فن التهرب من المسؤولية
أصبح الأمر مقلقا ومكلفا للوطن؛ لعبة التهرب من المسؤولية التي أضحت طاغية على أفعال ومواقف رئيس الحكومة وقادة حزبه تجاه قضايا كبرى، فتراهم يتخذون أو يساهمون في صناعة القرارات ويلقون باللوم على من حولهم دون تحمل نصيبهم من الكلفة السياسية، فهم لا يؤمنون بضريبة السلطة بل يرغبون في امتيازاتها دون تحمل تكاليفها، ويسعون للمناصب الحكومية رغبة في الوجاهة الاجتماعية والمنافع المادية، دون المسؤولية عن أدائهم. باختصار، يريدون أن يسبحوا في الماء دون أن تبتل ثيابهم بقطرة واحدة.
لا يفهمون أو يفهمون ذلك ويتجاهلون أن مسؤولية تدبير السلطة التنفيذية والأغلبية السياسية داخل البرلمان ليست وجبة نأكل ما نشاء منها، هي التزام سياسي وأخلاقي قبل كل شيء وقدرة على تحمل النتائج المترتبة على المواقف والقرارات مهما كانت قاسية على مصالحهم الحزبية لفائدة الوطن.
الأدهى أن رئيس الحكومة وأعضاء حزبه يريدون أن يرسخوا في الأذهان فكرة تشتيت المسؤولية بمعنى أن القرارات التي مارسها في عودة العلاقات مع إسرائيل أو قانون الكيف لا تنبع منه بل كمؤسسة دستورية بل هو لا يعدو أن يكون عبدا مأمورا مطيعا أو مجرد رئيس حكومة كما قال سلفه بنكيران ذات يوم.
وللأسف بدلا من أن يستخدم العثماني صلاحياته الدستورية في الموافقة أو المعارضة على قوانين تمر أمام المجلس الذي يرأسه، نجد أنه يمارس فنا سورياليا في التهرب من المسؤولية، فلا يجد أدنى حرج كرئيس للحكومة في التوقيع على اتفاقية عودة العلاقات مع إسرائيل وفي نفس الوقت يهاجمها بقبعة الأمين العام للحزب ويهنئ حماس والجهاد الإسلامي، ونجده يوافق على قانون الكيف كرئيس للحكومة ويهاجمه كأمين عام، ونجده مسؤولا عن المؤسسات، لكنه يهاجمها إذا مارست اختصاصاتها ضد أحد من أفراد قبيلته الحزبية والدعوية، وفي قلب كل التناقضات نجده يتخذ القرارات ويرمي مسؤوليتها على جهات مجهولة، أو على الأقل يغلفها بغلاف الإكراه حتى يحافظ على مكاسب الزبدة وثمن الزبدة.
ومع اقتراب جذبة الانتخابات وصل الحزب الحاكم ورئيس الحكومة إلى حالة لا يمكن لهما أن يتحملا المسؤولية، ففي نظرهما أن تحمل المسؤولية السياسية والدستورية عن قراراتهما السيئة هي انتحار انتخابي، وبالتالي يلجآن إلى استراتيجية توريط الآخرين لتنزاح المسؤولية عن كاهلهما وتقع على كاهل غيرهما، ولذلك نجد مثلا أمينة ماء العينين تحول السلطة التشريعية إلى سلاح لمواجهة السلطة القضائية في قضية الريسوني، ونفهم سر بعث رئيس الحكومة لرسالة تهنئة لحماس، ونستوعب التصويت ضد قانون الكيف والقوانين الانتخابية، وندرك سر تحلل الحزب الحاكم من التزام الأغلبية وإطاحته بمواد في قانون محاربة الرشوة، ونعرف أسباب مهاجمة «البيجيدي» للمندوب العام للسجون رغم أنه يؤدي مهامه تحت وصاية رئيس الحكومة، ونعي الشروع في مهاجمة الحزب الحاكم لوزارة الداخلية والولاة والعمال الذين يوجدون تحت تصرف رئيس الحكومة.
مثل هؤلاء الساسة الذين أنتجهم حزب العدالة والتنمية لا يعيرون بالاً ولا اهتماما لمصلحة الوطن، فالمهم أن الأصوات الانتخابية في مأمن وأن المناصب السياسية تحت سلطتهم وأن الامتيازات والمنافع تحت أيديهم لذلك لا بأس من ممارسة ازدواجية المواقف مهما كانت مقيتة ونهج أسلوب النفاق السياسي مادام أنه يحقق مصالح عابرة.