شوف تشوف

الرأي

«فيسبوك» أخطر من إيران

نواف التميمي

في أول خطاب له بالأمم المتحدة، رسم الرئيس الأمريكي، جو بايدن، صورة التهديدات التي تحيط بكوكب الأرض وسكانه، من جائحة كورونا المستعرة وظاهرة الاحتباس الحراري إلى محاولات الدول الأقوى للهيمنة على الدول الأضعف. ولعلها من محاسن المصادفات أن يتزامن تحذير الرئيس الأمريكي مما سماه «خطر الاستغلال التكنولوجي أو المعلومات المضللة»، مع تسريب وثائق داخلية تكشف خطر عملاق وسائل التواصل الاجتماعي «فيسبوك» على الصحة العقلية للمستخدمين، ونشر الخدع، وتعطيل الديمقراطية. ويأتي الكشف الجديد الذي نشرته «وول ستريت جورنال»، ليضاف إلى سجل «فيسبوك» الذي واجهته، في السنوات الماضية، موجات من الاتهامات والانتقادات الحادة؛ بسبب تورطه في أزمات اختراق الخصوصية، ونشر خطاب الكراهية والعنصرية، فضلا عن التدخل الروسي في الانتخابات الأمريكية لعام 2016 عبر منصاته، وترويج معلومات مضللة عن وباء كورونا واللقاحات.
تحت عنوان «ملفات فيسبوك» نشرت «وول ستريت جورنال» سلسلة تحقيقات سلطت الضوء على حقائق مهمة عن عملاق التكنولوجيا العالمي «فيسبوك»، وذلك استنادا إلى ما جاء في وثائق سرية سربها أحد موظفي الشركة، كشفت بشكل صادم مدى ازدواجية المعايير لدى «فيسبوك» الذي يقوض، في الخفاء، أهم القيم الإنسانية والمبادئ العامة ويضر بالصحة العقلية للمستخدمين. وعلى الرغم من تأكيد مارك زوكربيرغ، في أكثر من مناسبة، أن شركته تسمح لأكثر من ثلاثة مليارات مستخدم بالتواصل والتوجه إلى الجمهور على قدم المساواة مع النخب السياسية والثقافية والصحافية، وأن معايير النشر على المنصة تنطبق على الجميع، بغض النظر عن شهرتهم أو مكانتهم، إلا أن الوثائق المسربة تكشف تواطؤ الشركة مع بعض المستخدمين البارزين والمؤثرين، وتمكنهم من نشر محتويات تنتهك، في الغالب، القواعد العامة التي تزعم الشركة التزامها.
لم يفت الرئيس الأمريكي تذكير العالم، بالتصريح أو التلميح، إلى خطر دول، مثل إيران وكوريا الشمالية والصين، على الاستقرار العالمي، لكنه غفل عن تنبيه العالم إلى تضخم (وتمدد) إمبراطوريات غير مرئية، مثل «فيسبوك» و«تويتر» و«توك توك» باتت فيها أخطار عابرة للقارات. في مقاله الشهير «الدعاية» الذي نُشر في العام 1928، كتب خبير العلاقات العامة والدعاية إدوارد بيرنز: «التلاعب الواعي والذكي بالعادات المنظمة ووجهات نظر الجماهير، هو عنصر مهم في المجتمع الديمقراطي. أولئك الذين يتلاعبون بآلية المجتمع غير المنظورة يشكلون حكومة غير مرئية، هي القوة الحاكمة الحقيقية لبلادنا. نحن محكومون، عقولنا مقولبة، أذواقنا متشكلة، وأفكارنا مقترحة، إلى حد كبير، من رجال لم نسمع عنهم قط».
على الرئيس الأمريكي، ومن خلفه المجتمع الدولي، الاعتراف بكل شجاعة بأن الأزرار التي تتحكم بها شركات التواصل الاجتماعي باتت أكثر خطرا من زر أحمر تسعى إلى امتلاكه إيران أو كوريا الشمالية، لأن هذه الشركات، وغرف التحكم المظلمة فيها، باتت الأقدر في التأثير على الجماهير، مستفيدة من التطور التكنولوجي، والكم الهائل من المعلومات المتاحة لها لهندسة الرأي العام، والتلاعب بالأفراد والمجتمعات، تبعا لأجندات سياسية وتجارية مدفوعة الثمن.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى