شوف تشوف

الرأيالرئيسيةسياسية

فيزا شنقريحن

حسن البصري

حين قررت الخارجية الجزائرية «إعادة العمل الفوري بالإجراء الخاص بضرورة الحصول على تأشيرة الدخول إلى التراب الوطني، على جميع المواطنين الأجانب الحاملين لجوازات سفر مغربية»، تبين أن فرض «الفيزا» في ظل قطع العلاقات بين البلدين، هو تحصيل حاصل.

 كانت الجزائر دوما سباقة إلى قطع الروابط الإنسانية التي تجمع الشعبين، فهي المبادرة إلى قطع العلاقات الدبلوماسية مع المغرب في غشت 2021، وهي التي منعت الطائرات المغربية من التحليق فوق أجوائها وهي التي تمسح كل أعطابها في جارها.

سافرت إلى الجزائر ثلاث مرات، وما كل مرة تسلم الجرة، فالإعفاء من التأشيرة لا يعفي من الاستنطاق والاستفزاز بمجرد الوصول إلى مطار، قال عنه كاتب عراقي، إن عدد المخبرين يفوق عدد المسافرين في مطارك يا هواري.

السفر إلى الجزائر قطعة من عذاب سواء بالتأشيرة أو بدونها، بجواز سفر مغربي أو إيرلندي، لا فرق.

اسألوا الصحافيين المغاربة الذين رمت بهم الأقدار في مطار الجزائر أو وهران، عن الساعات الطويلة التي قضوها في ضيافة المخبرين، اسألوا بعثات الأندية المغربية عن استقبال يبدأ بباقة ورد وينتهي بباقة تهم.

في إحدى زياراتي إلى الجزائر العاصمة، للمشاركة في ملتقى للصحافة الرياضية المتوسطية، استوقفني مسؤول أمني مكلف بختم الجوازات، وظل يدقق في ملامح وجهي وهو يتفحص بعينين جاحظتين الجواز الذي بين يديه، قبل أن يسألني عن علاقتي بإدريس البصري، وزير الداخلية السابق.

اعتقدت أن الموظف يريد تلطيف الأجواء بسؤال ساخر، فكان ردي: «رحمه الله»، فتبين أن الرجل لا يعلم أن البصري الوزير قد مات قبل سنوات، ولكي أختصر مسافة الحوار، قلت بنبرة ساخرة:

مات الفقيه البصري ومات إدريس البصري ومات الحسن البصري، رحمة الله عليهم.

حمل الرجل جواز سفري وتوجه إلى مخفر أمني، بعدما طلب من باقي المصطفين خلفي في الطابور التوجه إلى نقطة حدودية أخرى.

كنت أعلم أن استنطاقا ينتظرني، وأن طيف وزير مات لا يزال يتراقص أمام عيون الاستخبارات الجزائرية. لكني كنت أخشى أن أتهم بقتل «البصريين».

السفر إلى الجزائر مباشرة لا يتعدى الساعتين والنصف، فيما الإقامة الجبرية في مطار هواري بومدين تتجاوز الأربع ساعات.

لكن فرض التأشيرة الجزائرية على المغاربة سيتضرر منه مئات المطرودين من الجزائر، الذين كانوا يترددون بين الفينة والأخرى على أهاليهم في بلد قطع حبل أواصر الدم. ستزيد «الفيزا» من متاعب إداريي الأندية المغربية التي تقودها الأقدار إلى الجزائر لمواجهة فرق الجارة الشرقية.

ما عدا ذلك، فلا تأثير يذكر، إلا إذا رغب مغربي في زيارة برج بوعريريج، والتقاط صور في الطوابير، والتملي بطلعة ديناصورات العسكر قبل أن تنقرض، أو القيام بجولة في معرض الكتاب الذي تباع فيه الأدوات المدرسية.

ليست الجزائر فقط هي البلد المغاربي الوحيد الذي تربطنا به أواصر «الفيزا»، بل إن الشقيقة موريتانيا تجمعنا بها تأشيرة متبادلة، بالرغم من العلاقات الثقافية والإنسانية والأكاديمية التي تجمع بين البلدين.

ما حصل في ملعب 5 يوليوز بالعاصمة الجزائرية وفي مطار هواري بومدين، وقبله في ملعب رادس بضواحي تونس، يؤكد أن اتحاد المغرب العربي يعاني من سكرات الموت، وأن هذا الكيان الذي ظلت بياناته تروج لخردة قيم مستعملة كالوحدة والتكامل والمصير المشترك، يحتاج إلى ضريح لا إلى مقر دائم.

مقالات ذات صلة

حين ساءت علاقات معمر القذافي مع الغرب، لم يفرض على رعاياهم تأشيرات لدخول الجماهيرية العظمى، بل طالبهم بجوازات سفر باللغة العربية، فأعرضوا عن السفر، وفي اليوم الموالي هتف اللغويون باسم الزعيم ورددوا: «يا قائد ثورتنا على دربك طوالي».

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى