب المغربي من طرف ميليشيات البوليساريو، بالتقاط الصور وحسب، وإنما سجلوا مقطع فيديو كاملا من عدة دقائق. وهكذا قدموا للملك الحسن الثاني دليلا قويا على أن الجنرال الدليمي كان يخطط فعلا لأمر ما في المغرب، خصوصا وأن المخابرات الفرنسية نقلت بدورها وجود اتصالات سرية بين الجنرال وقيادات في الجيش الجزائري تفاوض معهم في ملف الصحراء.
جاء هذا الفيديو الذي سجلته المخابرات الخارجية الأمريكية تأكيدا لتقرير أمريكي سابق، يقول «ويليام بلوم»، إنه رصد وجود اتصالات مكثفة بين الجنرال الدليمي في نهاية السبعينيات وتيار من الضباط في مصر وسوريا والجزائر، دون أن يخبر الملك الحسن الثاني بمضمونها ودون أن يعلمه أنه كان يعقدها معهم. وهو ما أكد للأمريكيين رسميا أن الجنرال الدليمي كان فعلا يسعى إلى قلب النظام في المغرب منذ نهاية السبعينيات.

تقرير يكشف رصد اتصالات بين الدليمي وعسكريين عرب منذ فبراير 1974
منذ وفاته في الأسبوع الأخير من يناير 1983، والألسن تلوك اسمه بين مشكك في وفاته الغامضة وبين متوقع لها، خصوصا وأن الحادث المأساوي الذي أودى بحياته بعد اصطدام سيارته بشاحنة في طريق مراكش، تزامن مع زيارة رسمية فرنسية إلى المغرب.
الصحافة الفرنسية تحدثت عن تقارير من المخابرات الفرنسية للمغرب تحذر فيها من طموح الدليمي المتزايد واجتماعاته السرية في الخارج وتخطيطه لقلب النظام في المغرب.
هل تكالبت السهام على الجنرال الذي وصل إلى قمة السلطة عندما سلمه الملك الراحل شخصيا ملفات ثقيلة تتعلق بالعمليات العسكرية للجيش الملكي في الصحراء؟ أم أن الأمر يتعلق فعلا بمخاوف من أجهزة غربية من نمو ظل الدليمي أكثر مما يجب وتنسيقه مع أنظمة عربية لقلب النظام في المغرب.
حسب وثيقة رفعت عنها السرية مؤخرا من أرشيف الـCIA الأمريكية، فإن الجنرال الدليمي كان على اتصال بخلية سرية من الجيش الجزائري والمصري والسوري، في محاولة لإحياء «الضباط الأحرار» الذين انقلبوا على الملكية في مصر، وقادوا سوريا بعد انقلابات متكررة قبل أن تستقر السلطة في يد حافظ الأسد القادم بدوره من الجيش.
أولى العمليات التي رصدتها المخابرات الأمريكية لهذه الاتصالات تعود إلى تاريخ 28 فبراير 1974، تحت ترقيم c308، أما رقمها التسلسلي فقد جاء كالآتي: 262-227-825-1.
هذه الوثيقة التي تضم ملفا كاملا عن عدد من الدول بينها المغرب تؤكد حسب عملائها في الميدان أن الجنرال الدليمي بدأ في ذلك التاريخ يقيم اتصالات سرية مع عدد من الوجوه في السلطة بدول مجاورة.
اتصالات كانت سرية وخارجة عن الرسميات، بل ووصفها التقرير بأنها «شخصية».
لم يتوقع الجنرال أن يكون الأمريكيون له بالمرصاد، فحتى تجربته الطويلة في إدارة الأجهزة المغربية، لم تشفع له لكي يتنبأ بهذا الرصد المبكر مباشرة بعد أن أصبح الرجل الثاني في هرم السلطة.
هذه الوثيقة تقول إن الجنرال المغربي أحمد الدليمي لديه اتصال مع ممثلين لشخصيات نافذة في كل من مصر وسوريا. بينما أفردت فقرة كاملة للجزائر، في تقرير آخر، يعود لسنة 1982. ورغم الفارق الزمني الكبير بين الملفين، إلا أنهما كتبا من «محبرة» واحدة.
يقول التقرير الأخير الذي يعود لسنة 1982، إن الجنرال الدليمي تقوى أكثر من أي وقت مضى، وأن اتصالاته مع الجزائريين تطورت، في مقابل إهمال لعلاقته مع شخصيات من دول الشرق الأوسط. وهو ما فسره عملاء الـCIA على أنه مخطط مع الجزائريين خصوصا وأنه تزامن مع مرور حدث المسيرة الخضراء.
أما لقاء سنة 1982 مع أحمد رامي، الضابط السابق الذي غادر المغرب سرا بعد فشل المحاولة الانقلابية الثانية التي استهدفت طائرة الملك الحسن الثاني أثناء دخولها الأجواء المغربية صيف سنة 1972، فقد كان الدليل الأقوى الذي كانت تبحث عنه CIA لجمع كافة الخيوط حول شخصية الجنرال و»المخططات» التي دبجتها ضده في التقارير السرية. إذ تناولت رفقة المخابرات الفرنسية مجموعة من المعطيات تأكد من خلالها أن الدليمي كان ينوي قلب النظام في المغرب.
وهو ما أكده «كارلوس» الذي يقبع اليوم في سجن فرنسي بسبب اتهامات له خلال السبعينيات بقتل رجال شرطة فرنسيين والتخطيط لعمليات إرهابية، وهو الذي خطط أيضا للعملية الشهيرة منتصف السبعينيات والتي تتعلق باختطاف وزراء النفط خلال قمة «أوبك» حيث توجه بهم جوا صوب الجزائر حيث تفاوض معه بوتفليقة على إطلاق سراحهم.
كارلوس قال في مذكراته من السجن إن الهواري بومدين عرض عليه تعويضا ماليا سخيا سنة 1978 لاغتيال الملك الحسن الثاني في المغرب ومنحه برنامج التنقلات الملكية، حيث أكد «كارلوس» أن بومدين حصل على برنامج تنقلات الملك الحسن الثاني من الجنرال الدليمي. وهو ما يعني أن تقارير الأمريكيين لم تكن نابعة من فراغ.

«ويليام بلوم».. الرجل الذي أحيا قصص الـCIA السّرية
وجهه ليس متداولا لا في الإعلام الأمريكي ولا في غيره، رغم أنه يعتبر لدى خبراء الاستخبارات المركزية اسما معروفا بحكم أنه تخصص في عدد من الملفات في شمال إفريقيا والشرق الأوسط.
أما مؤلفه CIA a forgotten history، فيعتبر أول مرجع لقضايا الاستخبارات الأمريكية في شمال إفريقيا. إذ اعتمد فيه «ويليام بلوم» على روايات عملاء سابقين في الجهاز، حكوا له عن «مغامراتهم» في المغرب خصوصا في ما يتعلق بقضية الجنرال الدليمي في يناير 1983.
في هذا الملف نجمع وثائق رفعت عنها السرية في ماي الأخير، وتتحدث عن تعقب الاستخبارات الأمريكية للجنرال الدليمي وتحركاته منذ 1974، أي عندما أصبح الرجلَ الثاني في المملكة بعد رحيل الجنرال أوفقير بعد فشل انقلاب 1972.
هذا الأمريكي، ويليام، يقول إن الجنرال الدليمي كان يُعتبر رجلا خطيرا وغير مأمون الجانب في عيون الأمريكيين رغم أنهم راقبوا كيف أن الملك الحسن الثاني وثق به وفوض له سلطات واسعة خصوصا على مستوى الاستخبارات والجيش. وهما القطاعان اللذان كانا شديدا الحساسية بسبب الظروف الإقليمية التي كان يمر بها المغرب خلال أواسط السبعينيات وبداية الثمانينيات. إذ أن الجنرال الدليمي حسب الأمريكيين دائما، كان مسؤولا عن عدد من المحاولات لاغتيال الملك الحسن الثاني في المغرب بتنسيق مع الجزائريين.
الأمريكيون، حسب ويليام بلوم، جاؤوا إلى المغرب خصيصا لتحذير الملك الحسن الثاني رسميا من مخططات الجنرال الدليمي، وتفاجؤوا لكون الملك الراحل لم يتخذ أي إجراء للتخلص من الجنرال أو إبعاده على الأقل من مركز القرار. وهكذا بقوا يراقبونه، إلى أن رصدوا اجتماعا له مع أحمد رامي في ستوكهولم وصوروه بالصوت والصورة، حسب رواية ويليام دائما، وأحضروا المقطع إلى الملك الحسن الثاني لتعزيز التقارير التي قدموها له سابقا. كان هذا في صيف سنة 1982.
ماذا وقع إذن خلال هذه الفترة إلى يوم وفاته الغامضة في يناير 1983؟
الواضح أن التقارير التي اعتمد السيد «بلوم» أبرزها والتي رفعت عنها السرية في ماي 2020، تذهب في اتجاه التأكيد على أن الجنرال الدليمي كان يشكل تهديدا على مصالح أمريكا في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، بل يذهب بلوم إلى القول إن رجلين من الاستخبارات المركزية الأمريكية جاء إلى المغرب في يناير للوقوف بشكل شخصي على تصفية الجنرال الدليمي جسديا وإزاحته من المشهد، وإنهاء الاتصالات التي بدأها مع الجزائريين وضباط مصريين وسوريين لتغيير الخارطة السياسية في المنطقة، بعد الانقلاب على الملك الراحل الحسن الثاني بطبيعة الحال.

 الأمريكيون صنفوا الدليمي رجلا خطيرا منذ محاكمته بباريس بسبب بن بركة

صورة واحدة للكولونيل الشاب أحمد الدليمي وهو يغادر باب المحكمة في باريس موزعا الابتسامات بسخاء، بيعت بآلاف الفرنكات الفرنسية لوكالات الأنباء الدولية التي تولت تغطية محاكمة ممثل «النظام» المغربي في ملف اختفاء المهدي بن بركة.

وقتها كان أحمد الدليمي يضع أولى خطواته في طريق بدون مخرج. فرغم أن المخابرات الأمريكية كانت تملك معطيات بشأنه، بحكم أنه عسكري وأمني نافذ في المغرب يدير ملفات كثيرة، إلا أن وقوفه أمام القاضي في باريس للدفاع عن نفسه بعد بروز اسمه في ملف اختطاف المهدي بن بركة، كان فرصة لكي يتعرف عليه مراقبو CIA عن قرب.

تابع الأمريكيون حسب وثائق رفعت عنها السرية مؤخرا، أطوار المحاكمة جيدا، بل نشروا عملاءهم داخلها وفي ساحتها لرصد كل التحركات الممكنة وما إن كان رفاق ومُحبو المهدي بن بركة يخططون لمظاهرة أو دعوة لاعتقال الكولونيل الدليمي الذي أورد المغربي رشيد سكيرج بشهادة قوية تُدينه في ملفات اختفاء معارضين سابقين وتعذيبهم.

وقف رشيد سكيرج أمام القاضي شاهدا متطوعا، وهو الذي كان يشتغل سابقا في جهاز الـ «الكاب 1» ما بين سنوات 1960 و 1962 في قسم إداري يقع تحت إشراف الكولونيل الدليمي شخصيا، وهرب منه إلى فرنسا ليصبح لاجئا سياسيا يعرف أسرارا كثيرة عن طبيعة الملفات التي أشرف عليها الكولونيل، وتفجيره في المحكمة بباريس سنة 1967 لقنبلة وجود جهاز اسمه «الكاب 1» مهمته هي تصفية المعارضين السياسيين داخل المغرب.

