شوف تشوف

الرأي

فيروس عالمي ولقاح وطني

زينة يازجي

اللقاح الأمريكي، واللقاح البريطاني، والصيني والروسي وذاك الفيروس العالمي كورونا… معادلة فيها خطأ جسيم. فكيف يمكن أن نجابه فيروسا عالميا بلقاحات قومية؟ سؤال، بل على ما أعتقد، درس إضافي من الدروس التي علينا أن نتعلمها من تجربتنا مع هذا الوباء. إن وجودنا كبشر ودول لن يستقيم إلا إذا أوجدنا معادلات إضافية غير تلك السياسية والتجارية المعتمدة.
قومية اللقاح جعلت الدول التي تنتجه تستعمله سياسيا، فبتنا نسمع «دبلوماسية اللقاح»، حيث تثبت الدول صداقاتها عن طريقه، حين توفره الدول المنتجة لدول معينة دون أخرى، أو باعتماد لقاح معين من الدول الموردة دون آخر، وتُصفى حسابات سياسية وتُبنى جسور. بريطانيا تصفي حساباتها مع الاتحاد الأوروبي حول عقود «أسترازينيكا»، وروسيا تعطي لقاحها للدول الأوروبية لعلها تهز فيها الرائحة الاشتراكية، والصين تبني أسوارها في عقر النفوذ الأمريكي، وإسرائيل تشتري لسوريا لقاحات روسية، وكأننا أمام خريطة جديدة للعالم، ترسم بألوان اللقاحات بدل الأعلام.
غير صكوك الميول السياسية، فإن قومية الإنتاج مقابل عالمية الاستهلاك، خلقت طلبا ملياريا بالحسابات التجارية وجعلت المنافسة تستعر بين الدول القادرة علميا وماليا لدعم شركاتها القومية بكل ما أوتيت من قوانين وصلاحيات، فقامت بإنتاج اللقاح بشكل طارئ، وباعته لمن يدفع أكثر وأسرع وفق قواعد الاقتصاد الحر، وكأنه بضاعة استهلاكية وليس فرضا للبقاء. اللقاح لا يجب أن يتم التعامل به كأنه سلعة استهلاكية يمكننا اختيارها حسب الرغبة والقياس واللون والذوق، كحقيبة نسائية أو جهاز موبايل. كان من الممكن أن تجتمع تلك الدول أو تجمعها منظمة الصحة العالمية لاصطفاء أفضل تركيبات اللقاح التي تم التوصل إليها، بدل الاحتماء وراء براءات الاختراع، ومن ثم إنتاج وتصنيع للقاح نفسه حول العالم في أي بلد قادر طبيا وعمليا على ذلك، لينال كل إنسان حقه من هذا اللقاح مع نهاية هذا العام، بدل التوقعات بأن تظل المليارات من البشر بدون أي جرعة حتى، فيما تستأثر عشر دول حول العالم بحصة الأسد.
أضف إلى ذلك أنني لا أفهم لماذا يبقى قادة العالم السياسيون والاقتصاديون والأمميون حبيسين لذاك النموذج الفاشل من توزيع اللقاح كما توزع المساعدات عادة؟ نموذج أثبت فشله عقودا وفي كذا بقعة من هذا العالم، لأنه يعتمد على التزام النوايا، نوايا الدول الغنية بتخصيص جزء من مداخيلها، وهذا شرط متغير دوما، ونوايا الدول المتلقية للمساعدة بالتوزيع العادل والشفاف، وهذا شرط ثابت الإخفاق للأسف. أصبح من الواضح أن وعود المنظمات الدولية بأنها تضغط على الدول الغنية لشراء لقاحات للدول الفقيرة من شركات الأدوية التجارية هي وعود غير عملية ولن تتحقق. فكندا لديها من اللقاحات ما يكفي عدد سكانها ست مرات، وسوريا لم تدخلها جرعة واحدة، وفلسطين تسلمت عددا ضئيلا من اللقاحات فوزعتها على كبار القوم، ليس عمرا كما هو واجب، بل وظيفيا وسياسيا، فالمدير العام أحق من مدير القسم، وهذا أحق من الموظف! وطبعا كلنا سمعنا ما جرى في لبنان من تلقيح النواب بدل المستحقين من الكوادر الطبية وكبار السن. فلو توزع إنتاج اللقاح الأفضل حول العالم في مصانع إقليمية وأعطي حسب عدد السكان لكل بلد، لكنا استعملنا نموذج الشركات في التوزيع المنظم والمدروس، نموذج المشاريع الأممية العادل والشامل في الإنتاج بدل القيام بالعكس تماما.
القومية أصبحت سمة خطرة في الكثير من المجالات التي تحكم عالمنا، وصار جليا أن الوطنية تبقى سمة محمودة إذا ما افترقت عن القومية المحدودة. فالانتماء أصبح يقف عند حدود انتماء الآخرين، كما التكسب التجاري يقف عند حدود وباء عالمي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى