شوف تشوف

الرئيسيةتقاريرسياسية

فقط في الجزائر.. “أهرب أهرب”

أصدرت محكمة بالجزائر العاصمة أحكاما بالإعدام في حق 49 شخص أدينوا بحرق شخص حيّ حتى الموت والتنكيل بجثته في منطقة تيزي وزو بالقبائل في العام 2021، بعدما اشتبهوا بضلوعه في إشعال الحرائق كونه غريبا عن المنطقة.. وهي نفسها الحرائق التي كانت سببا في إعلان الرئاسة الجزائرية، يوم الأربعاء 18 غشت 2021، قرارها إعادة النظر في علاقاتها مع الرباط، متهمة المغرب بـ”التورط” في الحرائق الضخمة التي اجتاحت شمال الجزائر، من دون تقديم ولا دليل واحد. وللمفارقة، فإن المحكمة التي أدانت المتهمين بالإعدام تحمل إسم العاصمة الاقتصادية للمملكة “الدار البيضاء”.

إن المتتبع للشأن الجزائري برمته سيجد نفسه أمام حالة فريدة من نوعها في العالم، حالة سيحتاج لفهما أو لإنجاز بحث أكاديمي عنها إلى الاستعانة بثلة من الخبراء والمختصين؛ ليس السياسيين والاقتصاديين فحسب، بل لكثير من جهابذة طب النفس وعلم الاجتماع على الخصوص، فمشكلة جيراننا من جهة الشرق، مع المغرب، منبعها، بالأساس، “عقد نفسية” تربّت لدى “قادة” الجيش الجزائري، منذ حرب الرمال سنة 1963.

فإذا ما عرضنا الحالة الجزائرية على طبيب نفسي لتشخيصها ومحاولة علاجها، سنقف على خليط من نوبات جنون العظمة تارة، وخطاب المظلومية تارة أخرى. فالجزائر التي اتهمت المغرب بالتورط في إحراق غاباتها هي نفسها الجزائر التي أعلن رئيسها عبد المجيد تبون أنها “قوة ضاربة”، في حين أنها لم تستطع حتى حماية غاباتها وإخماد حرائقها.. علما أن رئيس هذه القوة الضاربة لازال يؤدي التحية العسكرية لرئيس الدولة التي استعمرت البلاد 130 عام وقتلت العباد بمئات الآلاف.

وفي مشهد سوريالي آخر، ومع اجتياح الجراد للجزائر قبل سنوات، أكد “المعهد الوطني لحماية النباتات” الجزائري توصله لهوية هذا الجراد والوجهة التي قدم منها فيما بات يعرف بـ”الجراد المغربي”، وكأن هذا الجراد له جنسية وموطن.

المشكل في علاقة الجزائر مع جاره المغرب أن أحقاد الطغمة الحاكمة في قصر المرادية انتقلت عدواه إلى فئة عريضة من الشعب الجزائري.. ففي الوقت الذي يرفع أحفاد الأمير عبد القادر شعار “خاوة خاوة”، نجدهم في أول مناسبة يخرجون أحقادهم المكبوتة ضد كل ما هو مغربي. ولن ننسى نهائي العار في ملعب وهران، حين تعرّض لاعبو المنتخب الوطني لأقل من 17 سنة  لاعتداء أقل ما يقال عنه “همجي” في نهائي البطولة العربية، حيث تابع القاصي والداني نزول أصحاب “خاوة خاوة” لأرضية الملعب مدججين بالهراوات والحجارة، ضاربين أهم خصال الإنسان العربي المسلم المتّسم بالشهامة وحسن الضيافة عرض الحائط.

وما يزيد الطين بلة لدى الأشقاء في الجزائر هو سعيهم المتواصل لإقحام الدين في خطاباتهم.. على غرار ما رواه أحد “دعاتهم” عن “الشيخ حمي” أنه رأى في المنام رسول الله عليه الصلاة والسلام، فسأله: ما أحب البلاد إليك يا رسول الله بعد مكة والمدينة .فقال: الجزائر .ثم قال (الشيخ حمي) ثم ماذا يا رسول الله. فقال: الجزئر. ثم قال ماذا.. ثم الجزائر. علما أن خرائط العالم القديم لم تضم دولة باسم الجزائر، أو منطقة جغرافية باسم الجزائر، بل إن الجزائر ذاتها لم تظهر إلا في القرن الثامن عشر.

أضف عليها خطبة لمسؤول عن بعثة الحجاج الجزائريين في الديار المقدسة، يستشهد بمقولة لـ”مرشد” الجزائر بعد نيل الاستقلال سنة 1962، مخاطبا رسول الله: “يا محمد مبروك عليك الجزائر رجعت ليك”.

ولأن الإعلام الجزائري لا ينطق إلا بما يمليه عليه جنرالات الثكنات، فقد صاروا على نفس الدرب وروّجوا لعدة ترّهات تاريخية من قبيل أن الجزائر عمرها يتجاوز 4500 سنة، وأنها باعت روما في المزاد العلني وقال أحدهم: “يجب أن يعلم العالم أن روما عاصمة إيطاليا ليست هي روما الأصلية وإنما روما الحقيقية باعتها الجزائر في المزاد العلني. كما أن الجزائر، بحسبهم، لها أزيد من 100 من الأهرامات وهي أقدم من أهرامات الكنانة، كما أن أقدم مدينة في التاريخ هي جزائرية.

ولأن النظام الجزائري محترف في نسب كل ما له قيمة مادية أو لامادي، فلم يجد بدا من نسب الزليج المغربي للجزائر، فيما بات يُعرف بضجة “أقمصة الزليج”، التي أنتجتها شركة “أديداس” الألمانية للمنتخب الجزائري، قبل أن تقوم بالاعتذار من الحرفيين المغاربة، بعد تقدم وزارة الثقافة بشكوى لمسؤولي “أديداس” والتأكيد على أن الزليج موروث مغربي أصيل، وأن الزليج الذي يزيّن مسجد تلمسان من صنع أيادي الحرفيين المغاربة، كما جاء على لسان الرئيس الجزائري السابق عبد العزيز بوتفليقة، عند إعطائة الأمر بإعادة ترميم المسجد.

وفي قضية الصحراء المغربية، فإن الجزائر دائما ما تقدّم نفسها في الأمم المتحدة على أنها ليست طرفا مباشرا في هذا النزاع، رغم أنها هي من تستضيف ميليشيات البوليساريو على “أرضها” وتخصّص الملايير من مخصصات الشعب الجزائري طيلة عقود لتسليح المرتزقة، وشراء ذمم الدول التي تعاني اقتصاداتها للاعتراف بجمهورية الوهم، رغم أن فئات عريضة من الشعب الجزائري تصطفّ في الطوابير للحصول على الحليب والزيت. كما أن دولة الجزائر، ورغم إنكارها، حاضرة دائما في قرارات الأمناء العامين للأمم المتحدة المتعاقبين؛ على غرار قرار رقم 2548، الذي ذكر الجزائر 5 مرات وهو نفس الرقم الذي ذُكر فيه المغرب في القرار.

وفي هذا السياق، نذكر طرد قناة “سكاي نيوز” الإماراتية لمراسلها في نيويورك الجزائري رضا بوشفرة، بعدما فضحه السفير الممثل الدائم للمغرب بالأمم المتحدة، عمر هلال، وعمالته لجنرالات الجزائر، من خلال محاولته استفزاز عمر هلال وطرح سؤال لا يتماشى مع الخط التحريري للقناة الإماراتية، بعد قرار الأمم المتحدة تمديد بعثة المينورسو لعام آخر..

الأكيد أن الحالة الجزائرية ستبقى عصية على الفهم، طالما هناك عقلية متحجّرة تعيش فترة الحرب الباردة إلى الآن، وتستعمل مخصّصات الشعب الجزائري من عائدات النفط والغاز لخدمة أجندة جنرالاتها.. ويبقى ما جاء على لسان الشيخ الجزائري المعروف”شمس الدين” في إحدى فتواته على سؤال لجزائري على قناة “النهار” الجزائرية، أدق تعبير لتوصيف الحالة الجزائرية.

فقد توصل الشيخ المعروف بالجزائر بسؤال من جزائري يستفتيه عن رأيه في رغبة هذا الشاب، الذي طلب من الشيخ اعتباره بمثابة ولده، الزواج من فتاة. وقبل عقد القران، يقول السائل، “صارحته الفتاة صادقة أنها أخطأت مع خطيبها الأول وفقدت عذريتها وانفصلا، وبعد مدة خطبها ابن عمها وأخطأت (زنت) معه ثم تركها، وبعد ذلك خطبها جارهم فخرجت معه وأخطأت معه ثم تركها، أيضا، وبعد ذلك خطبها أحد التجار ووعدها بالزواج وصارحته وأخطأت معه وتركها، وخطبتها، يقول السائل، قبل مدة وصارحتني وهي نادمة.. فما كان من الشيخ شمس الدين إلا أن قالها مدوية “أهرب أهرب”.

سعيد سمران

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى