بقلم: خالص جلبي
هكذا كان حال الدول في ما سبق، وهكذا حالها حتى اليوم، يتم فيها احتكار العنف من طرف واحد، بيد شخص أو عصابة، أو عائلة أو عشيرة، أو طائفة وحزب؛ ويمكن أن تنشأ دول ديكتاتورية، أو ديكتاتورية الحزب، بيد مافيات مدربة على القتل، من عائلات مسلحة حتى الأسنان، أو دول طائفية تركب فيها قلة أوليغارشية ظهر الأكثرية بأفضل من الصافنات الجياد، تقود الأمة إلى الكارثة، وفيلم «أوتيل رواندا» شاهد مرعب على ذلك، والعالم العربي في قسم ليس باليسير مهدد بمصير رواندا والصومال. ونشير إلى انفلاق السودان الجديد، بين دقلو والبرهان من العسكريين، نموذج حزين لما نقول. ومع ولادة الدولة حصل ما يحصل في (مضاعفات الأمراض Complications)، مثل الحمى التيفية التي تترافق بارتفاع الحرارة واضطراب الجهاز الهضمي، أو أشد مثل التهاب العضلة القلبية، ونزف الأمعاء بعد انثقاب، كذلك كان الأمر مع بناء الدولة منذ ستة آلاف سنة، فمع ولادتها ولد أمران أحلاهما مر:
ـ داخليا بولادة الطغيان الداخلي.
ـ وخارجيا بولادة الحرب مع دول الجوار، أو مع الذات بالحرب الأهلية الأشد مرارة وهولا.
والحرب هي قدر خطير للدولة، فليست من حرب إلا وهي بين دولتين، أو أثناء تفكك الدولة الواحدة، كما كان في يوغسلافيا السابقة، أو ما شاهدناه في العراق وليبيا واليمن وما سوريا عنكم ببعيدة. وهكذا فمعظم أقطار العالم العربي مرشحة لهذا المصير، ومن يظن نفسه أنه بمنجاة فهو يسبح في أحلام السندباد، «فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو عذاب أليم». وكما يقود الاختلاط (المضاعفات) إلى اختلاط، مثل السكري وفشل الكلية وعمى العين، كذلك قادت الحرب إلى إنجاب ابن مشوه هو الرق، فالحرب والرق صنوان في الشناعة والبشاعة، أحدهما ولد الآخر بالتبني والوراثة. الرق جاء من الحرب، والحرب شجعت على الرق، ونهاية أحدهما تعني تلقائيا نهاية الآخر، فإذا انتهى الرق معناه نهاية الحرب، ولكن الناس لا يتفطنون لهذه العلاقة الخفية الحساسة، وهو خبر مفرح للتقدم الإنساني. وحين أعلن القرآن تجفيف منابع الرق، كان معناه أن الحرب ستضع أوزارها. والنبوات جاءت من أجل هذا، جاءت من أجل تجفيف الرق وإعلان حرية الإنسان ومساواة البشر؛ لونا وعرقا ودينا ولغة وجنسا. والأديان جاءت من أجل لجم الطغيان الداخلي، وشطب الحروب من سجل التاريخ، وليس من أجل إشعال الحروب؛ وكلما أوقدوا نارا للحرب أطفأها الله؛ فهذا هو التوحيد، ألا يتخذ الناس بعضهم بعضا أربابا من دون الله، ومن أجل هذا بعث الأنبياء ليقوم الناس بالقسط، وأنزل الحديد فيه بأس شديد، ومن أجل هذا كافح الرسل وقتلوا. كما جاء في محكم التنزيل «وقتلهم الأنبياء بغير حق.. وقولهم قلوبنا غلف، بل طبع الله عليها بكفرهم فلا يؤمنون إلا قليلا..». ولو جاء الأنبياء بقضايا تيولوجية مجنحة في الغمام، ولا تمس حياة الناس بشكل مباشر، لما تعرضوا للفتنة.
«وهمت كل أمة برسولهم ليأخذوه، وجادلوا بالباطل ليدحضوا به الحق فأخذتهم فكيف كان عقاب».
وهذا هو الجهاد ـ بمعنى القتال المسلح ـ وليس غير ذلك، أي القتال من أجل منع الفتنة؛ فيعيش الناس أحرارا محررين من علاقات القوة، كما جاء في وثيقة حقوق الإنسان الدولية، وكما أعلن عمر رضي الله عنه في الواقعة الشهيرة، وهو يعلو رأس حاكم مصر عمرو بن العاص؛ لأن ابنه ضرب ولدا قبطيا (طرشة كما يقول المغاربة) بغير حق، فصرخ فيه: يا عمرو متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا.. لاعتقاده أن ضربة الكف ستلحقها ضربة سيف، وهو الذي دفع والد الغلام إلى أن يركب جملا شهرا لمراجعة الخليفة. الجهاد هو إذن لون من إطفاء الحرائق كما تفعل وحدات الدفاع المدني في العالم، وهي دعوة لإقامة حلف عالمي، يتعاون فيه العادلون من كل دين وملة، لمنع الإكراه في الدين في كل ملة ونحلة، ورفع الظلم عن الإنسان أيا كان دينه ونحلته ورأيه ومعتقده. وهذا يعني بكلمة ثانية أن كثيرا من الأقطار التي يسود فيها الاستبداد مرشحة للجهاد ضدها في هذه الحالة، لأنها تفتن الإنسان وتكرهه على ما لا يعتقد وتحبسه على منشور كما حصل يوما في سوريا، ومن اطلع على مقالتين ونصف في الإنترنت، فأرسلها إلى شخصين ونصف حكمته المخابرات في عباءات القضاة بالحبس سنتين ونصف، كما هي في واقعة عبد الرحمن الشاغوري، في سجن صيدنايا بسوريا، وهي قصة مشهورة في الإنترنت يمكن الاطلاع عليها.
وقصة الطبيب الفلسطيني الحشوش في ليبيا سابقا، نموذج آخر على السجون العربية واضطهاد الإنسان واستباحته بدون حدود، حين سعت كل أوروبا بـ27 دولة في ذمة خمس نسوة ضعاف، وقعن في يد الجبار يومها من أجل لعبة سياسية قميئة فظلمن، وكان حظ الطبيب الفلسطيني عظيما، حين اعتبر الاتحاد الأوروبي أن ما أصابه هو ما أصابهن، فأخرجوه من فم التنين أشلاء، ومنحوه الجنسية الأوروبية، وردوا له الاعتبار، فكانوا شهداء بالقسط، وكان القذافي شاهدا على الظلم حتى انتهى مقذوفا بلهب ونار ولم يعثر له على قبر، وهذا يعني أننا في الجهاد، قد نضع أيدينا في أيد الكافرين العادلين لمحاربة مسلمين ظالمين؛ فحيث العدل فثم شرع الله، وحيث الظلم فثم شرع الشيطان؛ «فقاتلوا أولياء الشيطان، إن كيد الشيطان كان ضعيفا».
نافذة:
مع ولادة الدولة حصل ما يحصل في (مضاعفات الأمراض Complications) مثل الحمى التيفية التي تترافق بارتفاع الحرارة واضطراب الجهاز الهضمي أو أشد مثل التهاب العضلة القلبية ونزف الأمعاء