شوف تشوف

الرئيسية

في الليلة الظلماء يُفتقد البدر

توفيق رباحي

تغلّب فيروس كورونا على العالم بسهولة وسرعة.. طغت الـ«أنا» على الـ«نحن»، وسارعت الدول إلى تعليق صادراتها ووارداتها وغلق حدودها في وجه الآخر. اختفت الاستشارات التقليدية، حتى الشكلية، التي كان يسارع إليها قادة العالم ومؤسساته في أزمات أصغر من هذه ألف مرة، وحلت بدلها الانعزالية والفردانية.
لكن النصيب الأكبر من الإخفاق واللامسؤولية يتحمله الرئيس الأمريكي. وإذا اتسع نطاق وباء كورونا وحصد ملايين الأرواح، فالمسؤولية الأكبر يتحملها ترامب: المسؤولية السياسية والأخلاقية والعلمية وربما الجنائية.
كان في استطاعة الولايات المتحدة أن تفعل الكثير لصد الوباء. أقل المطلوب منها كان الاستماع لتجارب الدول الأخرى والمجتمعات، ثم التعلم منها وقيادة العالم نحو وضع أقل خطورة.
ما حدث هو العكس تماما. عندما «وصلت الحرارة» إلى عقر داره، اختار ترامب أسهل الحلول لكن أكثرها غباءً وكلفة: غلق الولايات المتحدة في وجه العالم ووجه الأوروبيين، أقرب حلفاء بلاده!
تصرفَ ترامب بذهنية منحرفة وباستهتار سياسي نادر. تصرفَ بعقلية انتقامية لأنه كان يعتقد أن بلاده بعيدة عن الوباء أو كفيلة بالتغلب عليه بمفردها. قراره ذاك، غير المسؤول وغير الضروري، ضرب أسواق المال والاقتصاد العالمي في مقتل.
كان يُفترض، فيه كرجل أعمال أولاً، أن يدرك أن مجرد التفوه بذلك القرار وسط تلك الظروف العصيبة سيُحدِث زلزالا. وهو ما حدث فعلا إذ اقترب الاقتصاد العالمي من الانهيار، وخسر أناسٌ وظائفهم ورواتبهم وغابت الثقة في المؤسسات، من دون أن يستفيد ترامب وأمريكا شيئا. ناهيك عن العالم الذي تضاعفت أوجاعه ومعاناته، ليس من غلق المطارات الأمريكية بل من تداعيات ذلك القرار الأحمق وأبعاده الاقتصادية والمالية في عالم هشّ تتأثر أسواقه سلبا بتصريح من هنا أو هناك.
كان في إمكان ترامب أن ينفّذ القرار بذكاء وهدوء، لكن فاقد الشيء لا يعطيه. كان بإمكانه أن يمنع دخول من يشاء ويقلص بشدة عدد الرحلات التي تصل أمريكا من أوروبا، ومن غير أوروبا، من دون أن يصرخ كما فعل في ذلك اليوم المشؤوم ويتسبب في كوارث لبلاده وللغير. أخطر من كل هذه التداعيات والاضطرابات التي يتسبب فيها ترامب يوميا، مُضيّه في هذا الطريق الأعوج مدفوعا بإيمان خاطئ بأن بلاده تستطيع بمفردها السيطرة على الوباء وإعادة الحياة إلى طبيعتها.
لم يكتف الرئيس الأمريكي بأخطاء استراتيجية يرتكبها الواحد تلو الآخر، فقاد نفسه إلى حروب هامشية مع صحافيين ومراسلين، ليس هذا توقيتها على الإطلاق، وحرب دبلوماسية وكلامية مع الصين بلا داع وبلا طائل.
لا تفسير للإصرار على تسمية «فيروس كورونا» بـ» الفيروس الصيني» سوى أنه غرور وجهل سيُعيي صاحبه.
العالم اليوم بحاجة إلى أمرين عاجلين: الأول قيادة عاقلة ورشيدة ومسؤولة، جماعية أو فردية. والثاني عمل جماعي يبدأ فورا، بترامب أو من دونه، يشترك فيه رجال السياسة والحكم وأوساط المال والاقتصاد والمؤسسات الأمنية والخدمات الطبية والجهات العلمية.
من دون هذا التعاون، الأكثر من ضروري، أتساءل مثلا كيف ستستعيد أوروبا ثقة الإيطاليين المساكين أو الإسبان في مؤسسات الاتحاد الأوروبي ودوله بعد أن خذلتهم في أحلك الظروف وتركتهم لمصيرهم المشؤوم.
العالم بحاجة إلى التوجه نحو الصين للاطمئنان عليها والتعلم منها. وبحاجة إلى التوجه إلى إيطاليا ومواساتها، وإلى إيران وتعليق العقوبات المفروضة عليها لأن استمرارها في هذه الظروف المأساوية، لا يمكن وصفه إلا بأنه جريمة. وبحاجة إلى تذكّر إفريقيا التي ستموت عن بكرة أبيها لو تسرب إليها الفيروس بالوحشية التي تسرب بها إلى أوروبا.
أخطأت الصين في البداية عندما قللت من خطورة الفيروس وتعالت على مساعدات مقترحة من منظمة الصحة العالمية. لكنها نهضت من رمادها ولقّنت العالم درسا في الانضباط والصرامة. بدل الاستمرار في شتمها و«معايرتها» بالفيروس، سيقدم ترامب خدمة أفضل لشعبه لو استفاد من تجربتها.
تهاوَنَ النظام الحاكم في إيران مع الفيروس في البداية، لكن الذي يدفع الثمن اليوم ملايين الإيرانيين يحبون الحياة ويتمسكون بها مثل الأمريكيين والأوروبيين وأكثر.
تركت إيطاليا الأمور تفلت من بين يديها باستخفاف في البداية، لكنها اليوم تبذل قصارى جهدها، وحيدة، لاستعادة زمام الأمور، والعالم يتفرج.

نافذة
إذا اتسع نطاق وباء كورونا وحصد ملايين الأرواح، فالمسؤولية الأكبر يتحملها ترامب: المسؤولية السياسية والأخلاقية والعلمية وربما الجنائية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى