شوف تشوف

الرئيسية

فيكتور: خالي خريج جامعة كولومبيا أشرف على تدريسي ولاحقا عمل بإحدى شركاتي

فيكتور المالح..من أزقة «موكادور» إلى ناطحات السحاب بنيويورك (2014-1918) - 6

نحن في سنة 1936. لقد أصبح فيكتور المالح أمريكيا أكثر من ذي قبل، ومغربيا أكثر من ذي قبل أيضا. بأي ورقة غادر فيكتور المغرب يا تُرى؟ لم يكن لديه جواز سفر، ليس فقط لأنه كان في سن السادسة تقريبا عندما غادر مدينة الصويرة لزيارة جديه لأمه سنة 1925، وإنما أيضا لأن جواز السفر المغربي وقتها لم يكن متاحا. وكان السفر إلى الخارج يتم استنادا لوثائق إدارية، تقوم مقام الجواز.
كيف عاش المالح إذن على إيقاع التقاليد المغربية. كان والده، كما أكد المالح أثناء «النوستالجيا» التي أهداها إلى سكان نيو يورك باعتباره واحدا من أكبر المعمرين في المدينة بحسب إحصائيات سنة 2014، يواظب على زيارة الولايات المتحدة في إطار التجارة، وللاطمئنان على ابنه الذي تربى بعيدا عنه مع جدّيه.
لقد كان المالح متعلقا أكثر بجدته المغربية، وعلاقته بها كانت حميمية أكثر من علاقته بأمه التي وافقت على تركه في أمريكا سنة 1926. لقد كانت الجدة مغربا متكاملا مُختزلا حمله فيكتور المالح معه طيلة حياته، حتى عندما صار من أشهر الأمريكيين وأثراهم، وأكثرهم قربا من عالم السينما والمشاهير.

جدة بألف أمّ
يهودية مغربية بسيطة ومحافظة. لا يفارقها الثوب التقليدي فوق رأسها. صويرية، فتحت عينيها في الصويرة. تتحدث العربية والعِبرية وتحفظ الأمثلة الشعبية ولديها صديقات كثيرات في المغرب. لكن عندما تزوجت رجل الدين اليهودي القادم من أصول روسية، كانت مضطرة إلى الرحيل معه إلى أمريكا حيث بدأ حياته الجديدة. وتركت خلفها كل شيء. زخم الصويرة والصديقات والعائلة.
يقول فيكتور المالح في شهادته الحصرية لمنصة «أولد نيويوركر ستوريز»: «كانت جدتي سيدة عزيزة ومحبة، وأصبحت أما حقيقية لي. لم تكن تعرف القراءة والكتابة ولا تتحدث إلا العربية. لم تكن لديها أي صداقات نهائيا، ونذرت حياتها كلها لأسرتها. كانت تتقن الطبخ المغربي.
كان لدي أربع خالات وخالان اثنان. ترتيبهم من الأكبر إلى الأصغر كالآتي خالي جاك، عقد تجارة مع والدي لفترة في مجال الاستيراد والتصدير. خالتي آن، عملت في مجال وكالات التأليف والكتب، وفتحت مكتبها الخاص لاحقا «وكالة آن إيلمو». خالتي إيرنستين، وعملت في مجال المفروشات في شركة آلتمان. خالتي ريكا، تخرجت من «هانتر»، وعملت في المؤسسة الخيرية للمدينة. خالي جيمي، والذي كان طالبا للرياضيات في جامعة كولومبيا، وهو الذي أشرف على دراستي وعمل عندي لاحقا! كما أن خالتي إيرنستين أيضا عملت تحت إمرتي في مجال السيارات».
لم يكن فيكتور المالح يجد حرجا في البوح للأمريكيين بهذه التفاصيل. بل على العكس، بداياته في أمريكا كانت هي «البهارات» اللازمة بالضبط لتسويق فيكتور المالح نموذجا للنجاح الخارق في عالم المال والأعمال وحياة «نيويورك» الباذخة التي يمكن الوصول إليها من الصفر.
وكما هو متوقع من متحدث جيد مثله، فإن فيكتور المالح استثمر جيدا ماضيه وحياته العصيبة، لكي يصبح مادة إعلامية. ورث من والده الحدس اللازم للنجاح في التجارة. وهو يؤكد بنفسه أن حس التجارة كان قويا لدى عائلة والده.

ما مصير الذين رحلوا من الصويرة؟
قبل أن نواصل مع حياة فيكتور المالح في نهاية الثلاثينيات في نيويورك، والمشاكل التي ساهمت بطريقة أو بأخرى في بناء شخصيته الناجحة في عالم الفن والأعمال، لا يمكن طي ملف الوافدات، خصوصا، من الصويرة إلى الولايات المتحدة الأمريكية. لقد كن مغربيات، يهوديات طبعا، أرغمن على ترك المغرب والتوجه نحو أوربا وأمريكا خلال عشرينيات القرن الماضي برفقة أزواجهن لبدء حياة جديدة وراء البحر.
أسر مغربية يهودية كثيرة تخلت عن الحياة في المغرب في ظروف متفاوتة، وبدأت حياة جديدة في الغرب. حياة تعيسة، بحكم أن أولئك النسوة لم يكنّ متعلمات ولا يعرفن عن الحياة في الغرب أي شيء. وأغلبهن كن وحيدات أيضا، تماما مثل جدة فيكتور المالح التي كانت أمية ولم تتعلم من الإنجليزية إلا ما يعينها على التسوق في الحي الفقير الذي استقرت فيه الأسرة، ولم تكن لديها أي صديقات نهائيا بسبب عامل الدين وأيضا لأنها كانت أمية ولم تكن قادرة على التأقلم مع الحياة الجديدة التي عاشتها الأمريكيات بكل «انطلاق».
في سجل المهاجرين إلى أمريكا ولندن، توجد أسماء عائلات مغربية يهودية الديانة، هاجرت في فترات متقاربة من المغرب خصوصا بعد معاهدة الحماية سنة 1912، عندما بدأت الأمور التجارية تتدهور لدى هذه العائلات مقابل هيمنة فرنسية على ميناء الدار البيضاء والجديدة. لتبدأ قصة تهميش الصويرة تدريجيا. في أواخر العشرينيات كانت جل العائلات اليهودية في الصويرة قد شرعت في الهجرة نحو أمريكا ولندن. لماذا لندن؟ لأن عددا من الأسر، خصوصا الشهيرة منها التي كانت على اتصال مباشر بالقصر الملكي في الرباط، فضلت التوجه إلى لندن منذ بداية القرن 19، إما هربا من الديون والإفلاس وإما بحثا عن حياة أفضل في بريطانيا وتنمية شركات التصدير بعيدا عن رقابة «المخزن» والقوانين المغربية التي فرضت أداء الضرائب خلال الأزمة المغربية التي سبقت فرض معاهدة الحماية بقليل.
بطبيعة الحال، فإن فيكتور المالح كان من جيل الأزمة. فمواليد جيله فتحوا أعينهم في مغرب مُنهك بسبب مخلفات معاهدة الحماية، خلال فترة حكم المولى يوسف، وأسر مهددة بسبب التشديد العسكري الفرنسي في المغرب لفرض مقتضيات المعاهدة على أرض الواقع.
أما جيل جدته، فقد عايش كل المآسي المغربية من الأمراض والأوبئة وصولا إلى فترات «السيبة» والاقتتال القبلي الذي لم تكن تطفئ ناره سوى هيبة «المخزن» والباشاوات الذين بصموا التاريخ المغربي.
لقد حملت جدة فيكتور المالح كل هذه الذكريات معها من المغرب، قبل استعادتها بين جدران شقتها الصغيرة في نيويورك، كنوع من «النوستالجيا» التي تغذي الحنين إلى بلد لم يُكتب لها أن تكمل فيه حياتها.
كيف عاش فيكتور المالح إذن في وسط عائلي متأثر بكل هذه التفاصيل؟

طفولتي لم تكن سعيدة حقا
باستثناء علاقته المميزة بجدته، يعترف فيكتور المالح بأن طفولته لم تكن سعيدة جدا. ورغم أن علاقته بأخواله كانت وطيدة جدا، إلا أنه في شهادته هذه، والتي ننقلها من الإنجليزية إلى العربية موثقة بصوته، كان صريحا واعترف بأنه كان ينفر كثيرا من الطقوس اليهودية التي كان يحرص جده على أن تقام في البيت. حتى أن نبرة صوته تغيرت لتبدو أكثر تأثرا وهو يتحدث عن جدته.
أخواله الذين وُلدوا جميعا تقريبا في الولايات المتحدة، لم يكونوا يشتركون معه في ذكرياته المغربية التي طبعت طفولته. لكن جدته كانت الوحيدة التي تفهم جيدا ما كان ينقصه في غربته، خصوصا خلال سنواته الأولى هناك. ورغم أنه اندمج بسرعة في حياة «بروكلين» والنواحي إلا أن «التمزق العائلي» الذي عاشه أثّر كثيرا في ذكرياته. لماذا لم تكن طفولته سعيدة بالقدر الذي يجعله راضيا عنها على الأقل؟ يجيب: «لا أتذكر طفولتي كما لو أنها طفولة «سعيدة». لقد كان الجميع قادرين على كسرها. والدي كان منهم أيضا.
العطل اليهودية وأيام السبت كانت أيام عذاب بالنسبة لي، لأنه كان يتعين عليّ أن أجلس بجانب جدي، وأتعرض للضرب إن لم أتلُ الصلوات بطريقة صحيحة. وكان هذا سبب نفوري من الدين عند أول فرصة أمامي. كان ذلك عندما عانى جدي من سكتة دماغية ما بين سنتي 1935 و1936. وبالتالي لم يكن بمقدوره إرغامي على أي شيء».

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى