شوف تشوف

الرئيسية

فيكتور نجا بأعجوبة من التجنيد في البحرية الأمريكية وعمل بـ125 دولارا في الأسبوع

جاء فيكتور المالح إلى عالم الهندسة المعمارية بالصدفة، على حد تعبيره هو شخصيا. وروى كيف أن عامل الجغرافيا الذي قسّم نيويورك في نهاية الثلاثينيات لعب دورا كبيرا في الحسم لصالح جامعة فيرجينيا لكي يلتحق بها. كما قال ضاحكا إن عامل الدروس التي تقدمها كلية الهندسة وارتباطها بالفن، لعبا دورا كبيرا في رجحان كفة الهندسة على غيرها، وتجنيبه بالتالي غضبا عارما من والده الذي كان في مدينة الصويرة حينها، يتابع عبر الرسائل جديد ولده.
لقد كان فيكتور المالح سنة 1942، أي عند تخرّجه مهندسا، صعب المراس. والسبب أنه في الفترة التي قضاها في فرجينيا، تعرف على أمريكا الحقيقية، وخرج من فكرة الحي الصغير الذي انتقلت العائلة بين شققه. ورغم تأثره بالقيم الجمالية، إلا أنه لم يكن يطيق أن يتم انتقاده، خصوصا من أفراد العائلة. كان يعتقد أن مشاكله الخاصة، بعد تخرجه مهندسا، قد انتهت، لكنها في الحقيقة كانت على وشك أن تبدأ.

صداقات من الجامعة
يقول فيكتور متحدثا لـ«قصص النيويوركيين القدامى»: «وصفت كيف أنني ولجت عالم الهندسة بالصدفة عندما جئت إلى فرجينيا. حسنا، الأمر الآخر الذي جاء بالصدفة أيضا هو تعرفي على «آرثرستانون» الذي أصبح اسمه لاحقا «شارفشتاين». كنت ألتقيه بانتظام في شاطئ مانهاتن. وكان هو المألوف الأول الذي رأيته في فرجينيا ولازمته. لم أكن خططت مسبقا لمسألة السكن. أخبرني أن هناك مسكنا حيث يعيش وذهبت معه. كنت أتقاسم الغرفة مع شاب كان يدعى «ميل واندر» من بروكلين. كان لونه يتحول إلى الأخضر عندما يكون سكران. أصبحنا أنا وآرثر صديقين بسرعة. وكانت صداقة دامت لـ48 سنة كاملة، إلى أن توفي في يناير 1986. لقد كنا أيضا شريكين، حيث اشتغلنا معا منذ 1948.
أنهيت مرحلة فرجينيا في منتصف سنة 1941. كان علي أن أنهي مشروع تصميم أخير قبل أن أحصل على شهادتي. خلال الصيف والشتاء الذي بعده مباشرة عملت لصالح «نورمان بيل» كرسام تخطيطات. الأمر المثير بخصوص السيد نورمان أنه عمل في مجال المسرح أيضا وليس فقط في مجال التصميم الهندسي. وكان قد نظم مباراة اختيار الممثلين «كاستينغ» لمسرحية «إيروين شاو». أذكر أنه كان جالسا إلى منضدة الشراب مع شاب وسيم كان يرتدي بذلة عسكرية زرقاء للبحرية الأمريكية، وكان بطل تلك المسرحية. كان هذا الشاب هو «جورجي بيك». (الذي أصبح ممثلا مشهورا لاحقا في أمريكا).
كان الفن حاضرا دائما في حياة فيكتور المالح. وهو الذي سيقوده لاحقا إلى لقاء السيدة التي ملكت قلبه. الفن والهندسة و«الثروة» كانت كلها مرتبطة لدى فيكتور المالح بالفن.

قبل التخرج.. فيكتور «العسكري»
لم يكن مناخ الحرب العالمية الثانية، ليسمح بمرور فيكتور المالح من مرحلة الشباب دون أن يؤدي للعم سام الأمريكي ضريبة «الشباب» كأغلب الشبان الأمريكيين. كان على فيكتور المالح أن يؤدي الخدمة العسكرية. وتزامنت مع انطلاق الموسم الجامعي، وكان عليه أن يوفق بين الفترة الإجبارية للتجنيد، وبين الدراسة الجامعية. على كل حال، لم يكن ممكنا لفكتور المالح الحصول على الشهادة الجامعية ما لم يؤد الخدمة العسكرية.
يقول فيكتور المالح إن تجربته مع البحرية الأمريكية اقتصرت فقط على التدريب في البوارج الأمريكية ولم يسبق له مغادرة الحدود الأمريكية. أي أنه لم يُرسل إلى العمليات نهائيا. يقول: «عندما أديت الخدمة العسكرية، لم أغادر أبدا أمريكا. كنت مع المهندسين في قاعدة «فورث بلفوار» في فيرجينيا. وانهمكت في التدريب الأساسي، وفي بعض الأوقات كان يتعين علينا التوجه صوب البحر، وعند العودة، كنت رفقة المئات من الشباب يتحول لوننا إلى الاصفرار». يقول فيكتور المالح إن أجواء البحرية الأمريكية لم تكن مناسبة لحالته الصحية، فقد كان يعاني من مشاكل في التنفس. حتى أنه قضى ستة أشهر في المشفى بعد تجربة التجنيد في البحرية الأمريكية قبل أن «يطلقوا سراحه» على حد تعبيره. يضيف: «لقد كنت محظوظا جدا. غادرت في 1943».
كان الحظ حليفه مرتين، الأولى لأنه لم يواصل مهمة التجنيد الإجباري في البحرية وإلا فسوف يكون مصيره الإرسال نحو الجبهة للقتال في الحرب العالمية في نفس السنة التي غادر فيها، لأن بحرية الولايات المتحدة حطت في سنة 1943 في شواطئ الدار البيضاء والجديدة ونزل منها آلاف الجنود الأمريكيين للتوجه صوب أوربا لإنهاء الحرب العالمية لصالح الحلفاء. كان ممكنا أن يكون فيكتور المالح واحدا منها، وربما المغربي الوحيد بينهم.
حالفه الحظ ثانية لأنه استطاع العودة مبكرا إلى الدراسة لإنهاء السنة الختامية، عكس الآلاف من الشبان الأمريكيين الذين تأخروا لسنتين وأكثر، إلى أن أنهوا الخدمة العسكرية.

فيكتور يكره حياة التوظيف
كأي رجل أعمال أو مستثمر طموح، كان فيكتور المالح خلال الأربعينيات من القرن الماضي يكره بشدة «العمل لدى الآخرين». لكنه كان مضطرا، بحكم أنه حديث التخرج سنة 1944، إلى العمل في مكاتب شركات الهندسة والتصميم لكي يراكم التجربة أولا، ولكي يقوي حظوظه في صناعة اسمه قبل أن يتجه نحو الأعمال الحرة والشركات. البداية كانت عندما بدأ التدريب الذي تحدثنا عنه سابقا، حيث كانت مناسبة لكي يتعرف على عالم الفن والمسرحيين ويحضر تجارب الأداء لشبان أصبحوا خلال الخمسينيات والستينيات نجوم الشاشة في أمريكا، وبعضهم أصبحوا أصدقاء مقربين منه.
كان عليه أن يواصل إلى حدود سنة 1948 تجربة الانتقال بين المكاتب. فقد كانت الولايات المتحدة الأمريكية، المنتصرة في الحرب العالمية الثانية، تفتح مشاريع كبرى لإنشاء مبان حكومية سواء للشركات أو لمؤسسات الدولة. وقد أحيلت بعض تلك المشاريع إلى مكاتب الهندسة التي تدرب فيها فيكتور المالح. أي أنه ساهم مباشرة في إعمار الولايات المتحدة الأمريكية بعد الحرب العالمية الثانية. إذ إن انطلاقة اقتصادية كبرى عرفها الأمريكيون بعد فوزهم بحرب لم تجر فوق أراضيهم أصلا، لكن جنودها حسموها لصالح الأمريكيين كقوة اقتصادية ضاربة.
ورغم أن حياة التوظيف (ما بين 1943 و1948) كانت تُقرف فيكتو المالح، إلا أنها كانت أجمل سنوات حياته. هو يعترف بأنها كانت سنوات «مجيدة» عزيزة على قلبه رغم أنه كان مجرد موظف صغير في مكاتب مهندسين كبار كانوا محظوظين لأن الدولة فوتت لهم مشاريع بملايين الدولارات.
في سنة 1943 تزوج فيكتور المالح. وقصة زواجه وحدها تستحق فعلا أن تُروى. وعندما قرر أن يُنهي حياة التوظيف وينتقل إلى المرحلة الموالية سنة 1948، كان لديه طفل من زوجته، وكانت يابانية الجنسية، وكان يعمل بـ125 دولارا في الأسبوع. وهي أجرة متوسطة في ذلك الوقت بالكاد تجعل الحياة في «نيويورك» الكبرى ممكنة.
على كل حال، فيكتور المالح لم يغير حياته من أجل المال فقط، وإنما كان أيضا يلبي رغبات «رجل الأعمال» بداخله، وهي الصفة التي ورثها من والده وأسرته في الصويرة. الفرق هنا أنه سيتجاوز الجميع. والأكيد أن الظروف لم تكن دائما مواتية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى