نزار السهلي
يعيد مشهد عدوان عصابات المستوطنين على مدن الضفة الفلسطينية المحتلة، بعمليات قتل وحرق الأرض ومنازل الفلسطينيين، الصورة الأولى التي ارتكز عليها قيام إسرائيل في إعادة حية لفعل إجرام كل من أحفاد عصابات الأرغون وتسيحي والبلماخ والهاغاناة، مؤسسي قلب المشروع الصهيوني الاستعماري في فلسطين التاريخية، وأذرعه الضاربة بالإرهاب والقتل في المستعمرات المقامة على الأرض الفلسطينية، تستكمل ما بدأه مؤسسو الإرهاب الصهيوني بصمت وتواطؤ دولي.
مقاومة الشعب الفلسطيني، تعتبر مثار قلق وصداع وشوكة كبيرة في حلق المشروع الصهيوني، وبناء على ذلك، تعمل الحكومات الإسرائيلية على تكثيف سياسة التهويد والاستيطان، وحصار المدن والقرى الفلسطينية بكتل استيطانية، ومصادرة الأراضي المحيطة لكسر هذه المقاومة ومحاولة هزيمة أصحاب الأرض، مع استفحال التطرف والإرهاب الصهيوني وتغذيته داخل المستعمرات، خصوصا سيطرة اليمين الاستيطاني والتيار الصهيوني المتدين على مفاصل الحكم في إسرائيل بزعامة نتنياهو وبن غفير وسموتريتش، يغدو الحديث السياسي المرتبط بالقضية الفلسطينية وإعادة الاهتمام بمسار التسوية والمفاوضات بكل المفردات الملتصقة بها وعوائقها ضربا من الخيال الجامح، مع ظاهرة توسيع الاستيطان والتهويد وعمليات العدوان المستمر.
الأمر الأبرز على مستوى مواجهة الشعب الفلسطيني لإرهاب إسرائيل، حكومة وقوانين وسياسة واستيطانا وجيشا وشرطة وعصابات، هو تماهي وتماسك المواقف الصهيونية حيال قضية نسف كل الأسس المتعلقة بعملية السلام وتوابع التطبيع العربي المتذرع بها، والذي سعى من خلالهما المشرع الصهيوني إلى تحقيق مكاسب على الأرض بتصعيد العدوان، في المقابل يبرز غياب التماسك العربي والفلسطيني على الأقل في تقليد صلابة العدو لنسف كل مزاعمه وسياساته.
تكفي مشاهد الحرق الجماعي لمنازل المدنيين الفلسطينيين وأرضهم وأشجارهم ومركباتهم، تذكير العالم بجرائم الحرب ضد الإنسانية، وتكفي العرب المكبلين بعلاقات مع إسرائيل للتحلل منها، ومخاطبة المجتمع الدولي المتمسك بالنفاق وازدواجية المعايير إزاء إرهاب إسرائيل، ويجعل من الإشارة الضرورية لمن اشتكى من هذه الازدواجية عربيا، بوضعه أمام مسؤولية تاريخية اليوم، وبالتحديد في الأنظمة التي تقيم علاقة «سلام» وتطبيع وتحالف مع إسرائيل، لكن من الذي يقول إن النظام الرسمي العربي يرغب بتلك الحقائق لتصليب موقفه؟
التقدير السائد لدى المؤسسة الصهيونية وحكوماتها، أن المجتمع الفلسطيني وشارعه يؤرق ويقض مضجع أوهامها، وهو الخطر المحدق بأساطير الصهيونية ومزاعمها للأرض والشعب، تقدير يرى في كل فلسطيني على أرضه خطرا يجب إزالته ونفيه وطرده وقتله ومحوه من الوجود.
أخيرا، هناك تقدير عربي رسمي، سيئ ومستمر، عن فلسطين من حيث تكرار السياسات والمواقف ذاتها، وتقدير فلسطيني رسمي عن الشارع الفلسطيني وقدرته على المواجهة، وفي الحالتين تقدير أكثر سوءا عن إسرائيل وسياساتها بالاستمرار العربي والفلسطيني الانبطاح أمام سياسة العدوان لإحداث تغيير في جلد وعظم المؤسسة الصهيونية الثابتة على الإرهاب المنظم. وفي النهاية كل التقديرات التي تحاول تلطيف العدوان بتناغم موجة تصريحات منددة له، دون فعل للمحاسبة عن الجرائم، إنما إشارات فعلية للمجرم لإنجاز مزيد منه، ريثما يتم تحقيق ما تريده إسرائيل، لا الضحايا، الذين فهموا المغزى والمضمون الحقيقي لكل ما أشيع من أكاذيب التضامن الرسمي معهم وإشاعة التقدير الرديء عن الذات العربية الحرة .