في ذكرى المُدرّس والمدرسة
يونس جنوحي
في اليوم العالمي للمدرّس، لا يمكن إلا التأسف على ما وصل إليه التعليم في المغرب وما يتخبط فيه منذ سنوات من مشاكل تتعلق بما هو بنيوي وما هو أخلاقي، مرتبط أساسا بالتحولات التي عرفها المجتمع المغربي خلال العقود الأخيرة.
آخر التصنيفات الدولية تضعنا في أسفل القائمة تماما، إلى جوار دول منكوبة ومحطمة جراء الحروب، بل وأسوأ من قطاع غزة الذي يعيش سكانه تحت حصار خانق منذ أزيد من عقد.
ومع انطلاق الموسم الحالي، أي قبل شهر بالضبط، سجلت حالات كثيرة من الإهمال والصعوبات أثناء الدخول المدرسي، منها ما هو مرتبط بالتنظيم والتوزيع الجغرافي، ومنها ما هو مرتبط بالكوارث الطبيعية التي عرّت واقعا مغربيا مريرا حصد الأرواح وطّوق سكان المناطق المعزولة.
كل هذا لا يمنع في الحقيقة من التنويه، وهذا أضعف الإيمان، ببعض جنود الخفاء في مهنة التعليم التي تأثرت كثيرا بموجة التهريج والخواء الفكري. هناك اليوم أساتذة قضوا زهرة شبابهم متجولين بين الجبال وساهموا في جعل أبناء القرويين شبابا متعلمين منهم من وصلوا إلى أعلى المراتب. ولولا حرص بعض رجال التعليم على إخراجهم من دائرة التهميش والجهل، لربما انتهوا كما انتهى آباؤهم منسيين لا يتذكرهم أحد إلا في الانتخابات، ولا يزورهم إلا مصورو أفلام البرية والمغامرات.
المدرسة العمومية تعيش اليوم أسوأ أيامها، وهذا أمر مرتبط أساسا بانحدار مجتمعي خطير يتفه كل ما هو فكري بالأساس، ومن جهة أخرى يرتبط بسوء التدبير الحكومي، رغم أنه لا أحد يتحمل مسؤوليته في هذا الباب.
ورغم أن هناك هروبا شبه شعبي من التعليم العمومي نحو القطاع الخاص الذي لم يعد حكرا على الميسورين، فإن المدرسة العمومية تخلق الحدث نهاية كل يونيو عند صدور نتائج الباكلوريا، حيث يحصل عدد كبير من أبناء الشعب على نتائج مشرفة تؤهلهم للالتحاق بأرقى الجامعات الدولية، بل وبمنح لا يحصل عليها إلا النوابغ، ويذهبون بعيدا في مسارهم العلمي، ومنهم اليوم من يشتغلون في وكالات الفضاء والطاقة والبحث العلمي، بل وفي مؤسسات دولية فكرية وأخرى ترتبط بما هو حقوقي وإنساني، وكلهم من خريجي المدارس العمومية وجربوا في طفولتهم «البوماضا» الصفراء العجيبة التي تقول الأسطورة إنها تشفي كل الأمراض تقريبا..
على الذين يحاربون اليوم هيبة المدرسة ويُنكتون على رجال التعليم ويمعنون في احتقارهم، أن يدركوا أن الفترة الذهبية للتعليم في المغرب تزامنت تماما مع مرحلة الفقر الحكومي عندما كانت موارد الدولة محدودة جدا وعندما كان المغرب على رأس الدول التي تحصل على المساعدات الدولية. كان وقتها المعلم رمزا للمستقبل الذي يريد المغاربة من أصحاب الضمائر أن يرسموه لأولادهم.
عندها، كان نخبة رجال التعليم يصدرون الجرائد والمجلات الثقافية ويؤسسون الجمعيات ويراسلون الملاحق الثقافية. أما اليوم فقد ابتلينا بدخلاء على نُبل مهنة التدريس، وصار لدينا دخلاء يتركون أبناء المغاربة وحيدين في الأقسام مع الطاولات العرجاء ويغادرون لحضور جلسات المجالس الجماعية ويسعون وراء دعم الجمعيات ولا يكتبون إلا في الفايسبوك احتجاجا على أشياء ترتبط بكل شيء إلا بالتعليم. هؤلاء جعلوا الغيورين الحقيقيين على المهنة يدخلون في اكتئاب حقيقي ويفكرون في مغادرة المغرب في أية لحظة.
لا بأس أن نسرق من وقت هؤلاء الذين ينكرون وجود مشاكل في قطاع التعليم، لكي نذكرهم بقصة الأستاذ الراحل قبل ثلاث سنوات، والذي جرفه الوادي لأنه رفض الغياب بدعوى الأمطار الغزيرة، وفضل محاولة العبور نحو القرية التي ينتظره فيها تلاميذه الصغار. رحل الأستاذ وبقي التلاميذ يتامى ينتظرون خلف المجلة الحائطية وقارورات الفاصوليا والطباشير الملون.. رحم الله الجميع.