منذ تلك اللحظة، أصبح عملاء الـCIA في باريس مهتمين بمضمون الشهادة التي قدمها رشيد السكيرج ضد الكولونيل أحمد الدليمي، خصوصا وأنه ذكر للقاضي تفاصيل عن شكل البناية التي كان رجال الدليمي يستنطقون داخلها المعارضين السياسيين.

يقول تقرير تناول اسم سكيرج، إنه شاب مغربي عمل في المخابرات في القسم الإداري، وتورط في مشاكل مع أحد رجال الدليمي المقربين، وخاف من أن يتم الانتقام منه بسبب معارضته للطريقة التي كان يتم بها تدبير الموارد المالية التي مصدرها الصناديق السوداء لتمويل العمليات، وهكذا عندما خاف على حياته فر سريعا إلى الخارج، واستقر في باريس، لكنه لم يتمالك نفسه وهو يرى قضية اختفاء المهدي بن بركة تكبر كل يوم، منذ نهاية أكتوبر 1965، ليقرر ما بين 1966 و1967، أن يخرج بوجه مكشوف ويشهد ضد الكولونيل الدليمي في محكمة فرنسية.

كان وقتها القاضي الفرنسي «بيريز» هو الذي يبت في ملف اختفاء المهدي بن بركة ويتابع حقيقة علاقة الجنرال أوفقير والكولونيل الدليمي باختفاء بن بركة فوق التراب الفرنسي. إلى أن قرر رشيد سكيرج أن يشهد أمام هذا القاضي، وكان وقتها هذا الأمر حدثا مدويا، في فرنسا وفي المغرب أيضا.

كان الدليمي مجبرا على حضور المحاكمة، رغم أنه كان نافذا جدا في المغرب، لكن ثقل قضية اختفاء المهدي بن بركة، جعل أمر تمكين الدليمي من معاملة تفضيلية أمرا مستحيلا.

ومجددا وضعته الـCIA تحت المجهر. تقول الوثيقة رقم 143 المسجلة في فقرة علاقات الدليمي المتشعبة في الخارج، إن الأمريكيين رصدوا تحركات الجنرال ومحاولاته التقرب من المعارضة التي خاض حربا كبيرة ضدها خلال الستينيات محاولا التقرب من رموزها منذ سنة 1975. وهي السنة نفسها التي أصبح خلالها المكلف الأول أمام الملك الحسن الثاني بملف الجيش المغربي والعمليات العسكرية في الصحراء، بما فيها صفقات السلاح وتوزيع وحدات الجيش وبناء الجدار الأمني العازل.

 مخطط ستوكهولم يونيو 1982.. فيديو سجلته CIA وأرسلته للرباط

ربما لم يكن الجنرال الدليمي في صيف سنة 1982 يُدرك أنه مراقَب خلال مقامه القصير في مدينة ستوكهولم.

ورغم أنه، حسب مصادر متباينة، كان شديد الحرص على عدم الظهور العلني خلال زياراته المنفردة، أو غير الرسمية إلى الدول الأوربية، إلا أنه سقط في شرك الـCIA الأمريكية، وهو الذي كان يعلم جيدا خبايا ملفات التعاون الاستخباراتي بين المغرب والولايات المتحدة الأمريكية منذ زيارة الملك الحسن الثاني الرسمية إليها للقاء الرئيس كينيدي بداية الستينيات.

يقول «ويليام بلوم»، الضابط السابق في المخابرات المركزية الأمريكية، إن جهاز CIA سجل اجتماع الجنرال الدليمي مع الضابط المغربي أحمد رامي في مدينة ستوكهولم ببهو أحد الفنادق الفخمة.

لم يكتف عملاء الـCIA الذين راقبوا الجنرال المغربي، الذي كان مكلفا بملف الصحراء حيث كانت تجري عمليات عسكرية مكثفة في المنطقة ردا على اختراقات التراب المغربي من طرف ميليشيات البوليساريو، بالتقاط الصور وحسب وإنما سجلوا مقطع فيديو كاملا من عدة دقائق. وهكذا قدموا للملك الحسن الثاني دليلا قويا على أن الجنرال الدليمي كان يخطط فعلا لأمر ما في المغرب، خصوصا وأن المخابرات الفرنسية نقلت بدورها وجود اتصالات سرية بين الجنرال وقيادات في الجيش الجزائري تفاوض معهم في ملف الصحراء.

جاء هذا الفيديو الذي سجلته المخابرات الخارجية الأمريكية تأكيدا لتقرير أمريكي سابق، يقول «ويليام بلوم» إنه رصد وجود اتصالات مكثفة بين الجنرال الدليمي في نهاية السبعينيات وتيار من الضباط في مصر وسوريا والجزائر، دون أن يخبر الملك الحسن الثاني بمضمونها ودون أن يعلمه أنه كان يعقدها معهم. وهو ما أكد للأمريكيين رسميا أن الجنرال الدليمي كان فعلا يسعى إلى قلب النظام في المغرب منذ نهاية السبعينيات.

حسب «ويليام بلوم» فإن الجنرال الدليمي أصبح شخصية «خطيرة» في عيون الأمريكيين وأكدوا أنه يجب أن تتم تنحيته وأرسلوا تقريرا مفصلا إلى الملك الحسن الثاني يضم التسجيل المصور للجنرال مع الضابط أحمد رامي، الذي هرب من المغرب بعد فشل انقلاب سنة 1972 الذي استهدف الطائرة الملكية وشارك فيه، وعددا من الصور للقاءاته مع شخصيات عسكرية جزائرية بشكل سري في عواصم أوربية.

يؤكد السيد «بلوم» المهتم بملفات المخابرات الأمريكية في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا سابقا، أن المغرب لم يكن له أي دخل في الوفاة الغامضة للجنرال الدليمي، مؤكدا حسب الوثائق التي أخرج منها مادة كتابه «CIA.. A Forgotten history»، أن الجنرال الدليمي لقي حتفه على يد ضباط من المخابرات الأمريكية تولوا أمر إزاحته من المشهد لأنه بدأ في تشكيل خطر كبير على مستقبل المنطقة.

راجت في الصحافة الفرنسية خلال سنة 1983 روايات كثيرة عن تورط المخابرات الفرنسية في الحادث المأساوي الذي تعرض له الجنرال الدليمي، لكنها حسب السيد «بلوم» لم تكن صحيحة بالمرة، وأنها كانت تقتات من خيال بعض الصحافيين المتحمسين لا أكثر. الوثائق التي اعتمد عليها «ويليام بلوم» لدعم روايته عن شخصية الجنرال الدليمي بعيون CIA الأمريكية استند فيها على وثائق من أرشيف الجهاز بالإضافة إلى معطيات من ضباط سابقين اشتغلوا على ملفات تقاطع فيها اسم الجنرال كثيرا مع مصالح أقوى مخابرات في العالم.

الجنرال الذي لم يكن مناسبا للسلطة

يقول «ويليام بلوم» إن الجنرال الدليمي لم يكن شخصا مناسبا للتفاوض، فقد كان الأمريكيون يعرفون أنه شخص مزاجي يخافه كل المحيطين به كما أنه كان يدير الملفات الأمنية بكثير من الغموض. ورغم ذلك فقد وصل الأمريكيون إلى فحوى عدد من المخططات التي كان يشرف عليها الجنرال بنفسه خارج المغرب، خصوصا منها تلك التي تتعلق بمعارضين مغاربة من اليسار ومن قدماء جيش التحرير المغربي الذين صدرت في حقهم أحكام بالسجن والإعدام، واتهموا بزعزعة استقرار الدولة.

المثير أن الجنرال الدليمي كان له ثأر شخصي ضد بعض هؤلاء المتهمين ولعب دور «الغراق» ضدهم. التقرير أورد أن الجنرال حاول تصفية مشاكل شخصية بينه وبين بعض الأشخاص بتوريطهم أمنيا بتهم ثقيلة جدا تتعلق بتهريب السلاح وزعزعة الأمن الداخلي للبلاد.

على ضوء هذه المعطيات التي أوردتها وثائق CIA، يمكن إقامة ربط بين الترقية السريعة التي حظي بها الكولونيل أحمد الدليمي وهو لا يزال في أولى درجات السلم الأمني. إذ أنه كان في محيط الملك الحسن الثاني بداية الستينيات لأن والده كان شخصية مقربة من النظام، بحكم أنه اشتغل في الداخلية وهكذا دخل الإبن من البوابة ليتقدم بسرعة غير متوقعة ليصل إلى الصفوف الأمامية للمسؤولين.

وحسب بعض المعطيات المحلية، فإن والد الكولونيل الدليمي، الحسن الدليمي، كان من الشخصيات النافذة لوزارة الداخلية وكان لديه اتصال شخصي بالجنرال أوفقير بحكم أنه درس أيضا في «كوليج» أزرو، ولا بد أن أحمد الدليمي بعد ولوجه عالم السلطة استفاد من علاقات والده.

المثير أن الكولونيل الدليمي ترقى في مناصب الإدارة العامة للأمن الوطني والمخابرات معا منذ قضية اغتيال «شيخ العرب» ومن معه سنة 1964. وهو ما يقوي المعلومات التي جمعها الأمريكيون عنه، إذ أن تقاربا كبيرا وقع في الخفاء بينه وبين الجنرال أوفقير منذ تلك العملية.

وعند تأسيس الإدارة العامة للوثائق والمستندات، لم يكن هناك من وجه مناسب لإدارتها غير الكولونيل الدليمي الذي أصبح بقوة هذا المنصب نافذا جدا في ملفات داخلية وخارجية، وراكم علاقات مع مسؤولين كبار من أنظمة عربية. إذ أنه تواصل مع قادة الجيش الجزائري في عز الحرب في الصحراء، حيث كانوا يمولون البوليساريو بالسلاح والمال والعتاد، لكن الجنرال لم يجد غضاضة في الجلوس معهم إلى طاولة واحدة بدون علم الملك الراحل الحسن الثاني، لتتولى الاستخبارات المركزية الأمريكية أمر نقل تلك المعطيات إلى الملك الحسن الثاني وتحذيره بشأن تحركات أقرب مقربيه وتخطيطه لقلب النظام في المغرب. قبل أن يتولى الأمريكيون أمره حسب «ويليام بلوم» الذي زكى هذه الوثائق، رغم أنه كتب كتابه خلال التسعينيات ولم ترفع السرية عن هذه الوثائق التي تؤكد روايته إلا في منتصف سنة 2020.

وقال «ويليام بلوم» إن الأمريكيين لم يرشحوا أيا من رجالهم للتعامل مع الدليمي بشكل مباشر لأن التقارير التي جمعوها عنه تبين لهم من خلالها أن الرجل لم يكن مناسبا أبدا لأي نوع من المفاوضات أو إقامة اتصال مباشر معه.

الجنرال الدليمي في التلفزيون الإسرائيلي

حسب الوثيقة رقم 128 تحت تصنيف وثائق 1983، فإن الكولونيل الدليمي بعيون الأمريكيين كان صديقا لضباط في الموساد الإسرائيلي وأن علاقته بهم تعود إلى سنوات الستينيات. وقد تحدث عدد من قدماء هذا الجهاز السيء السمعة، عن صداقات بين الجنرال أوفقير والكولونيل الدليمي وعدد من الشخصيات الاستخباراتية من الموساد وأن الجنرال سبق له زيارة إسرائيل في زيارات ودية غير رسمية للاجتماع بقادة المخابرات في الموساد.

أحد هؤلاء الذين تعرفوا على الجنرال أوفقير والكولونيل أحمد الدليمي، هو رافي إيتان الذي يعرفه العالم جيدا خصوصا في أوربا، لأنه كان مشاركا في عملية سنة 1960 تحدث عنها العالم أجمع وتتعلق باختطاف الجنرال الألماني «آيخمان» عاش لسنوات مختفيا في الأرجنتين بهوية مزورة بعد سقوط نظام «هتلر» النازي في ألمانيا.

رافي إيتان قال إن الجنرال الدليمي جاء إليه في نفس ليلة اختفاء المهدي بن بركة وطلب منه مساعدته على التخلص من الجثة، ليبدو حسب هذه الرواية أن الأمر يتعلق باغتيال مرتجل. في ما شاع لسنوات في أوساط المغاربة أن بن بركة صفي وذوبت جثته في الأسيد داخل التراب المغربي بعد اختطافه وقتله في باريس وترحيل جثمانه بشكل سري، يدين السلطات الفرنسية، إلى المغرب. ولم تكلف فرنسا نفسها عناء الإفراج عن الأوراق السرية المرتبطة بأجهزتها الأمنية لتنهي الجدل في الموضوع، وظلت إلى وقت قريب تعتبر الموضوع ضمن نطاق الأمور السرية لأمن الدولة، رغم أن الديموقراطية تقتضي الإفراج عن الأرشيف الأمني المتعلق بهذا النوع من القضايا خصوصا وأن الكشف عنه لا يضر بمصالح أمن الدولة، ما دامت كل الأطراف المرتبطة بالقضية، غير موجودة.

يقول إيتان في تزكية روايته، إنه كان على اطلاع بتحركات زعماء عرب كثيرين، بل وقال خلال تلك المقابلة وبدم بارد، إنه قام بأدوار رئيسية في عملية اغتيالهم، لكن لم يسم أحدا منهم بالاسم، فهل يعقل أن يكون المهدي بن بركة واحدا منهم؟

من خلال كلامه دائما، يقول إنه ساهم في اغتيالات زعماء عرب، لكن إفادته في موضوع المهدي بن بركة، يقدم فيه نفسه كمستشار ساعد على دفن الجثة، التي احتار الدليمي في أمرها، وهو أمر غير منطقي بالمرة، خصوصا وأن إيتان يقدم نفسه إعلاميا على أنه رجل المخابرات المحترف.

هذه التفاصيل وغيرها التي انفجرت سنة 2015 و2016، وحولت صاحبها إلى نجم في القنوات الإسرائيلية، أدخلت اسم الجنرال الدليمي إلى التلفزيون الإسرائيلي حيث كان يذكره هذا الضابط السابق في المخابرات دون حتى أن يُعرف المشاهدين به، وعندما سأله المذيع أجاب بثقة: «كلهم يعرفون الدليمي هنا، إنه شخصية شهيرة». فهل كان فعلا كذلك؟

حسب تقارير الـCIA، فإن الجنرال الدليمي كان فعلا شخصية معروفة جدا في منطقة الشرق الأوسط ما بين سنوات 1966 و1983، إذ أن الصحافة استهلكت اسمه كثيرا خلال أطوار المحاكمة في تحديد المسؤوليات حول الاختفاء التراجيدي لزعيم المعارضة المغربية المهدي بن بركة من أمام مقهى «ليب» في باريس في أكتوبر 1965، كما أن اليهود المغاربة كانوا يعرفونه جيدا بحكم تداول الصحافة لاسمه كثيرا في ذلك التاريخ.

حسب «ويليام بلوم» فإن تقارير المخابرات المركزية الأمريكية رصدت وجود علاقات متشعبة للجنرال مع بعض الشخصيات النافذة في الشرق الأوسط وهو ما أكد لهم أنه كان ينوي فعلا قلب النظام في المغرب، وبما أنهم لم يكونوا يثقون فيه، فإن التقارير كانت تؤكد أن الاستقرار الأمني والسياسي في المنطقة غير مضمون نهائيا إذا وصل الجنرال الدليمي إلى السلطة.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى