شوف تشوف

الرأي

في الفصل بين التكوين والتوظيف

لا حديث لعشرات الآلاف من المجازين هذه الأيام إلا عن المرسومين الجديدين اللذين يهمان المراكز الجهوية لمهن التربية والتكوين: الأول يهم تقليص المنحة إلى النصف والثاني يهم تعديل النظام الأساسي لموظفي التربية الوطنية، بحيث يصبح المتخرجون من هذه المراكز مضطرين لاجتياز مباراة للتوظيف، بدل ما كان معمولا به منذ إحداث هذه المراكز، عندما كانت مباراة الولوج إليها بمثابة مباراة توظيف.
ومساهمة منا في توقيف سلسلة التأويلات التي تعمق الشعور بعدم الأمان عند عشرات الآلاف من المجازين، فإننا نؤكد أن مرسوم فصل التكوين عن التوظيف، ثم تضمين النظام الأساسي لموظفي وزارة التربية الوطنية ضرورة أن تكون مباراة التوظيف في صفوف خريجي المراكز الجهوية، هو أولا طي رسمي لمهزلة التعيينات المباشرة التي تمت في عهد الحكومات السابقة. فالمهنة تعني التكوين، وثانيا هو تصحيح لخطأ يعود لسنة 2003، والذي كان ينص على أن الأساتذة الجدد في التعليمين الابتدائي والإعدادي يصنفون في السلم التاسع، لذلك كانت الوزارة تضطر إلى استصدار قرار وزاري لترسيم هؤلاء منذ تم إحداث المراكز الجهوية لمهن التربية والتكوين، والتي ينص مرسومها على منح السلم العاشر لكل الخريجين مهما كان السلك. في هذا المستوى، لا ينبغي أن نبرئ النقابات من هذا الإجراء الجزئي، إذ بدل أن يتم إخراج نظام أساسي جديد، منصف وعادل ومتكامل، فإن النقابات، لأسباب كثيرة، فضلت أن تعمل الوزارة على تصريف التعديلات في شكل مراسيم بدل إخراج نظام أساسي جديد، وهذا أمر نملك الدليل عليه. فالنقابات وحدها تتحمل مسؤولية تأخير إخراج هذا النظام، لأنها ماتزال في حاجة لـ«التفكير».
فإذا كان ظهور هذين المرسومين، وتوقيت المصادقة عليهما، قد كشفا أن مطبخ القرار في وزارة التربية الوطنية يتجاوز كثيرا المسار الإداري الطبيعي لاتخاذ القرار، بدليل أن المدير المركزي المكلف بتكوين الأطر تفاجأ هو نفسه بالمرسومين، فإن المؤكد هو أن المرسومين، بغض النظر عن التراجعات التي بدت واضحة، وخاصة على مستوى المنحة، خطوة أولى من طرف وزارة التربية الوطنية للتجاوب مع مضمون الرافعة التاسعة التي تضمنتها الرؤية الاستراتيجية للمجلس الأعلى للتربية والتكوين، وكذا مع ملاحظات المجلس ذاته بخصوص موقفه من مشروع التعديلات التي تقدمت بها وزارة التعليم العالي بخصوص القانون المنظم للقطاع، والمعروف بـ»قانون 001». فإذا كان عشرات الآلاف من الطلبة قد أصيبوا بانتكاسة بسبب عدم الفهم الجيد لأبعاد المرسومين، فإن ضعف الوزارة الواضح في التواصل زاد كثيرا من هذا الالتباس. سيما بسبب استمرار الغموض ذاته، في العلاقة مع التكوينات التي تقوم بها بعض الجامعات والمدارس العليا للأساتذة، وكذا بعض المراكز التكوينية الخاصة، والتي تمنح هي أيضا إجازات مهنية متخصصة في التربية. لكن بالعودة إلى الرافعة التاسعة الواردة في رؤية المجلس الأعلى، سنجد بوضوح، أن المرسوم أعطى قيمة أكبر للمراكز الجهوية عندما حرص على تطبيق نظام التكوين الموجود في كليات ومعاهد ومدارس عليا، تخرج مهندسين وأطباء وصيادلة، وهنا تنتهي مهمتها، أي مهمة التكوين. وسيكون على الدولة، بصفتها مشغلة، أن تجد وحدها السبيل لذلك، فالمراكز الجهوية هي مراكز تكوين أساس ومستمر، وهذه هي هويتها الأولى.
فالمرسوم كان واضحا في كون ولوج مهنة التدريس لا يمكن إلا أن يتم عبر المراكز الجهوية، وبذلك يحسم في رفض مطالب كثيرة من داخل المدارس العليا للأساتذة تطالب بالمعادلة، بين تكوينها وتكوين المراكز الجهوية، لكن حصر سبيل ولوج مهنة التدريس في المراكز فقط يمثل خطوة أولى لبداية استيعاب متخذي القرار في وزارة التربية الوطنية، لحيوية أن تكون للوزارة مؤسسات لتكوين الأطر، لها استقلال إداري وتربوي يمكنها من الاجتهاد في تجويد التكوين وفق السياسة التعليمية التي تتبناها الوزارة الوصية. كما يستجيب لتوصية رئيسية من توصيات المجلس الأعلى.
لا أريد القول إن الرؤية واضحة، لكن سيكون على الوزارة الآن أن تسارع إلى إخراج القوانين التنظيمية المكملة لهذين المرسومين. آخذة بعين الاعتبار عدم الحاجة لإعادة إنتاج نظام التكوين الفرنسي في ظل منظومتنا التربوية والإدارية «المهلوكة».. فإذا كان المرسومان يتجاوزان مشكلات في النظام الأساسي، ويوضحان العلاقة بين هذه المراكز والمدارس العليا، فإن صورة العلاقة بين الشهادة التي ستمنحها هذه المراكز ومباراة التوظيف وامتحان الكفاءة المهنية، غير واضحة.. وإلا فإن نظام التكوين عندنا سيصبح عبارة عن دوامة من المباريات لا تنتهي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى