فقه التبرعات والتكافل الاجتماعي
إلياس بلكا
اعتنى الفقه الإسلامي عناية عظيمة بالتكافل بين أفراد المجتمع وطبقاته، وذلك في إطار التراحم الاجتماعي. والأستاذ محمد الحبيب التجكاني يعتبر هذا إحسانا، ويقسمه إلى قسمين: الإحسان الإلزامي، كالزكاة المفروضة. ثم الإحسان الاختياري، كالصدقة والوقف.
والعقود في الفقه قسمان: عقود معاوضة يأخذ فيها كل طرف مقابلا لما يعطي، كالبيع والإجارة. وعقود تبرع يأخذ فيها أحد الطرفين شيئا ما دون أن يتنازل عن أي مقابل.
من أهم أنواع عقود التبرّع:
العقد الأول: الهبة، وهو أيضا أقسام:
• هبة العين، وتحتها: الهبة (بالمعنى الخاص). والـنـُّــحلى. والهدية. والإباحة.
• هبة الدين، وتحتها: الإبــــــــــراء. وهبة الدين (بالمعنى الخاص).
ج- هبة المنفعة (وهي الإعارة). وهي إما واجبة، عند بعض الفقهاء على الأقل، كإعارة الماعون، وإعارة الظهر (الإفقار)، وإعارة الفحل للإطراق، وإعارة منافع العقار وهي حقوق الإرفاق. وإما إعارة مندوبة، كالمنحة، والعريّـة، وإعارة أرض الزراعة، والعُمرى والسكنى.
العقد الثاني: الـقرض.
العقد الثالث: الـصدقة. وقد تكون واجبة، بمعنى الإنفاق الواجب. وفيه: الإنفاق في سبيل الله. والإنفاق على ذوي الحاجات. والنفقة على الأقارب. والنفقة على غير الأقارب من أهل الاحتياج. وقد تكون تطوّعا مستحبا، وهي نوعان: الصدقة المنقطعة. والصدقة الجارية (الوقف).
العقد الرابع: الـــوصية.
العقد الرابع: الــكفالة.
هذه العقود كلها تقع بإرادتين، أي بين شخصين. ثم توجد عقود تقع بإرادة منفردة واحدة، أهمها: عقد الالــــــتزام، وعقد الوعد.
ما المقصود بهذا الكلام؟
المقصود أن الإسلام كان حكيما حين ميّز بين الواجب والتطوع في مجال الإنفاق المالي، وحين رغّب في العطاء بدون مقابل.. ولذلك اجتهد فقهاؤنا العظام في تنظيم هذه العملية فظهر فقه كامل ومستقل يسمى: فقه التبرعات.
اليوم نحتاج لمواصلة المسيرة، وعلى فقهائنا المعاصرين فتح الباب من جديد في الاجتهاد في موضوع التبرعات، إذ ظهرت صور جديدة وعقود مستحدثة كثيرة. وعلينا أن نعمّق من هذا الفقه وأن نوسّع ما أمكن من مجالات التبرعات الصادرة عن الأشخاص والمؤسسات.
مثلا: هل يدخل التبرع بالأعضاء البشرية ضمن فكرةالتبرعات في الفقه؟ هل توجد نظرية عامة للتبرعات في الإسلام بحيث يكون التبرع المالي أحد أجزائها؟ حتى بحوث الدكتوراه ركزّت في الأكثر على عقود المعاوضات على حساب التبرعات. لذلك لم ندرس إلى الآن مقاصد التبرع في الإسلام، ولا يزال الكاتبون يحومون على ما كتبه الطاهر بن عاشور في هذا الموضوع دون إضافات حقيقية.
إن فقه التبرعات مظهر عظيم لسمة أصيلة للإسلام وللتشريع الإسلامي هي: تغليب الجماعة على الفرد، إذا تعارضا، والحرص على إعادة توزيع الثروات بنقلها بمختلف الطرق من الأغنياء إلى الفقراء، لذا يوصف الاقتصاد الإسلامي بـ: التوزيعي. والنزعة الجماعية لهذا الاقتصاد مؤكدة، والمطلوب تجليتها وتعميقها ما أمكن.
التقسيم الذي عرضته أعلاه لعقود التبرع أخذته من الكتاب الرائد للفقيه المغربي محمد الحبيب التجكاني: «نظام التبرعات في الشريعة الإسلامية». لكنه مدخل عام لا يغني عن الدراسات المفصلة الجزئية كما الدراسات النظرية التأصيلية.