يسرا طارق
كثر الحديث، في الأيام الأخيرة، عن إمكانية اندلاع حرب بين بلدنا والجزائر، خصوصا بعد استعراض القوة الذي قدمته هذه الأخيرة بمناسبة ذكرى اندلاع الثورة الجزائرية. ما يثير في هذا الحديث هو أن معظمه يتجاهل أن حكام الجزائر يشنون حربا لا هوادة فيها على المغرب منذ استرجاع أقاليمه الجنوبية سنة 1975، لقد شكلوا جمهورية وهمية في ترابهم، واختطفوا الناس ليصنعوا لها شعبا وأتوا بمرتزقة من موريتانيا ومالي وأماكن أخرى، ليصنعوا لها جيشا، وسلحوا هذا الجيش وصاروا يرسلونه ليهاجم بجبن جنودنا في أيام الأعياد وفي جنح الظلام، ثم يعود إلى قواعده في الجزائر ليحصي قتلاه، ويلملم جراحه ويستعد للقيام بغارات أخرى. لم تصبر دولة على أذى جارها كما صبر المغرب، ولم تتحمل دولة بطول نفس حماقات جار حقود كما فعل المغرب، وطيلة هذه العقود، وكلما مد المغرب يد الأخوة والسلام والتعاون لحكام الجزائر، فَهِمَ هؤلاء الإشارات خطأً، وظنوها دلالة ضعف فأمعنوا في غيهم واستفزازاتهم.
إنها حرب طويلة، وممتدة معلنة من طرف واحد، تشتد حينا وتبرد حينا آخر، بحسب الأوضاع الداخلية للجزائر، وبحسب صراع الأجنحة في المؤسسة العسكرية. حرب تستعمل فيها كل الأسلحة، إما بالوكالة أو مباشرة.. غير أن ما يميز هذه الحرب، ومنذ تحرير وتأمين معبر الكركرات، وتحقيق المغرب لانتصارات دبلوماسية مشهودة، هو أن هذه الحرب صارت مفتوحة، استعملت فيها الجزائر كل أوراقها (قطع الغاز، قطع العلاقات الدبلوماسية، منع الطائرات المغربية من التحليق في الأجواء الجزائرية، معاقبة السفن التي ترسو في الموانئ المغربية، فرض الفيزا، هجمات سبرانية وهجمات الذباب الإلكتروني، تشديد اللهجة ضد المغرب في المحافل الدولية، اعتبار المغرب علنا عدوا كلاسيكيا، التهديد بمهاجمة المغرب ومعاقبته في بلاغات رسمية لمجلس الأمن القومي، إساءة معاملة بعثات مغربية، فتح مكتب لجمهورية ريف مضحكة، اتهام المغرب في كل الكوارث التي تضرب الجزائر…)، ولم يعد لها في الواقع إلا فتح النار، بعد أن نقلت عتادا عسكريا كبيرا نحو الحدود المشتركة.
الكل يعرف أن الجزائر، وملف الصحراء المغربية يوشك أن يغلق، لا تريد أن تخرج خاوية الوفاض. لهذا اقترحت تقسيم ترابنا الوطني، رغم أنها تعرف أن ذلك مستحيل، ولهذا نراها تتخبط وهي تتلقى الضربات المتتالية.
منذ عصور غابرة، تحدث سون تزو، في كتابه «فن الحرب»، الذي خصصت له حلقة كاملة في برنامجي «أدليس» على القناة الأمازيغية، عن الذكاء الاستراتيجي في محاصرة العدو، ودفعه لإخراج كل ما عنده من وسائل وربح الحرب ضده دون القيام بعمل عسكري..، إن الحرب الظافرة، في نظره، هي تلك التي لا نخوضها، أو حتى حين نجبر على خوضها، نحرص على أن تكون سريعة وغير مدمرة للطرفين، لكي لا تلد بعد ذلك حروبا أخرى. لقد حرص المغرب دوما على أن يتجنب الحرب مع الجزائر، لم يُفَعل حق المطاردة الذي تكفله له كل القوانين، حين كانت أراضيه تتعرض لاعتداءات جبانة، وتسلح دوما بالصبر كخيار استراتيجي لاحتواء جنون الجوار، وسيذكر التاريخ بامتنان كبير للمغفور له جلالة الملك الحسن الثاني، ولوارث سره جلالة الملك محمد السادس، أنهما لم ينجرا لحرب مع الجزائر، رغم قرع طبولها، بصفة دائمة، من طرف العسكر، فضلا، دوما، المراهنة على الوقت لجعل مشروع تقسيم المغرب يتهاوى من تلقاء نفسه، فالتنمية أبقى من نار تأكل كل ما تجده أمامها ثم تخبو.