شوف تشوف

الرئيسيةملف الأسبوع

فلسطينيون أغرموا بالمغرب …كتاب وشعراء وسياسيون اختاروا الاستقرار بالمملكة

حسن البصري
حين حصل المغرب على استقلاله قرر الملك محمد الخامس زيارة القدس الشريف، وخلال هذه الزيارة أبى السلطان المغربي إلا أن يزور المسجد الأقصى قبل احتلاله، وينسج علاقة مع أرض لطالما اشتاق لزيارتها حين كان يعيش النفي في مدغشقر.

مات الملك محمد الخامس بعد أقل من سنة على الزيارة، دون أن تدفن معه الكثير من الأماني التي سكنته، ففي غشت من عام 1969 كانت أول مرة تتلقى فيها منظمة التحرير مساعدة مباشرة بصفتها المعنوية، عندما أرسل المغرب إثر هزيمة يونيو من سنة 1967، باخرتين محملتين بالمساعدات الغذائية والألبسة إلى كل من مصر وسوريا، وباخرة ثالثة تقاسمها الأردن ومنظمة التحرير الفلسطينية.

كما شكل مؤتمر القمة الإسلامي الذي استضافه المغرب لجنة القدس، التي ترأسها الراحل الملك الحسن الثاني منذ مارس 1979 إلى حين وفاته في عام 1999، وتم اختيار جلالة الملك محمد السادس رئيسا للجنة خلفا لوالده، لمواصلة دور المغرب الثابت في الدفاع عن فلسطين وعن أحد الأماكن المقدسة لدى المسلمين وباقي الديانات السماوية.

على الصعيد العسكري، من النقاط المهجورة نسبيا في أدبيات الصراع العربي الإسرائيلي المساهمة المتميزة للقوات المسلحة الملكية المغربية على جبهة الجولان خلال حرب 1973، بل إن مئات الجنود المغاربة قدموا أرواحهم قربانا للقضية، حين استشهدوا في أرض المعركة ودفنوا هناك.

تاريخيا، سجل المغاربة حضورا لافتا في مدينة القدس، ثم أضحت لهم حارة مخصوصة بهم كانت بمنزلة الحي، بل إن أحد أبواب مدينة القدس في سورها الغربي لا يزال يسمى باب المغاربة، ما حجز لهم مكانة رفيعة في الوجدان والضمير المقدسي.

في هذا الملف، نعيد ترتيب علاقة قديمة بين بلدين باعدت بينهما الجغرافيا وجمعهما التاريخ.

طبيب فلسطيني تزوج من يهودية واستقرا بالمغرب
في رواية اختار لها الدكتور محمد طعنان كعنوان «ما باحت به سارة»، تنقلنا سطورها لحكاية لاجئ فلسطيني يدعى طارق من مواليد عكا عام 1948، اختار الهروب صوب مخيم الرشيدية بجنوب لبنان، كان مهووسا بخطب جمال عبد الناصر الحماسية، مدمنا على أخبار الإذاعة البريطانية.

«شب هذا الفتى الفلسطيني، وسافر إلى بلغاريا لدراسة الطب. وفي أثناء ذلك تندلع حرب 1967، ويهزم جمال عبد الناصر، ويسافر الطبيب الفلسطيني إلى المغرب، وهناك يكتشف الاختلاف الثقافي، هناك سيلتقي سارة اليهودية الفرنسية التي ولدت في الجزائر وما برحت تمتلك حنينا هائلا إلى أرض طفولتها، وسامي اليهودي المؤيد لإسرائيل، والنقيب ميلود الذي قاتل في الجولان وأصيب بجروح في رجله وآخرين. وفي تلك الديار البعيدة يكتشف أن في المغرب مدينة تدعى الرشيدية، فيتطوع للعمل طبيبا لسكانها البسطاء، بينما كانت سارة اليهودية ناشطة اجتماعية»، كما ورد في الرواية.

