في إعادة تعريف الشرف
حين وقعت الواقعة، واقتحمت الشرطة مقر نقابة الصحفيين المصريين تحدث العنوان الرئيسي لصحيفة الشروق عن الأحد الأسود وعن انتفاضة الصحفيين لحماية قلعة الحريات.
في نفس اليوم (الثلاثاء 3 ماي) أبرز العنوان الرئيسي للمصري اليوم أن الصحافة تحت الحصار وأن نقابة الصحفيين محبوسة، أما جريدة الأهرام فقد كان عنوان صفحتها الأولى كالتالي:
مصر تحتفل بشم النسيم ــ إقبال كثيف على الحدائق العامة والشواطئ (!)
الصحيفتان الأوليان اعتبرتا الحدث خبرا مهما وكان لهما موقف واضح وشجاع نقلتاه إلى القارئ.
أما صحيفتنا العريقة فقد تجاهلت الخبر وتعمدت تجاهله وطمسه، وبدا انحيازها واضحا إلى الداخلية.
وحين اضطرت إلى التطرق إلى الموضوع فإنها تحدثت في يوم 4 ماي عن فشل اجتماع الصحفيين، وعن شروخ في جدار الجماعة الصحفية.
وفي اليوم التالي صار الانحياز أكثر وضوحا، وكانت تلك مقدمة لانطلاق الحملة المضادة التي عمدت إلى تحويل النقابة ومجلسها من مجني عليهم وضحايا لقمع الداخلية إلى جناة دعوا إلى الفتنة وشقوا الصف الصحفي وتطاولوا على المقامات العليا. تلك كانت الفضيحة الثانية في ما جرى.
الأولى كانت الاقتحام الذي تحدثت عنه أمس، الثانية تمثلت في قلب المشهد والتشكيك في وقائعه وتوجيه أصابع الاتهام للصحفيين وفى الوقت نفسه تبرير موقف الداخلية وأعذارها.
وقد قام بالمهمة صحفيو الموالاة ومن لف لفهم من الأمنجية الذين ظهروا تباعا على صفحات الصحف وفي بعض البرامج التليفزيونية، وبطبيعة الحال فإن التعبير عن ذلك الموقف تم بأساليب مختلفة تراوحت بين الاحتشام والبذاءة.
من المفارقات التي أثارت الانتباه في هذا الصدد أن جريدتنا العريقة التي شوهت الاجتماع ونددت به وأثارت الشكوك والأكاذيب من حوله، هي ذاتها التي دعت لاحقا إلى اجتماع لبحث الموضوع تحت عنوان تصحيح المسار، وهو عنوان منحاز ابتداء لأنه انطلق من اعتبار ما عبرت عنه جموع الصحفيين كان انحرافا ومروقا، وبات يحتاج إلى تصحيح.
ورغم أن الحدث تم في مقر نقابة الصحفيين، وأن مجلس النقابة وحده المخول بالتعامل مع الأزمة، فإنه لم يكن مفهوما أن تتبنى الأهرام تلك الدعوة، التي ذكرتني بنموذج إجراء المحاكمات السياسية داخل معسكر الأمن المركزي وذلك تصرف غير مفهوم، وأرجو ألا يكون تجاهل النقابة في مساعي الحل، موقفا مقصودا عبرت عنه جريدة الأهرام في البداية حين تجاهلت الحدث عقب اقتحام النقابة، كما تكرر تجاهل القضية برمتها في الخطاب الرسمي بعد ذلك.
الطريف أنه في الوقت الذي ندد فيه صحفيو الموالاة بقرارات مجلس النقابة التي دعت إلى إقالة وزير الداخلية والاعتذار الرئاسي عن اقتحام الشرطة للنقابة، فإن المجموعات التي تم حشدها أمام مبنى نقابة الصحفيين رفعت شعارات تبنت نفس الفكرة مشيرة إلى أنه لا إقالة ولا اعتذار.
وقد وصفت بعض منابر السلطة تلك المجموعات بأنها تمثل المواطنين الشرفاء في تعبير له دلالته في إدانة الآخرين والطعن في وطنيتهم.
المهم أن محرري الشروق والمصري اليوم بذلوا جهدا مثيرا للإعجاب للتعرف على أولئك الشرفاء والتحقق من هوياتهم.
ورغم أننا لم نشك يوما ما في أن هؤلاء ليسوا سوى عناصر تستعين بها الداخلية تضم خليطا من البلطجية وأرباب السوابق والمسجلين ضمن العناصر الخطرة، إلا أن زملاءنا الشبان وثقوا تلك المعلومة.
فذكر تقرير الزميل أحمد شلبي في المصري اليوم أن بعض هؤلاء الذين رددوا الهتافات وتحرشوا بالصحفيين أمام النقابة تم استقدامهم من أحياء الموسكى والسيدة زينب وعابدين بالقاهرة في 3 باصات و5 ميكروباصات.
وأنهم وقفوا يهللون ويرقصون خلف الحواجز على أنغام الـدى جى الذي كان محملا على سيارة ربع نقل التقط أرقامها، وحين استعلم عنها من ضابط بإدارة مرور القاهرة تبين أنها مبلغ بسرقتها منذ 12 مارس الماضي.
سجل الزميل المحرر أيضا جانبا من حوارات الشرفاء عن الفلوس التي قبضوها والطعام الذي انتظروه بعدما طالت بهم الوقفة.
جريدة الشروق تخيرت عنوانا للتقرير الذي كتبه الزميل إسماعيل الأشول وكانت كلماته كالتالي:
حين يكون الشرف وصمة عار. وتضمن التقرير نفس المعلومات المتعلقة بهوية المجموعات التي تم استدعاؤها، مضيفة أن أصحاب المحلات التجارية في المنطقة التي تكررت فيها التظاهرات أصبحوا يحفظون وجوه العاطلين وأرباب السوابق الذين أصبحوا يستدعون لإفشال أو التشويش على مختلف التظاهرات.
وذكر زميل ثالث هو أحمد عويس أن البلطجية الذين كانوا يشحنون إلى المكان مسجلون في قوائم محفوظة، وأعطى كل واحد منهم مستلزمات القيام بمهمته من صور ولافتات.
أما المصورون فقد استخرجوا من ملفاتهم صور بعض المتظاهرين الذين تكرر وجودهم في أكثر من مناسبة بترتيب من الجهاز الأمني.
البديع والمفرح في ما جرى كان الحضور الكثيف لأعداد غفيرة من الصحفيين الشبان الغيورين على كرامة مهنتهم ونقابتهم. أما المحزن في الأمر فكان اكتشافنا لوجود شريحة من الصحفيين الشرفاء من نفس طينة المتظاهرين سابقي الذكر.
الأمر الذي بات يدعونا إلى إعادة تعريف الشرف والتعامل مع المصطلح بما يستحقه من حذر.