فن الخروج السياسي
يمكن للمرء أن يدخل السياسة بطرق شتى دون أن يثير الانتباه، فقد يلج إليها من باب الثوري أو المحافظ أو الجذري أو الإداري، أو من نافذة التقنوقراط أو الأعيان، وهذا لا يهم مادام أنها مجرد بدايات الممارسة السياسية، لكن المهم هو أن يعرف السياسي كيف يخرج من ملعب السياسة بعدما يأفل نجمه وتنتهي صلاحياته وينقضي عمره السياسي المفترض دون خسائر فادحة وبلا «شوهة».
والحقيقة أن الخروج السياسي ليس عملية بسيطة، بل هو حرفة إن لم نقل إنه فن رفيع. فهناك سياسيون عرفوا كيف يدخلون للسياسة في أوجها ويخرجون منها في عز قوتهم ومصداقيتهم محتفظين بكل الاحترام والاعتراف لأدوارهم الوطنية، ولا أدل على ذلك من عبد الرحمن اليوسفي الذي دخل السياسة مقاوما ومعارضا شرسا للقصر وانتهى رمزا وطنيا، وبأقل الخسائر خرج عباس الفاسي وإدريس جطو اللذان أنهيا مشوارهما دون مشاكل تذكر، لكن هناك من دخل للسياسة بالأمس، لكنه لا يريد الخروج الطبيعي من نعيمها وما توفره من سلطة ونفوذ، أو يقاوم الخروج بشكل مأساوي وكاريكاتوري، كما يحصل اليوم مع الولاية الرابعة لنبيل بنعبد الله على رأس التقدم والاشتراكية الذي أنتج شعار «عفط على مو»، أو عبد الإله بنكيران الذي قاد الحزب لثلاثين سنة في المعارضة والأغلبية وعندما كان مجرد جماعة دعوية ولا زال يواصل القيادة بشكل بهلواني بينما يحسب نفسه أنه يحسن صنعا. وشباط الذي قبل أن يتحول من أمين عام لأكبر الأحزاب السياسية إلى مجرد مسؤول جهوي لحزب لا يرى بالعين المجردة ومن كاتب عام الاتحاد العام للشغالين إلى عضو بنقابة المنظمة الديمقراطية للشغل.
هذه الأمثلة وغيرها تؤكد بالملموس أن السياسة والسياسي له مدة صلاحية مفترضة كما في كل دول العالم، لا ينبغي أن يتجاوزها «بالفهلوة» و«الغوغائية» و«الشعبوية»، وإلا تحول إلى منتوج سام يضر صحة المجتمع ويعرض مؤسسات الدولة للمرض بسبب السموم التي يشرع في نفثها في الأجواء العامة.
هناك حقيقة واحدة يعلمها المعنيون بالخروج السيئ قبل غيرهم، مفادها بأن حقبتهم السياسية قد انتهت صلاحيتها. فهم خاضوا كل رهاناتهم واستعملوا كل أوراقهم والنتيجة كانت واضحة للعيان. خرج شباط وبنكيران وبنعبد الله خاليي الوفاض من الاستحقاقات الماضية بعد أن سبق لهم أن خسروا ثقة المغاربة أثناء تدبيرهم لشؤونهم العامة لعقد من الزمن.