شوف تشوف

الرأي

في ذكرى انتفاضة الأقصى

عبد الإله بلقزيز

اندلعت، قبل عشرين عاما من اليوم، الانتفاضة الفلسطينية الثانية، التي عرفت باسم «انتفاضة الأقصى» (28 شتنبر 2000)، مستأنفة ما كانت قد بدأته الانتفاضة الأولى (دجنبر 1987- 1991) من تقاليد كفاحية، وما حصدته من مكتسبات سياسية ووطنية. الشرارة التي أوقدت انتفاضة الأقصى هي تدنيس الإرهابي أرييل شارون الحرم القدسي الشريف محاطا بحراسة قوى الأمن الصهيونية، في حركة أراد بها تجريء الجماعات اليهودية المتطرفة، في فلسطين المحتلة، على انتهاك الحرم واستفزاز مشاعر الفلسطينيين الدينية والوطنية: مسلمين ومسيحيين. لكن أسباب الهبة الشعبية العارمة أبعد وأعمق من مجرد «زيارة» استفزازية، وتعود إلى الإخفاق الذريع الذي منيت به سياسات التسوية، التي نهجتها قيادة منظمة التحرير والسلطة الفلسطينية، طيلة عقد التسعينيات من القرن الماضي، وما قادت إليه من استفحال أوضاع الشعب الفلسطيني داخل أقفاص الحكم الذاتي، في امتداد تزايد القمع الصهيوني وسياسات الإذلال والاستيطان والتهويد.
وعلى مثال ما حاولته الانتفاضة الأولى من إنقاذ للحركة الوطنية الفلسطينية من مأزقها، حاولت الثانية الأمر نفسه مع اختلاف في العناوين. أتت انتفاضة العام 1987 في سياق أزمة حادة ألمت بالعمل الوطني الفلسطيني، بعد خروج المقاومة من لبنان، صيف العام 1982، وانسداد خيار المقاومة المسلحة من التخوم، وتوزع آلاف مقاتليها في الآفاق، فكانت الانتفاضة بمثابة الحجر الأساس لنقل مركز العمل الوطني من الخارج (= اللجوء) إلى الداخل، وبالتالي لتعزيز استقلاليته القرار الوطني الفلسطيني من مصادرة الدول التي تقيم فصائل المقاومة ومكاتبُها ومقارها وقواعدها فيها. ولقد جربت انتفاضة الأقصى أن تُخرج السلطة وقيادة المنظمة من متاهات «الحل» التفاوضي والتنسيق الأمني مع الاحتلال، وأن تعيد ضخ الحياة في الخيار النضالي الوطني، من طريق تأمين أوسع قاعدة شعبية في العمل الوطني الميداني، وعزل القوى الداخلية المؤيدة لأوفاق «أوسلو»، قصد انتزاع الحقوق الوطنية بقوة الاشتباك مع الاحتلال والضغط الشعبي عليه.
ومن المفيد، هنا، أن نتذكر أن انتفاضة الأقصى استثمرت متغيرين كبيرين حصلا في مشهد الصراع العربي – الصهيوني، بأشهر قليلة قبل اندلاعها، بل كانا في جملة وقودها. أولهما أن الاحتلال الصهيوني جلا، لأول مرة، عن أرض عربية بقوة سلاح دحر جنوده مهزومين. كان ذلك في جنوب لبنان، في مايو من العام 2000. وكان معنى الحدث هذا أن دحر العدو بالقوة، ومن غير تفاوض أو تنازل، أمر صار في عداد الإمكان. وثانيهما أن سياسة التنازلات الفلسطينية، في مفاوضات المرحلة الانتقالية، توقفت في مفاوضات «كامپ ديڤيد» الثانية (يوليوز 2000) حول «الوضع الدائم»، من طريق إشهار لاءات في قضايا القدس واللاجئين والولاية الجغرافية. وهو ما عنى للشعب المنتفض أن انتفاضته قد تعزز الموقف السياسي وتحرره أكثر من الرضوخ للابتزاز الصهيوني – الأمريكي. هكذا صبت، بذكاء، نتائج الحدثين الكبيرين في رصيدها الكفاحي.
أجهضت الانتفاضة الأولى لعام 1987 من أسف شديد. أجهضتها أوهام التسوية التي ذهبت بقيادة منظمة التحرير إلى «مؤتمر مدريد» ومفاوضات واشنطن، وصولا إلى أوفاق «أوسلو» ودهاليز حكم ذاتي أتى غطاء سياسيا لمزيد من قضم الأرض والاستيطان والتهويد. وكذلك أجهضت انتفاضة الأقصى بعد خمسة أعوام. أجهضتها الأوهام عينها التي تجددت في سياق من الرفض الرسمي لأي مقاومة، تحت عناوين: رفض «عسكرة» الانتفاضة، أو «السلاح الشرعي الوحيد» (= سلاح أجهزة السلطة). وكانت النتيجة انقسام السلطة ذاتها! واليوم، بعد عشرين عاما من انطلاقتها، تعيد انتفاضة الأقصى تذكيرنا جميعا – فلسطينيين وعربا – بأم دروسها: ما من حق يتحصل إلا بالقوة، وما عداه وهم… إنه درس الدروس جميعا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى