شوف تشوف

الرأيالرئيسية

في ذكرى هيروشيما وناغازاكي (1)

بقلم: خالص جلبي

 

بين 6 غشت و9 غشت تم قصف مدينتي هيروشيما وناغازاكي بأفظع سلاح في تاريخ الإنسان لم تحلم به حتى آلهة أولمب. وذهب إلى المقابر في لحظات، ثم سنوات متتاليات، نصف مليون من الأنام بالحرق والخرق والسرطان لاحقا.

نحن الآن في الذكرى السنوية لهيروشيما، وعلينا أن نستوعب أن السلاح الذري استخدم مرة واحدة فقط، والسؤال هل يمكن أن يرتكب البشر حماقة استخدامه مرة أخرى؟ الجواب عن هذا، نأخذه من المقابلة التي تمت بين وزير دفاع كينيدي الأسبق، مكنمارا، وكاسترو، بعد مرو ثلاثين عاما على الحدث.

لقد صعق وزير الدفاع الأمريكي «مكنمارا» في مقابلته لكاسترو، بعد مرور ثلاثين عاما على أزمة كوبا، وخرج من المقابلة غاضبا؛ فقد أخبره الديكتاتور المتهالك في أرذل العمر جوابا عن ثلاثة أسئلة:

هل كنت تعلم بوجود الرؤوس النووية؟ وهل كنت ناصحا خروتشوف باستعمالها؟ وهل كنت تعلم ماذا سيحل بكوبا، لو استخدمت الرؤوس النووية؟ أجاب الطاغية ببرودة: كنت أعلم بوجودها، وأنا من نصحت خروتشوف بإلحاح باستعمالها، وأنا أعرف أنها نهاية النظام الاشتراكي وكوبا.

كانت الرؤوس النووية 162 رأسا، منها 90 تكتيكيا موجهة إلى أمريكا، يكفي لإرسال تسعين مليونا من الأنام إلى عالم أونوبيس السفلي، وأن الغواصات الروسية التي كانت تناجز الحصار الأمريكي، من سفن وبوارج، كانت تحمل الأوامر باستخدام الرؤوس النووية المحمولة في أحشائها. وحين علم «مكنمارا» بعد ثلاثة عقود بهذه المعلومات، أمسك رأسه بعصبية، وقال: كانت نهاية العالم وهدم المعبد على رؤوس الجميع.

بعد أن دلف مكنمارا إلى الشيخوخة يتكلم وعمره 85 عاما من السنين المليئة بالتجارب، فيقول: إن السياسة النووية لأمريكا سخف عسكري، وهي قبل كل شيء لا أخلاقية. ويتابع المخضرم: إنها دروس وعبر من حياتي؛ أولا يبدو أنه لا يوجد من يتعلم من الأخطاء النووية، هي مرة واحدة فقط ومعها نهاية العالم.

هي تذكر بأخطاء الكهرباء؛ فقد روى لي صديقي أمير الحموي من النماص، وأنا أسأله عن أفظع ما رأى في حياته، وهو يتعلم الصنعة؟ أجاب: لقد تفحم أستاذي أمامي حين صعقه التيار، وهو يمسك بسلك كهربي خطأ، تفحم بدون أن نرى حريقا، بل أمسك به تيار لا نبصره؛ أمسك به، ونحن نرى كل هذا؛ فلا نملك له شيئا ولا يتجرأ أحد على نجدته، خوفا أن يمسه فيحترق معه؛ كذلك كان خطأ السلاح النووي مع الفارق!

يقول وزير الدفاع مكنمارا: ثانيا يجب أن نتعاطف مع العدو، ونتصور مكاننا محله ما كنا فاعلين؟ وهو ما واجه به الديكتاتور العجوز «كاسترو» عن احتمال مسح كوبا من الوجود، قال: لو كنتم في مكاني، لكنتم تصرفتم الشيء نفسه. وهو قول طاغية لا يأبه لأكثر من كرسيه، الذي حافظت له روسيا عليه باتفاق سري مع أمريكا، ظهر للسطح بعد ثلاثين سنة، فكان من جملة تفصيلات صفقة سحب الصواريخ من حدود تركيا المطلة على روسيا، المحافظة على العرش الإمبراطوري لكاسترو، حتى يأتي اليوم الذي يحجر عليه صحيا من الرفاق بشهادة الخرف كما حدث مع بورقيبة، أو ما أصاب مبارك في مصر، وبن علي والقذافي المقذوف، أو صدام المصدوم المشنوق.

يقول مكنمارا: ثالثا، إنه لا توجد عقلانية في زمن الحرب النووية، وما أنقذنا في أزمة كوبا التي استغرقت 12 يوما من 16 إلى 28 نونبر، كان مجرد الحظ، والحظ فقط.

إن المزيج من نقص العصمة البشرية، مع كمال السلاح النووي، سيقود إلى تدمير العالم إذا لم نفعل شيئا حياله. إن أمريكا التي تملك حاليا 7500 رأس نووي، منها 2500 رأس استراتيجي قابل للانقذاف كل ربع ساعة، وبقرار من بشر واحد مزاجي، هي عين الكارثة.

ومكنمارا الذي يروي ذكرياته بعنوان «ضباب الحرب The Fog of War» ليس الوحيد الذي ينذر الجنس البشري بأسوأ العواقب؛ ففي لقاء الخمس سنوات (لاتفاقية الحد من انتشار الأسلحة النووية)، الذي عقد في نيويورك في ماي 2005م، وحضره دبلوماسيو العالم، قال كوفي عنان: «لو انفجرت قنبلة ذرية في إحدى عواصم العالم، فلسوف يتوجب علينا أن نسأل أنفسنا هل عملنا الكفاية لتفادي الكارثة؟».

وتحدث «يوشكا»، وزير الخارجية الألماني الأسبق، عن «خطر حقيقي للإرهاب النووي». أما البرادعي، رئيس الوكالة الدولية للطاقة الذرية الأسبق، فقد مضى إلى أكثر من هذا، فقال في مقابلته مع مجلة «المرآة الألمانية» عام 2004 ما خلاصته: إنه لم يمر على العالم خطر اندلاع حرب نووية، كما هو عليه حال العالم اليوم. وإن الخطر هائل في وقوع أسلحة نووية في يد ديكتاتوريين لا ضمير لهم، أو إرهابيين لا يردعهم عن عملهم رادع. وإن أكبر خطيئة هي محو الذاكرة التدريجي من كارثة هيروشيما. وتذهب تقديرات «بيل بيري»، وهو وزير دفاع أمريكي أسبق، في إمكانية انفجار سلاح ذري في السنوات المقبلة على الأرض الأمريكية على حين غرة بنسبة 50 في المائة.

ومعنى هذا أن هيروشيما يجب أن تحيا في الذاكرة المرة بعد المرة، ومع كل صيف لاهب أن هذا قابل للحدوث، وليس أمرا أصبح في ذاكرة التاريخ كما في مرض الجدري الذي انقرض عام 1976م، أو أن الردع النووي ضمانة كافية للسلام العالمي؛ فجنون البشر وحماقتهم ليس لها حدود، وكل الأديان تنبأت بنهاية وشيكة للعالم.

وكان الإنسان أكثر شيء جدلا.

 

نافذة:

إن المزيج من نقص العصمة البشرية مع كمال السلاح النووي سيقود إلى تدمير العالم إذا لم نفعل شيئا حياله

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى