حسن البصري
ليبيا كانت وراء تأسيس البوليساريو وليس دعمه فقط..
الكيان الصحراوي الانفصالي صنعه القذافي، وبعد أن تمت صناعته تبنته الجزائر في عهد هواري بومدين الذي عرفت العلاقات المغربية- الجزائرية في عهده توترا رهيبا. لكن الحسن الثاني ومعمر القذافي وقعا اتفاقية الوحدة المغربية- الليبية سنة 1984. هذه المعاهدة لم تدم سوى عامين، بعد استقبال الملك لرئيس الوزراء الإسرائيلي صيف 1986 بمدينة إفران، ليقرر القذافي وقف التعامل بالمعاهدة. هذا الطارئ استغلته الجزائر وأعادت القذافي إلى صفها، علما أن محيط الزعيم الليبي كان يميل لأطروحة الانفصال، وأن القذافي التزم حينها بوقف دعم جبهة البوليساريو بشكل نهائي، ثم اعترف بعد ذلك متأخرا بأنه ارتكب أخطاء، ومنها دعم البوليساريو.
كيف جاءت فكرة كتابة سيرة داخل سجون البوليساريو؟
أنا لم أكتب سيرة ذاتية في سجون البوليساريو، بالمعنى المتعارف عليه، أي أجلس في زنزانة وآخذ ورقا وقلما وأشرع في الكتابة، على غرار أدب السجون.. لا أبدا هذا لم يكن مسموحا به بل ويعاقَب عليه عند البوليساريو، حتى ولو كتبت اسمك واسم والديك في ورقة فأنت مذنب. أنا من طبعي عاشق للقراءة والكتابة، راودتني فكرة تسجيل أسماء الموتى من أسرانا المغاربة، حتى لا يصبحوا في طي النسيان، كلما كان يموت مغربي كنت أدون اسمه في ورق مقوى بقلم صغير عثرت عليه وأخفيته بعيدا عن المعتقل. إذن بدأت أسجل أسماء الأسرى الذين ماتوا، رحمهم الله وأسكنهم فسيح جناته، في ورق كيس كرتوني يستخدم في تلفيف الإسمنت، وغالبا ما كنت أكتب في خلوة بمكان أشبه بالمرحاض وفي سرية تامة.
لماذا لم تكتب هذه المعلومات في ورق أبيض؟
يمنع على الأسرى امتلاك قلم وورق أبيض أو كتاب أو مذياع وكل ما يمكن أن يصلك بالعالم الخارجي، وإذا وجدوا في حوزتك ورقا قابلا للكتابة، ستخضع للتحقيق وستعيش التعذيب لمدة ستة أشهر، وسيسألك المحققون عن الجهة التي تتخابر معها وتتهَم بالعمالة للمغرب. للأمانة فإن بعض أفراد البوليساريو يتعرضون بدورهم للتحقيق ويتهمون بالعمالة للمغرب، إذا ظهرت عليهم أعراض الغضب مما يحصل في الرابوني والمخيمات. وأذكر أن أسيرا مغربيا كان يخبئ بين أمتعته قطعة ورق من كتاب لأغاني أم كلثوم، بها مقطع لأغنية لها أعجبته، ولما عثر الحراس على الورقة جلدوه حتى أغمي عليه.
ما البيانات التي كنت تدونها؟
كنت أدون اسم الشخص المتوفى ورقمه العسكري ورقم الصليب الأحمر الدولي الذي يحمله، وتاريخ ولادته ووفاته، وصفته ومكان اعتقاله، وغيرها من البيانات التي تجعلنا نتذكر موتانا. بعد ذلك سأشرع في تدوين أسماء «البركَاكَة» من المغاربة المعتقلين، الذين استرخصوا وطنهم وأصبحوا في خدمة البوليساريو، منهم من ماتوا هناك ومنهم من ماتوا بعد العودة من الأسر، ومنهم من لازال يعيش بيننا. يمكن اعتبار مبادرة كتابة أسماء الموتى محاولة لإنقاذهم من صفة «سجين مجهول». المهم واصلت الكتابة السرية إلى التسعينات وكنت أدفن الورق في مكان مقفر لا ينتبه إليه أذناب البوليساريو عبارة عن مطرح للأزبال. لم تخطر ببالي فكرة تحويل ما دونته من معلومات إلى كتاب.
كيف ستتحول التدوينات العابرة إلى فكرة كتاب؟
ما كنت أدونه من بيانات لم يكن بغاية النشر، لكن يجب أن نوضح أمرا مهما، وهو أن البوليساريو لم يكن يكشف عن الأسرى المدنيين خلال زيارات المنظمات الإنسانية والحقوقية للمخيمات. كان يكتفي بالكشف عن الأسرى العسكريين ويوهم الزوار بأنهم سقطوا في معارك ضد الجيش المغربي. في المقابل يتم التعتيم على الأسرى المدنيين حتى لا يغضب عنهم الصليب الأحمر الدولي والجمعيات الإنسانية، مادام اعتقال المدنيين غير مقبول وغير مبرر. وجدت متعة في جمع المعلومات اعتمادا على ذاكرتي القوية في حفظها لعدة أيام، وعندما كنت أختلي بنفسي، عند قضائي الحاجة في مرحاض بالهواء الطلق، أكتب تلك المعلومات لكي لا ينتبه إلي الحراس.
كم استمرت مدة الكتابة في الهواء الطلق؟
ثماني سنوات تقريبا كلها خوف وقلق وترقب للأسوأ، إلى أن تم الاعتراف بنا كسجناء مدنيين مختطفين بضغط من منظمة الصليب الأحمر الدولي، حيث بدأنا نحتك تدريجيا وبحذر شديد بالحراس ومسؤولي الأمن داخل السجن، وبدأنا نكسب ثقة عناصر قيادية وخفت المراقبة اللصيقة التي كان يفرضها الحراس. لم أكن أفكر حينها بأنني سأنجز كتابا أو أسرب معلومات إلى خارج السجن، كانت فكرتي أن أحتفظ بما وقع لي ولباقي أبناء بلدي حتى موعد الإفراج عني.