كانت سارة تحن إلى مدينة بشار الحدودية، فيما يجد زوجها صعوبة في دخول الجزائر، قبل أن يصبح طبيبا أخصائيا اجتماعيا يتعايش مع آلام ومشاكل السكان، ويحمله الحنين كل يوم إلى بلده. بدأ طارق الرحلة من مدينة الرباط، ولم ينس الصور والأشرطة المسجلة لناصر وخطاباته الوطنية عن العروبة والاشتراكية، مواجهة الأمية، الاكتفاء الذاتي، التحرر من المحتل، والعدالة الاجتماعية.

في مستشفى حكومي تعرف على سارة، رئيسة المصلحة الاجتماعية، وتطورت علاقتهما، ليجد طارق ضالته في الرفيقة والصديقة التي يتبادل معها الحديث حول الوطن والوحدة العربية ومعاناة شعبه وأطفال وطنه، الذين قتلوا تحت القذائف وتم تشتيتهم بين مخيمات الدول هنا وهناك.. وفي المقابل تحدثه رفيقته اليهودية عن طفولتها في بشار الجزائرية والتي عاشت فيها أجمل سنوات عمرها، وكيف رحلوا إلى فرنسا مرغمين ومطرودين، بعد أن كانت الحياة بينهم وبين الجزائريين مشتركة.

على الحدود الجزائرية المغربية يجتمع المسلمون واليهود حول ضريح سيدي يحيى، حيث يرفع الجميع صلواتهم وطلباتهم لله الواحد، من هنا طرد طارق من ذهنه ما تبقى من فكر ناصري.

بلاطة …رسام فلسطيني يقترح دفنه في المملكة
يعتبر كمال بلاطة من القلائل الذين جمعوا بين الفن التشكيلي والتأريخ. ولد في القدس وتجول في بلدان العالم، وتوقف طويلا في المغرب ومات بألمانيا، بعد أن هام على وجهه لمدة تزيد على سبعة عقود، ليدفن في مسقط رأسه عام 2009.

نشأ كمال وترعرع في الحي المسيحي بالقدس وفيها تلقى تعليمه الأولي، إذ ظهرت موهبته في مجال الرسم، حيث كان والداه يرسلانه إلى رسام محترف اشتهر برسم البروفايلات في الحي الذي يقيمون فيه، وهناك تعلم فن رسم الأيقونات، حيث رسم بورتريهات، وبفضل مبيعات لوحاته في المعارض التي أقامها في القدس وعمان تمكن من السفر إلى إيطاليا، حيث أمضى أربع سنوات في دراسة الفنون، وتخرج من أكاديمية الفنون الجميلة بروما، قبل أن يلتحق بمعهد متحف كوركوران للفنون بواشنطن عام 1968 وأقام فيها ثلاث سنوات. وفي سنة 1974 انتقل إلى بيروت، حيث عين لفترة قصيرة مديرا فنيا في دار الفتى العربي.

حل كمال بالمغرب عام 1993، حيث أجرى بحوثا ميدانية حول الفنون الإسلامية في المغرب وإسبانيا كباحث، وحضر المغرب في رسوماته «بيروت لم تتسع لبلاطة فتنقل كالفراشة بين الولايات المتحدة الأمريكية، المغرب وفرنسا». في المملكة أجرى بلاطة بحوثا ميدانية حول الفنون الإسلامية في المغرب وإسبانيا كباحث، بعد أن تمكن من الحصول على منحة من مؤسسة فورد الأمريكية، لإنجاز بحث ميداني حول الرسم في فلسطين بعد الحقبة البيزنطية. وصدر له كتاب «استحضار المكان ـ دراسة في الفن التشكيلي الفلسطيني المعاصر».

قال عنه الكاتب المغربي عبد الكبير الخطيبي: «خلف شغفه بعلم الهندسة يكمن تقليد رسم الأيقونات، الذي طبع بداياته في التدريب الفني، وقد حافظ هذا التقليد على استمرارية بارزة بين الحقبة البيزنطية والحضارة العربية – الإسلامية. لكن بلاطة لا يكتفي باستكشاف هذا التقليد المزدوج، بل ينقله إلى إطار جديد بصفته فنانا ومتملكا علم الجمال».

وأضاف الخطيبي أن كمال كان يؤسس لعلم الجمال، وفي المغرب أنجز هذه الأعمال التي تحظى بالتقدير الدولي عبر اختيار مجموعة من الأمثال والأقوال المأثورة العربية المأخوذة من الكتب المقدسة والمصادر الصوفية.

جمعته صداقة طويلة مع الشاعر المغربي عبد اللطيف اللعبي، الذي قال في حوار مع صحيفة عربية: «كان كمال يجسد القدس، كانت حية فيه، ماثلة دوما في صوته وحركاته ونظراته وتنفسه ونبرة ضحكاته. لم تغادره أبدا. أينما ارتحل، كان يراها في المنام واليقظة. كان يرسمها بأشكال وألوان غير معهودة في تاريخها وفنونها».

ومن فرط التزامه السياسي رفضت سلطات الاحتلال دفن جثمانه في فلسطين، قبل أن يتقرر دفنه في المغرب كخيار ثان، لكن في نهاية المطاف سمح بالدفن بعد إجراء مراسم التأبين في كنيسة بألمانيا، وأصدرت منظمة التحرير الفلسطينية بيانا نعت فيه وفاة أحد أبرز أعمدة الفكر والفن والإبداع الفلسطيني.

محمد علي الطاهر.. صحافي فلسطيني يوشح بوسام العرش
حل محمد علي الطاهر، واسمه الحركي «أبو الحسن» بالمغرب، بناء على دعوة من الملك محمد الخامس في يوليوز 1960، وقدم محاضرة حول زعيم الريف عبد الكريم الخطابي، وفي نهاية زيارته كان له لقاء مع الملك، وشح على إثره بوسام العرش، ونال ثناء ملكيا خاصا بسبب مواقفه المؤيدة للقضية المغربية، خاصة وأن مقالاته في جريدة «الشورى» وغيرها من الصحف كانت تصل الملك إلى منفاه في مدغشقر.

ظل محمد علي الطاهر وهو في القاهرة على علاقة متينة بالحركة الوطنية في المغرب العربي، أي في كل من ليبيا وتونس والجزائر والمغرب منذ العشرينات، وقد ربطته بزعماء حركات التحرير في تلك البلدان صداقة متينة، ومن بينهم عبد الكريم الخطابي.

كان الخطابي وعائلته على متن الباخرة «كاتومبا»، التي توقفت في ميناء جيبوتي، ثم ميناء عدن اليمنية يوم 22 ماي 1947، حينها توصل أبو الحسن ببرقية من أحد أصدقائه يقول فيها: «الأمير عبد الكريم الخطابي غادر عدن على الباخرة التي ستتوقف في السويس». ما أن توصل الصحافي بالخبر حتى راسل الملك فاروق في الموضوع، وطلب منه العمل على تخليص الزعيم المغربي من الفرنسيين، من خلال ملتمس اللجوء السياسي. كلف فاروق مستشاره الصحافي بالموضوع، فيما نسق محمد علي مع مكتب المغرب العربي بالقاهرة لبحث سيناريو اختطاف عبد الكريم من ميناء السويس، حيث تم تكوين لجنة للقاء الخطابي ومناقشته في أمر اللجوء، وفريق آخر توجه إلى بورسعيد لقيادة المرحلة الثانية، بعد أن منح الملك فاروق الضوء الأخضر للعملية.

وافق الخطابي على عدم استكمال الرحلة أمام استغراب الفرنسيين، فتوجه رفقة أعضاء مكتب المغرب العربي ومحمد علي الطاهر إلى مكتب حكومي بمدينة بورسعيد، لمباشرة إجراءات تقديم طلب اللجوء وغادر المنطقة إلى القاهرة، وقبل حلول الليل كان الخطابي وأفراد عائلته قد أصبحوا ضيوفا رسميين للحكومة المصرية.

وجيه فهمي.. حصل على الجنسية المغربية والوظيفة بقصيدة
شاءت الصدف أن يحضر الشاعر الفلسطيني، وجيه فهمي صلاح، في اجتماع للجنة التنظيمية المكلفة بالتحضير للزيارة التي كان يستعد ملك المغرب محمد الخامس للقيام بها إلى فلسطين عام 1960، وكانت اللجنة تعقد اجتماعاتها تحت إشراف مصطفى خليل الأنصاري، محافظ المسجد الأقصى.

وقع الاختيار على وجيه ليكون من بين الشخصيات التي ستستقبل الملك المغربي، أثناء زيارته إلى القدس برفقة ملك الأردن الحسين بن طلال، بل إن الشاعر أصر على مرافقة الضيف المغربي حين زار مخيم اليرموك، الذي كان يؤوي 12 ألف لاجئ فلسطيني، نصفهم من الأطفال الذين طردوا من وطنهم.

ألقى وجيه كلمة ترحيبية بالملك، وكان حينها صحافيا في محطة «الشرق الأقصى» الإذاعية، وأثنى على الحس الإنساني لملك زار فلسطين وأهداها مستوصفا يعالج المرضى من اللاجئين. وأعجب محمد الخامس بفصاحة الشاعر الشاب ودعاه إلى زيارة المغرب، وهو ما حصل، خاصة وأن التواصل بين السلطان والشاعر توطد، حين استكمل الملك الرحلة صوب الأردن وسوريا.

بعد أيام سيصل وجيه إلى الرباط تلبية لدعوة الملك، حيث التقى الدكتور المهدي المنجرة، إثر تعيينه مديرا للإذاعة المغربية من طرف محمد الخامس، ودعاه إلى الاشتغال في محطة إذاعية ناشئة بتوصية من الملك الذي منح الشاعر الفلسطيني الجنسية المغربية، بعد أن كشف له وجيه عن تجربة سابقة في إذاعة «الشرق الأقصى».

في بداية مساره المهني بالمغرب، اشتغل فهمي وجيه صلاح إذاعيا، قبل أن يتم تعيينه مسؤولا عن البرامج الثقافية بدار البريهي، حيث ساهم في بلورة العديد من التصورات التي لاقت نجاحا في سنوات التألق الإذاعي المغربي. وبعد سنوات من العمل، تخصص الشاعر في تقديم البرامج الفكرية والأدبية، ويتذكر محبوه اللحظات التاريخية التي أشرف فيها على برنامج «ناشئة الأدب»، الذي كان يعده ويقدمه قبله إدريس الجاي.

لفتت قصائد الشاعر الفلسطيني نظر الحسن الثاني أيضا، خاصة القصائد الوطنية خلال المسيرة الخضراء، والتي تحول الكثير منها إلى أغان حماسية، لكن القصيدة الأكثر ملامسة لوجدان الملك هي «التاج نور والمغاني تشرق».

شنابلة.. رجل أعمال فلسطيني يقيم حفلا أسطوريا بالمغرب
لم ينل رجل الأعمال الفلسطيني المقيم في المغرب، زيد شنابلة، حظه من الترويج الإعلامي إلا بعد أن أقام حفل زفاف ابنه بالمغربية وفاء، حيث وصفت الصحافة المغربية الحفل بـ«الأسطوري». علما أن الزفاف أقيم في منزله بمدينة طنجة، وليس في فندق أو قاعة أفراح.

شارك في الحفل عدد من رجال الأعمال والشخصيات القادمة من عالم المال والأعمال من المغرب ومن كافة دول العالم، أبرزهم أثرياء فلسطينيون كمحمد حديد وباهر زعبي وأسماء أخرى من عوالم التجارة والتصنيع، فضلا عن أسماء دبلوماسية فلسطينية ورجال أعمال مغاربة.

أحيت الحفل فرقة أوركسترا مغيث والمغني عبد الرحيم الصويري وعدد من الفنانين المغاربة، ومنهم الفنان الدوزي وكريمة غيث، فيما كان ضيف الشرف الفنان النجم أمير دندن، حيث تعايش الفن الشعبي مع فنون مشرقية.

يهتم شنابلة بالمضروبات الطاقية بالخصوص، وفي مجال تسويق أشهر الماركات العالمية، طور أعماله بفضل شركات مع رجال أعمال فلسطينيين مقيمين في المغرب أبرزهم باهر زعبي وعنان شمشوم، ويرجع سر نجاحه إلى قدرته الهائلة على توسيع نشاطه المهني وإيمانه بالعمل المشترك مع عملاء غالبيتهم من العرب، ناهيك عن الحس الاجتماعي الذي طبع مساره وعلاقته الجيدة مع الدبلوماسيين الفلسطينيين، إلى درجة أنه كان يمثل فلسطين في الكثير من التظاهرات الرياضية التي تقام في المغرب، حيث يصبح الراعي الرسمي للأبطال القادمين من فلسطين. وغالبا ما يحمل رجل الأعمال الفلسطيني شنابلة صفة مبعوث السفير الفلسطيني في المغرب، فيقوم بزيارة وفد فلسطيني مشارك في دورة عربية.

فرحان سلام.. الشاعر وجلباب محمد الخامس
استدعي الشاعر الفلسطيني، فرحان سلام، لقراءة أبيات شعرية إهداء لملك المغرب بمناسبة زيارته إلى مخيمات اللاجئين عام 1960. فأنشد في حضرة محمد الخامس أبياتا مؤثرة، واصفا فيها مؤازرة المغرب ومساندته المطلقة لنضال الشعب الجزائري من أجل استقلاله وحريته بالملحمة الأخوية.

وقف فرحان أمام الملك بقامته الطويلة، معتزا بلباسه الفلسطيني وبعباءته المشرقية، وشرع في إلقاء تحيته، وقيل إنه كان يود إلقاء قصيدته وهو على صهوة حصانه، كما يفعل الشعراء الشعبيون.

أنشد قصيدة يقول مطلعها:

يا ابن الملوك الصيد وابن محمد لا زلت في عمر تسير وتقتدي

لا زلت في دنيا العروبة مصلحا

وبك العروبة للسعادة تهتدي.

ركز الشاعر في هذه الأبيات على الدعم المادي والعسكري والسياسي المطلق الذي قدمه المغرب إلى الجزائر، في ظروف محنتها ومأساتها، حين كانت جيوش الاستعمار تفتك وتقتل أبناءها المطالبين بالاستقلال والحرية. وحين انتهى من الإنشاد، أهداه الملك جلبابا مغربيا قيل إنه ملكي.

زار الشاعر فرحان المغرب، لكن سلطات الاحتلال سرعان ما صنفته في خانة المغضوب عليهم، وهرب إلى الإمارات العربية المتحدة، التي توفي فيها سنة 1999 وفيها دفن.

مصطفى جفال.. من «الكلاشينكوف» إلى سلاح العلم والمعرفة
ارتبط مصطفى جفال، الأردني الجنسية الفلسطيني الأصل، بالمغرب مناضلا عائدا من معارك ضارية، ورجلا من رجالات القانون وعنصرا أساسيا في مركز علم السياسة والقانون الدستوري، ورجل أعمال يدير إحدى كبريات شركات النقل السياحي.

قال في إحدى مداخلاته معبرا عن مكانة المغرب في وجدانه: «لن أنسى ما كان يقوله شاعرنا الكبير المرحوم محمود درويش: «فيك تشعر وكأنك في فلسطين»». كان محمود درويش يحب المغرب ومثقفي المغرب وكل أهل المغرب.

قصة جفال تستحق أن تتحول إلى سيناريو فيلم مليء بالإثارة، فقد ارتبط بنادية برادلي، نجلة برادلي صاحب حافلات نقل المسافرين الشهيرة، وعاش معها أصعب مراحل حياتها في عز الثورة الفلسطينية المسلحة.

اختارت نادية برادلي وشقيقتها غيثة النضال من أجل نصرة القضية الفلسطينية، إذ انخرطتا في إحدى خلايا منظمة التحرير بباريس، حيث كانتا تتابعان دراستهما في جامعة السوربون، بعد الحصول على شهادة الباكلوريا، لكن القدر كان يخفي أشياء أخرى، إذ سرعان ما حصلتا على شهادة النضال، وانتهى بهما المطاف في سجون إسرائيل.

وفي سنة 1970 تم إرسالهما إلى إسرائيل لتنفيذ عملية فدائية، فتم اعتقالهما في مطار تل أبيب وحكم عليهما بخمس سنوات سجنا، حيث عاشتا سنوات خلف القضبان، وبعد إطلاق سراحهما استقرتا في باريس، ثم حاولتا الدخول إلى المغرب، لكن تم رفض عودتهما، وعبر لهما عن ذلك يوسف بلعباس، سفير المغرب وقتها في باريس، كما يقول خالد الجامعي في أحد حواراته الصحافية، قبل أن يضيف: «في تلك الأثناء، تعرفت نادية في باريس على زوجها الأردني من أصول فلسطينية، مصطفى جفال، وهو أحد مؤسسي الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين، وانتقلت رفقته إلى اليمن، حيث كان ممثلا لمنظمة التحرير الفلسطينية. ومن اليمن انتقلا إلى بيروت للاستقرار بها، حيث بدأت نادية تشتغل رفقة الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين في المجال الإعلامي».

واصف والباتول.. ولادة حب في مظاهرة مساندة لفلسطين
يقول واصف منصور، الدبلوماسي والأديب الفلسطيني، مازحا حين يسأل عن هويته: «أنا من الدار البيضاء نسبا، ومن الرباط مقاما، ومن حيفا مولدا، وبهذه التركيبة فأنا فلسطيني – مغربي». وهو ما يختزل سر العلاقة الوجدانية التي تربط الرجل بالمغرب، الذي عاش فيه مدة طويلة، وقدر له أن يدفن في تربته خلال يوم عيد.

نسج واصف أولى علاقاته مع المغرب في الستينات، حين دخل الجامعة وتمكن من التعرف على كثير من الشخصيات الأدبية والدبلوماسية، قبل أن يصبح أمين سر منظمة فتح الفلسطينية في المغرب، التي فتحت تمثيلية دبلوماسية وثقافية لها في العاصمة الرباط.

وسع واصف شبكة علاقاته في الستينات، حين دخل عالم الصحافة وأصبح مشرفا على صفحة أسبوعية خصصتها جريدة «العلم» للقضية الفلسطينية، وهو ما حدت حذوه جريدة «المحرر» التي أصدرت بدورها ملحقا للقضية بإشراف من منصور، ومسؤولية مباشرة من مكتب منظمة التحرير الفلسطينية بالمغرب.

يقول واصف: «شعرت بأن شيئا أساسيا لا بد لي من استكماله، فاتخذت قرارا مصيريا سيكون له الدور الأهم في حياتي القادمة، قررت أن أتمم زواجي من الباتول الناصري، تلك الفتاة التي كنت قد تعرفت عليها في مرحلة الدراسة الجامعية وأحببتها واتفقنا على الزواج. وكنت قبل سفري إلى ليبيا ذهبت إلى مكتب شقيقها محمد المحامي بالدار البيضاء، الذي دبرت أمر لقائي به أول مرة».

طرق باب المحامي الناصري، الذي سيصبح وزيرا للعدل، وكشف عن نواياه، ملتمسا منه دعم قضيته المصيرية، سيما وأن الباتول كانت في صفه معلنة استعدادها الزواج من منصور، بالرغم من «فيتو» العائلة.

كان الوضع المالي لواصف سيئا، فالرجل الذي قرر الزواج لم يكن يملك سوى عقال وحسن نية، فيما كان راتبه، أو بتعبير أصح تعويضاته عن مهمته كسكرتير في مكتب منظمة فتح بالرباط، لا تسمن ولا تغني من جوع، حيث كان يعول في مرحلة الدراسة على المنحة الجامعية ليقتات ويناضل.

حين تخرجت الباتول من كلية الحقوق التحقت بالمعهد العالي للدراسات القضائية، وهو في بداية نشأته، واشتغلت قاضية في المحكمة الابتدائية بالدار البيضاء، براتب خصصت جزءا منه لدعم ميزانية واصف التي تعاني من المديونية المزمنة.

يتذكر واصف اليوم الذي تلقى فيه إشارات من الباتول تدعوه لزيارة بيتها وتقديم الخطبة بشكل مباشر، وفقا للطقوس المغربية. لم يكن والداه يعيشان في المغرب، فقرر الاعتماد على زملائه في المنظمة وبعض أعضاء الجالية الفلسطينية. يستحضر منصور هذه اللحظة بكل تفاصيلها: «أخبرت عمي أبو نزار بموضوع الخطبة، فبارك الخطوة واتفقت معه على تشكيل وفد على الطريقة الفلسطينية يضم بعض كبار السن».

قرأ الحاضرون الفاتحة ووعدوا بكتابة عقد الزواج لاحقا، وخرج واصف والباتول مظفرين وهما يتبادلان إشارات النصر. عقد القران رسميا في أبريل سنة 1971، وبعد عام تزوج واصف الباتول، وقررا قضاء شهر العسل في مراكش، لكن «أيلول الأسود» قلص المدة.

استمرت الحياة الزوجية بين الطرفين 42 سنة، دون أن تتأثر بالمد والجزر الذي عرفته العلاقات المغربية الفلسطينية، قبل أن يرحل واصف إلى دار البقاء يوم الأربعاء 7 غشت 2013، وذلك عن سن تناهز 68 عاما، إثر إصابته بأزمة قلبية طارئة، ودفن في جوف تربة مغربية تلبية لرغبته.

صحافيون فلسطينيون اختاروا الوفاء لوطن احتضن شغبهم
قال معين شقفة، الصحافي الفلسطيني المخضرم المقيم بالمغرب، في حوار صحفي إن قرار المغرب التطبيع مع إسرائيل لن يغير من موقفه تجاه القضية الفلسطينية، وإن المغرب يحظى بثقة من الفلسطينيين وسيلعب دورا مهما في التوصل إلى حل بالمنطقة، كما أن القرار لن يؤثر على العلاقات مع فلسطين. مشيرا إلى الدور الذي لعبه المغرب في التوصل إلى اتفاق السلام بين مصر وإسرائيل، والذي أطلق عليه في ما بعد اتفاق كامب ديفيد عام 1979، حيث كان للمغرب دور كبير في ترتيب اللقاءات الأولى التي كانت سرية بينهما في ضيافة المملكة، قبل أن ينال المغرب مهمة رئاسة لجنة القدس.

على الوفاء نفسه عاش صحافي فلسطيني آخر اسمه محمود معروف. الرجل أقام بين ظهراننا لمدة أربعين سنة، قبل أن يتوفاه الأجل المحتوم ويدفن في تربة المغرب، وكان الراحل مراسلا في العديد من المنابر الإعلامية العربية من المغرب، قبل أن يشغل منصب مدير مكتب صحيفة «القدس العربي»، خلال 30 عاما.

منذ تعيينه مديرا لمكتب «القدس العربي» بالرباط، نسج الصحافي الفلسطيني شبكة علاقات واسعة مع مكونات المجتمع المغربي، وظل يتأبط ملف القضية الفلسطينية إلى أن انتقل إلى عفو الله، ليدفن بناء على وصيته في مقبرة بحي أكدال، وهو الذي ولد في عكا، لكن قدر له أن يصبح مختصا في الشأن المغربي.

حسب مقربين من معروف، فقد كان له أصدقاء ومعارف من كبار القوم بالعالم العربي، كالرئيس اليمني الراحل علي عبد الله صالح، وقيادات من أعلى مستوى في الأردن والعراق والمغرب، وفضل العمل كمثقف حر والعيش بقلمه ومن أجل فلسطين. لكن القدر لم يمهله ولم يتركه ينهي مذكراته.

كان يردد دوما بأن المغرب أقوى دبلوماسيا، ويمكنه أن يكون وسيطا فعالا، لأنه يحظى بثقة جميع الأطراف، فالمغرب كان دوما مع حل الدولتين الذي اقترحه الراحل الملك الحسن الثاني، وتبناه الفلسطينيون في معاهدة أوسلو، بل وحتى الموقف الرسمي المغربي كان مع هذا الحل قبل استئناف العلاقات وما زال.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى