شوف تشوف

شوف تشوف

في الحاجة لأصدقاء جدد

هناك متغيرات جيوستراتيجية تحدث بشكل متسارع يمكن أن تقلب الموازين مستقبلا على مستوى علاقات المغرب مع بعض القوى العالمية، خصوصًا المحورين المتصارعين، المحور الأمريكي وحلفائه والمحور الصيني الروسي وحلفائه.
فالعالم مقبل على تغييرات كبرى على مستوى الأقطاب، خصوصًا إذا فشل ترامب في العودة إلى البيت الأبيض، وقد عبر عن ذلك عندما قال مهددا إنه إذا لم ينجح فعلى الأمريكيين الاستعداد لتعلم اللغة الصينية، في إشارة إلى أن الصين سوف تستعمر أمريكا تجاريا.
إننا إزاء عالم ينهار مقابل عالم يولد يستعد لتسلم الريادة. وهنا علينا استحضار نبوءة هنري كيسينجر الذي قال قبل سنوات طويلة إن «الدب الروسي وحامل المنجل الصيني سينهضان من هجعتهما، في الوقت الذي يتعين فيه على إسرائيل أن تقاتل العرب، بكل إمكاناتها، وتقتل منهم بقدر ما تستطيع، والأمل أن يسير كل شيء كما هو مخطط له، وأن يصبح نصف الشرق الأوسط إسرائيلياً».
لذلك فبالنسبة لنا في المغرب أهم شيء حدث قبل أسبوعين هو توقيع المغرب اتفاقيتي شراكة مع المختبر الصيني “سينوفارم” (CNBG)في مجال التجارب السريرية حول اللقاح المضاد لـ”كوفيد-19″، مما سيمكن المغرب من سبق في الحصول على اللقاح وربما إنتاجه وتسويقه في إفريقيا.
بعد ذلك رأينا كيف أنه في أسبوع واحد اتصل الملك محمد السادس بالرئيس الصيني في إطار مباحثات تندرج في إطار علاقات الصداقة القائمة بين البلدين، والتي ارتقت بتوقيع الإعلان المشترك المتعلق بإقامة شراكة استراتيجية، الذي وقعه الملك والرئيس شي جينبينغ، خلال الزيارة الملكية لبكين في ماي 2016.
بعد ذلك بيوم واحد وبمناسبة الذكرى 62 لإقامة العلاقات الدبلوماسية بين المغرب وروسيا أكدت موسكو التزام المغرب وروسيا بتعميق الحوار السياسي بينهما حول القضايا الدولية والإقليمية الرئيسية، وأبرزت الخارجية الروسية على موقعها الرسمي أن البلدين يعملان على توسيع الحوار السياسي بينهما، من خلال اتصالات منتظمة بين وزارتي خارجيتيهما، وعبر العلاقات بين البرلمانين المغربي والروسي.
يحدث هذا والمغرب يعيش ضغطًا رهيبًا من طرف اللوبي الأمريكي الموالي لإسرائيل ومن طرف جهات في فرنسا ومن أطراف عربية أهمها الإمارات لكي يصطف المغرب للموقف المنادي بالتطبيع مع إسرائيل.
المغرب لم يقف مكتوف الأيدي أمام هذه الضغوطات، وأوضحت جهات عبر قنوات داخل أمريكا أن المغرب سيعمل على تطبيع علاقاته مع إسرائيل بشرط إجراء مفاوضات جادة وتنازلات تؤدي إلى قيام دولة فلسطينية على حدود عام 1967 مع القدس الشرقية كعاصمة لها. ثم إن المغرب يعرف أن الفترة فترة انتخابات بالنسبة لساكن البيت الأبيض وعادة القرارات الكبرى لا تؤخذ خلال هذه الفترات لأن نتائج الصناديق في أمريكا يمكن أن تقلب كل المعادلات رأسًا على عقب.
تعود المغرب أن تأتيه الضغوطات بملف الصحراء، لكن هذه المرة استهدفت الضغوط الرئة الاقتصادية التي يتنفس بها البلد وهي المكتب الشريف للفوسفاط، بحيث وضعت شركة موزاييك المقربة من الرئيس ترامب شكاية ضد المكتب أمام وزارة التجارة الأمريكية ولجنة التجارة الدولية الأمريكية ITC.
لهذا عندما قرر المكتب الشريف للفوسفاط مغادرة السوق الأمريكية فهذا خبر على درجة كبيرة من الأهمية. خصوصًا أنه تزامن مع مغادرة الشركة الروسية “PhosAgro” أيضا.
مغادرة شركتين عملاقين لإنتاج وتسويق الفوسفاط عبر العالم بحجم OCP وPhosAGro للسوق الأمريكية جاء بسبب لجوء شركة موزاييك الأمريكية للفوسفاط للقضاء من أجل الضغط على الشركتين بتهمة الإخلال بالمنافسة وكونهما يتلقيان دعما من حكومتي بلديهما ولذلك يسوقان منتوجهما بسعر أقل من سعر موزاييك.
شركة موزاييك اختارت أحد أشهر مكاتب اللوبيينغ والتي يوجد على رأسها Brian Ballard وهو شخص مقرب جدا من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب المعروف بسياساته الحمائية، بهدف واحد هو الدفاع عن مصالحها في الكابيتول.
هذا الشخص الذي يشتغل في مجال جماعات الضغط سبق له أن جمع دعما ماليا لصالح ترامب خلال حملته الانتخابية سنة 2016 وهو يشغل اليوم منصب المدير المالي المساعد للجنة الوطنية للحزب الجمهوري.
ولم تكتف شركة موزاييك بهذا بل لجأت إلى خدمات مكتب المحاماة David Ross الذي تربطه علاقات وثيقة بالحزب الجمهوري، وقد شارك هذا المحامي في مفاوضات اتفاقيات التجارة مع بلدان بينها المغرب وروسيا، كما أنه ترأس لجنة لتحالف الطيارين الأمريكيين ضد الدعم العمومي الذي تمنحه حكومات بلدان الخليج  لطيران الإمارات وقطر إيروايز والاتحاد الإماراتية، على اعتبار أن هدا الدعم يشجع المنافسة غير الشريفة.
لكن الأمر الذي جعل شركة موزاييك تخرج عن طورها وتمر للمواجهة القضائية هو مبادرة المكتب الشريف للفوسفاط بفتح فرع لشركته الأمريكية الشمالية بمنطقة مينيابوليس، أكبر مدينة في المينيصوطا، الولاية التي تتواجد في قلب ما يسميه الأمريكيون خزان قمح الولايات المتحدة الأمريكية، والأول على مستوى أمريكا في إنتاج القمح، وهناك حيث عمالقة الصناعات الغذائية لديهم مقراتهم، وأهمهم General Mills وCargill.
هنا ستصبح المعركة بين موزاييك والمكتب الشريف للفوسفاط معركة حياة أو موت، لأن الفوسفاط المغربي سيجتاح حقول المينيصوطا نظرا لجودته وسعره المنخفض مقارنة مع سعر فوسفاط شركة موزاييك.
المعركة ضد الفوسفاط المغربي في أمريكا لم تبدأ اليوم، وعلينا أن نعود إلى سنة 2015 لكي نتذكر المعركة التي خاضها الحزب الجمهوري ضد المكتب والمغرب بعدما تم اتهامه بتمويل مؤسسة كلينتون بمبلغ مليون دولار، وقد كانت آنذاك هيلاري في عز حملتها الانتخابية ضد ترامب الذي لم يتورع في استعمال هذه الورقة للتشكيك في ذمة منافسته هيلاري.
ما لا يعرفه كثيرون هو أنه داخل الإدارة الأمريكية ليسوا جميعهم على قلب رجل واحد، فهناك تيار يسمى تيار الشموليين globalistes، وآخر يسمى تيار الوطنيين nationalistes. وحاليا تيار الوطنيين هم من يربح المعركة داخل البيت الأبيض، وهذا الصراع يشرحه مهندس الحروب التجارية ومستشار ترامب بيتر نبارو peter Navarro بشكل واضح في كتابه “الموت على يد الصين” Death by China الذي يحكي فيه حول كواليس الحرب التجارية بين أمريكا والصين، والذي يلخصه في جملة واحدة هي أن الشركات الأمريكية لا تستطيع منافسة نظيرتها الصينية لأنها تتنافس في الحقيقة مع الحكومة الصينية.
والمبدأ نفسه تم تطبيقه في حرب شركة موزاييك على OCP وشركة PhosAgro الروسية، فحسب موزاييك فهي لا تنافس شركتين بل حكومتين.
مشكلة أمريكا أنه ليس لديها أصدقاء دائمون ولا أعداء دائمون، فقط لديها مصالح دائمة. لذلك فقد حان الوقت بالنسبة للمغرب لكي يبحث عن مصالحه أيضا وعن أصدقاء جدد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى