في الحاجة إلى الاتحاد 2.2
قبل أن يبدأ النقاش اليوم حول ضرورة تحويل الفلاحة إلى قاطرة لصناعة طبقة وسطى، انتبه إدريس الكراوي لذلك سنة 1985 عندما أصدر كتابه “الفلاحة والتنمية” باللغة الفرنسية، قبل أن يتبعه بكتابه الثاني سنة 1986 بعنوان “الفلاحون أي مستقبل”، وهي الكتب التي مازالت نظرياتها وأفكارها صالحة إلى اليوم.
والأستاذ الكراوي واحد من أولئك الأساتذة الباحثين الذين يمكن أن يتصل بك هاتفيا ويحدد معك موعدا لمجرد أن يهديك نسخة موقعة بإمضائه من كتابه الجديد.
وقد حدث معي هذا كما حدث مؤكدا مع صحافيين آخرين، فالأستاذ إدريس يحترم الصحافيين ويقدر أهميتهم، مثله في ذلك مثل الأستاذ شوقي بنيوب، الذي تم تعيينه مندوبا وزاريا لحقوق الإنسان، والذي لا يمكن أن يمر أمام المقهى الذي عادة ما أفطر فيها دون أن يمر لإلقاء التحية بلكنته المراكشية ومناقشة ثلاثة أو أربعة مواضيع دفعة واحدة بقدرة عجيبة وسلسة على الانتقال من فكرة إلى أخرى.
وحتى لو لم يكن شوقي بنيوب اتحاديا فإنه يبقى يساري القناعات اتحادي الهوى، خصوصا أنه عايش مأساة اتحاديين كثر عبروا جحيم سنوات الرصاص وأرخ لمعاناتهم مع صديقه الاتحادي مبارك بودرقة في كتاب “كذلك كان”.
شوقي بنيوب ينحدر إيديولوجيا من مدرسة حزبية اسمها “منظمة العمل الديمقراطي”، حزب يساري صغير لكنه كان مؤثرا أسسه بعد عودته من فرنسا بنسعيد آيت إيدر على أنقاض حركة 23 مارس السرية، كان الحزب اليساري الصغير المعروف أكثر بتسميته الفرنسية OADP يتوفر على مجلة “الشباب الديمقراطي” وقطاع شبابي اسمه “حركة الشبيبة الديموقراطية” وكان من قيادييه ورموزه المؤسسة أحمد شوقي بنيوب، إلى جانب أحمد طليمات وأنس أوزين ومحمد الهجابي وحسن السوسي وعائشة أبوناي وحكيمة فنيدي ومحمد بنحمو ومصطفى مفتاح وعبد اللطيف الرامي وأحمد جهيد، وآخرين طواهم النسيان.
وفي ما بعد سيصدر الحزب جريدة “أنوال” التي ستشرف فيها بديعة الراضي، التي تم تعيينها ضمن حكماء المجلس الأعلى للسمعي البصري الأسبوع الماضي، على الصفحة الثقافية، وهي الصفحة التي كنت ضمن المساهمين فيها بشكل منتظم، وأذكر أنني كنت أحمل مقالاتي الأدبية إلى مقر الجريدة المقابل لباب الحد بوسط الرباط، وكانت بديعة الراضي تتسلمها مني وتسهر، مشكورة، على ظهورها على الصفحة الأدبية للجريدة.
وقد مرت مياه كثيرة تحت الجسر والتحقت بديعة الراضي ضمن من انتقلوا سنة 1996 بتيار عيسى الورديغي ومحمد الحبيب طالب اللذين أسسا الحزب الاشتراكي الديمقراطي، ونشب الصراع بين الخندقين، ولم يرتح إدريس البصري إلا والحزب ممزق الأوصال.
وأذكر أنه نشب صراع حاد بين التيارين حول الأحقية في جريدة “أنوال”، وهو صراع لم يحسم، ما جعل منظمة العمل تشتغل عبر جريدة “الأنوار” الصادرة بتطوان، وبعدها جريدة “المنظمة”، فيما اشتغل جناح الورديغي، الذي طالته لعنة إدريس البصري فاندثر ولم يعد يذكره أحد، عبر جريدة “أنوال الجديدة”.
وقد انتهى هذا “التيه السياسي” بالتحاق الورديغي ومعه بديعة الراضي بحزب الاتحاد الاشتراكي في ما يعرف بتيار “درهم رمزي”، لكونهم حلوا حزبهم والتحقوا بالاتحاد دون مقابل آخر غير العضوية في المكتب السياسي.
والحقيقة أن مسار بديعة الراضي كان سيكون أكثر إشراقا لولا مرورها الملتبس بسفارة ليبيا في الرباط على عهد القذافي وتزامن ذلك مع صدور حكم ضدي بتغريمي مائة مليون لصالح العقيد بسبب مقالات لم ترق لملك ملوك إفريقيا الذي انتهى مطعونا في قناة للصرف الصحي.
وبالإضافة إلى الأسماء الاتحادية التي تم ذكرها هناك اسم عمر السغروشني رئيس هيئة حماية المعطيات الشخصية، وهو اتحادي أيضا، والذي كان يتولى إدارة مختبر للإعلاميات بالمعهد العالي للإلكترونيات بباريس، وشغل منذ سنة 1998 عددا من مناصب المسؤولية والتسيير في العديد من الشركات والمكاتب الكبرى المختصة في مجال الاستشارات وهندسة أنظمة المعلومات، كما تولى قيادة مجموعة من المشاريع الكبرى للتحول الرقمي في القطاعين الخاص والعام بكل من المغرب وفرنسا.
ورغم أن حزب الاتحاد الاشتراكي مشارك في الحكومة بوزيرين هما عبد الكريم بنعتيق وزير الهجرة ومحمد بن عبد القادر وزير الوظيفة العمومية، طبعا لا نتحدث عن رقية الدرهم لأن الجميع يعرف كيف تسللت إلى الحكومة من نافذة الحزب، فإن الوقائع أثبتت أن هذين الوزيرين المحسوبين على الجيل السابق هما من أنشط وزراء الحكومة، حتى أن وزير التجارة والصناعة حفيظ العلمي اشتكى من نشاط بنعتيق الوزاري الزائد وطلب منه أن ينزل المستوى حتى لا يتسبب له في البطالة.
ونشاط بنعتيق ليس سببه رياضة الكاراتيه التي حصل فيها على الحزام الأسود، ولكن لتراكم فكري وسياسي بدأه في شبيبة الاتحاد عندما كانت الشبيبة مشتلا لصناعة الأفكار المعارضة حتى داخل الحزب، إلى درجة أن عصابة جريدة “النشرة” التي كانت لسان حال الشبيبة الاتحادية، والتي كان يقودها محمد الساسي ومحمد حفيظ وأحمد ويحمان، تسببت في خروجهم من جنة الاتحاد بعدما استحالت جحيما عندما قال لهم اليوسفي الذي ضاق ذرعا بشغبهم أن أرض الله واسعة.
وإذا أردنا أن نحصي الاتحاديين الذين يوجدون على رأس المؤسسات الحكومية والدستورية فإننا سنحتاج لأكثر من عمود، فأحمد لحليمي علمي المندوب السامي للتخطيط، حارس أرقام التوازنات، بكل ما يمكن أن تعنيه كلمة توازنات، هو مهندس حكومة التناوب، ورغم وصوله سن 76 عاما إلا أن ذاكرته لازالت نشطة، والحبيب المالكي الذي رغم سنواته 72 لازال يسافر ويحضر المؤتمرات ويسير البرلمان.
وهناك أيضا الأمين العام للحكومة أحمد الحجوي، الاتحادي السابق، الذي شغل منصب الكاتب العام السابق لرئاسة الحكومة والذي همشه بنكيران.
السؤال الجوهري اليوم هو إذا كان الاتحاد قد أعطى كل هؤلاء القادة والوزراء والمسؤولين والأطر خلال الثلاثين سنة الأخيرة، فماذا أعطى خلال الخمس عشرة سنة الأخيرة وماذا سيعطي للبلد في المستقبل؟
الجواب يعرفه الجميع، فالحزب دخل مرحلة سن اليأس وأصيب بالعقم ولم يعد ينتج النخب، فخارج ريع لائحة الشباب ولائحة النساء لا نكاد نعثر على اسم واعد يمكن أن يحتل مكانا في لائحة تعيينات مستقبلية في إحدى المؤسسات الدستورية.
وإلا فابحثوا عن البرلمانيين الشباب والنساء البرلمانيات الذين دخلوا العمل النيابي من باب لوائح الريع أين هم اليوم وهل استطاع أحدهم أن يجعل من مروره بالبرلمان محطة لإطلاق مسيرته السياسية نحو المستقبل خدمة لبلده وحزبه.
لقد حان الوقت لإعادة وضع هذا الحزب على السكة التي حاد عنها خلال مؤتمراته الأخيرة، وأن يفتح أبوابه لعودة خيرة أبنائه الذين طردهم وشردهم وتركهم عرضة لليأس والضغينة والرغبة الجامحة في الانتقام عِوَض المساهمة في ترميم شقوق حزب كان عتيدا وإعادته فوق الطاولة قطعة صعبة وليس مجرد لاعب احتياطي