شوف تشوف

الرأي

في الحاجة إلى طرائف مولاي أحمد العلوي

أمسك مولاي أحمد العلوي بذراع رجل اشتكى إليه من عدم إنصافه. وتقدم نحو الوزارة المعنية بهكذا ملفات، يسأل عن مكتب الوزير. لم يتوقف في مسعاه إلا بعد أن أخذ تعهدا من الوزير بتسريع حل المشكل المعروض عليه. فقد كان يكفيه أن يقتنع شخصيا بالقضية، موضوع التماطل أو الخلاف، ليتحول إلى مدافع عنها. وكي يضفي على دفاعه طابع المشروعية، كان يردد أمام أصدقائه أنه لو كان محاميا يترافع أمام المحاكم لربح مالا كثيرا. إلا أن القضاة الذين كان يقتحم عوالمهم يحسبون ألف حساب للمدافع عن الملف، وليس صاحبه الأصلي. وما لا تستسيغه الأعراف والمعاملات يصبح عبرة حين يأتي على يده.
لم يسبق لمولاي أحمد أن زار مقر تلك الوزارة من قبل، فهو يعرف دهاليز بنايات وزارات الأنباء والسياحة والصناعة التقليدية والتجارة والمعادن حتى.. بحكم أنه تعاقب على مسؤولياتها، وأصيب بالذهول حين عاين المكتب الفسيح للوزير الذي كان يشمل طابقا كاملا.
جال بخاطره أنه بالكاد كان يعثر على مكتب يليق بحضرة الوزير، بعد تنقله من قطاع لآخر، ثم انتهى به المطاف وزير دولة نقل مكتبه إلى سيارته. وفي عرفه أن هناك شيئين ليس في حاجة إليهما، مكتب الوزارة ومصروف الجيب. فهو يستطيع أن يقتحم أي مكتب في أي إدارة، ويمضي وقتا في مكالماته الهاتفية التي غالبا ما تكون مع رؤساء تحرير «ماروك سوار». كما في وسعه أن يدلف إلى أي فندق ويجمع حوله ما شاء من الزبائن الذين يصغون إليه باهتمام، ولا يوقع على الفاتورة لأن حضوره يشرف المكان.
سأل مولاي أحمد العلوي الوزير الذي اقتحم مكتبه، بسخرية لاذعة: هل تقطن هنا؟، رد الوزير بأنه يمضي غالبية وقته في العمل. وعقب العلوي بالقول: لم يبق إلا أن تضيف لهذا الطابق غرفة نوم ومطبخا وحماما تقليديا. ثم غادر المكتب وهو يردد كلاما لم يكن يفهمه إلا هو. فقد كان يقسو في نبرته على كبار المسؤولين الذين يرى أنهم مقصرون في أعمالهم، وسرعان ما يعود إلى طيبوبة طفل بريء. ولم يسبق له أن هدد وزيرا أو عاملا أو مديرا بفصله من عمله، على عكس ذلك تماما، كان يتوسط على طريقته لتسوية ملفات مسؤولين مغضوب عليهم. وتلك ميزة نادرة لا تتوفر إلا لرجالات الدول الذين يفرقون بين المواقف والحزازات الشخصية والمسؤوليات العامة.
يوم كان عصيا على الولاة والعمال والإدارة المحلية، أن يعرضوا لطلبات من قبيل إحداث عمالات جديدة.. كان مولاي أحمد يقدم تلك الاقتراحات في شكل تمنيات مواطنين وقبائل ووقائع تتحدث عن الروتين الإداري وبُعد الإدارة عن مصالح السكان. غير أنه أولى اهتماما أكبر لمدينة فاس، وكان يعزو ذلك إلى أنه نائب ومنتخب إقليمي، ويعيب على وزراء ونواب أنهم أهملوا المناطق التي يتحدرون منها. وكان يقول: لو أن كل وزير خص بعض الاهتمام لمدينته أو قريته، وإن كان بمستوى إضاءة زقاق أو حفر بئر أو تنظيف الشوارع، لتحولت البلاد إلى أوراش مفتوحة.
عندما غادر مقر الوزارة الذي قصده وسيط خير، التفت إلى الشخص الذي تدخل لفائدته، قال له: عليك أن تقيم صدقة في أقرب مسجد، ولا تنس أن الهدية التي كنت تفكر في تقديمها لمن يحل مشكلتك، وزعها على الفقراء والمساكين والمحتاجين.
في اليوم الموالي كتب افتتاحية يسخر فيها من الوزارات والإدارات التي تحولت إلى إقطاعيات استولت على مكاتب مخصصة للموظفين. وما كان الوزير المعني يشعر بالحرج إلا بعد أن نودي عليه لتسليم مفاتيح الوزارة إلى غيره. لكن الفنان المسرحي الراحل الطيب الصديقي اختزل مآلات من هذا النوع في حكاية جاء فيها أن وزيرا ضرب له موعدا في يوم محدد، بهدف البحث في إجراءات تهم تظاهرة فنية، كان يعول عليها كثيرا وتوسط مولاي أحمد العلوي لدى الوزير المعني قصد استقباله.
ذهب إليه في الموعد المحدد، فواجهته كاتبة الوزير بأنه في اجتماع طارئ. رد عليها الصديقي بأن كل الاجتماعات تكون طارئة، وإلا لما كانت هناك إدارات ووزراء. أضاف أن اليوم الذي لن يسمع فيه أن المدير الفلاني أو الوزير الفلاني ليس في اجتماع سيكون دالا على أن الدنيا أصبحت بخير. لكنها طمأنته إلى أن موعد استقباله سيكون غدا.
عندما أخبر مولاي أحمد العلوي بقصة الموعد الذي تدحرج، أجابه الأخير: من يضمن لك أن الوزير سيبقى في منصبه إلى يوم غد؟ عد إليه حالا فالغد في علم ربي. وهاتف الوزير الذي لم يكن في اجتماع، على الأقل للرد على مكالمة وزير دولة، يعرف أن في إمكانه أن يوقف سيارته أمام مقر الوزارة في أي لحظة ويقتحم عليه المكتب الذي تنفتح أبوابه أمام هيبة الوزير الذي يقضي مصالح الناس مترجلا.
ضحك الوزير الأول الأسبق المعطي بوعبيد عندما استفسرته إن كانت مشاركة مولاي أحمد العلوي في الطبعة الثانية لحكومته التي انزاح عنها تجمع الأحرار، تعني أنه يمثل حزبا كاملا. وأجاب بأن من الصعب وضع الرجل في خانة انتماء حزبي محدد. لقد كان من مؤسسي تجمع الأحرار على عهد أحمد عصمان، لكنه لم يستقل لا من الحزب ولا الوزارة، فقد كان مكانه الطبيعي داخل كل الحكومات وخارجها. وأسر بالقول إنه كان يجاهر بمعارضته بعض الإجراءات الحكومية في اجتماعات رسمية.. وإذا تعذر عليه ذلك يكتب افتتاحية بحبر «نيران صديقة».
أكسبه مروره بوزارتي الأنباء والسياحة تجربة غنية في محاورة الناس والكتب. فهو إن لم يكن يجول على القرى والجبال والواحات، منذ اختراعه طوافات المغرب التي كان يحضرها من البداية إلى النهاية، يكون بصدد قراءة كتاب أو وثيقة تاريخية، لابد أن يستخرج منها فكرة جذابة.
التقيته صدفة رفقة وزير الصيد البحري بن سالم الصميلي، أمسك بي فجأة وهو يقول: أتعرف لماذا يبشر الصميلي بمحاسن أكل السمك المبرد؟ إنه يفعل ذلك لحماية صحة المواطنين، وكان الأفضل أن يكون وزيرا للصحة لا الصيد البحري. ثم أضاف: «اكتب عن فوائد أكل السمك الطري، ولا تعمل بنصيحة الصميلي لأنه وزير الصيد البحري لا الصيد النهري».

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى