شوف تشوف

الرأيالرئيسيةسياسية

فيلم غير صالح للعرض

يونس جنوحي

 

لماذا سحبت الجزائر سفيرها من مصر بعد أقل من أسبوعين على تسلم الأخير لمهامه في القاهرة؟

ما حدث يستحق فعلا أن يُكتب على شكل سيناريو لفيلم من تلك التي تختلط فيها السياسة بأشياء أخرى. قبل أسبوعين، ركب السفير طائرة الخطوط الجوية الجزائرية، في جو حار، واستغرق منه الأمر رحلة ليست بالطويلة في اتجاه القاهرة. وعندما وصل، لم يجد في استقباله في المطار سوى موظفين من السلك الدبلوماسي الجزائري في العاصمة المصرية، حيث اصطحبوه رفقة عائلته إلى مقر الإقامة المخصص له. انتظر السفير قرابة الأسبوعين إلى أن رُتب له موعد استقبال رسمي لدى السلطات الرسمية لكي يُسلم أوراق اعتماده، حسب التقاليد الدولية المعمول بها في كل دول العالم، ويصير رسميا سفيرا معتمدا لبلاده لدى مصر.

التقى السفير الجزائري، حسن رابحي، بوزير الخارجية المصري وسلم له أوراق الاعتماد. وبعد ترسانة من المجاملات والمعايدات والأحاديث المتفرقة، غادر السفير سعيدا إلى مقر إقامته، وفي نيته أن يشرع في اليوم الموالي مزاولة مهامه رسميا في مقر السفارة.

لكنه في الصباح، وبدل أن يجد الإفطار في انتظاره ويتعرف على طاقم الخدمة المُرافق له، وجد رسالة تنتظره وتأمره بأن يعود فورا إلى العاصمة الجزائر!

ما حدث للرجل يشبه كثيرا ما يحدث في الروايات الغامضة، إذ أن استدعاءه إلى الجزائر كان تنفيذا لقرار إنهاء مهامه التي لم تبدأ بعدُ.

ماذا يعني أن تسحب دولة سفيرا لها من دولة أخرى يوما واحدا بعد اعتماده لدى سلطات البلد المضيف؟

هذا يعني أن القائمين على شؤون وزارة الخارجية في الجزائر ارتكبوا خطأ ما أثناء ترشيح اسم السفير المعني بالإعفاء، أو أن وشاية وصلت إلى أذن المُسيرين الحقيقيين للبلاد لكي يتدخلوا ويلغوا قرارا يفترض أنه سيادي.

كلا الفرضيتان تعنيان أن الأمور كارثية لدى قصر المرادية، ولعل ما وقع يكشف إلى أي حد تُسير الأمور بكواليس غامضة لدى الأشقاء.

إنهاء مهام سفير لم يمض على اعتماده لدى دولة أخرى 24 ساعة كاملة، يعني أن الخارجية الجزائرية تتخذ قرارات في الساعات الأخيرة. لم يحظ المصريون بفرصة لارتكاب خطأ سياسي أو دبلوماسي مع الجزائر لكي تستدعي سفيرها الجديد. وهكذا تتبقى إذن فرضية واحدة وهي أن الذين عينوا السفير وأرسلوه قبل أسبوعين إلى القاهرة، لم يستشيروا الذين يصدرون القرارات الفعلية في البلاد. ومثل هذه الأمور تقع في التجارب السياسية التي يكثر فيها أصحاب القرار ونوابهم.

في أحد الأفلام المصرية السابقة، تقمص الممثل الكبير أحمد زكي دور رجل طموح إلى الوزارة، لكنه عندما عُين وزيرا جرى تعيينه بسبب خلط في الأسماء. وعندما انتبه القائمون على تقديم الوزراء يوم تعيينهم إلى رئيس الجمهورية، إلى أنهم ارتكبوا خطأ واستدعوا رجلا آخر غير الذي ينوون ترشيحه، كان الوقت قد فات لكي يعتذروا للرجل وهكذا صار وزيرا بالصدفة وعانى الأمرين وانقلبت حياته بسبب الوزارة التي جاء إليها بالغلط.

قد يكون نفس الأمر وقع مع سعادة السفير الذي أصبح تاريخيا أول سفير رسمي تنتفي عنه صفة “السعادة” التي تُمنح لكل دبلوماسيي العالم.

لا يحتاج الجزائريون طبعا إلى توضيح موقف مماثل. ويمكن أن يقدموا ألف سبب “داخلي” لتعويض السفير الذي تم استدعاؤه بآخر يرشحونه لكي يُعتمد هو الآخر. ولن يعلم أحد ماذا وقع في الجزائر خلال تلك الليلة التي وصلهم فيها خبر لقاء سفيرهم مع وزير خارجية البلاد التي أرسلوه إليها.

هذا الفيلم الجزائري، ليس صالحا طبعا للعرض في المهرجانات رغم أن مشاهده حدثت تحت سماء القاهرة، الوجهة الأولى المفضلة لمُخرجي الأفلام الطويلة..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى