شوف تشوف

الرأي

فصل جديد في «المعجزة المفتوحة»

صبحي حديدي
منذ عقود طويلة، قد يبدأ بعضها من برهة تأسيس البلد وتركيب توازناته الطائفية، لا يكف الشعب اللبناني عن سداد فواتير سياسية واقتصادية واجتماعية لقاء تلك «المعجزة المفتوحة»، التي ظلت تخرجه من تناقض تكويني لتدخله في آخر، وتضع أوزار حرب أهلية معلنة لتدشن أخرى مضمرة أو مستترة.
أليس من باب «الإعجاز»، وعلامات الاقتباس هنا لا تتوخى الانتقاص ولا التهويل، أن تنتفض اليوم قطاعات شعبية واسعة ضد مجموعة الـ«كلّن يعني كلّن» ذاتها التي انتخبها الشارع إياه قبل سنة فقط؛ بعد أن مددت المجموعة لنفسها خمس سنوات، ثم انتهت إلى «معجزة» أخرى هي التوافق على انتخاب ميشيل عون رئيسا للجمهورية؟ وكيف لا يكون مفهوم «الإعجاز» في قلب الشعار القائل، اليوم، بأن حسن نصر الله في عداد الـ«كلّن»؛ هو الأمين العام للحزب الذي سبق أن أبقى، ويمكن له أن يُبقي، الحياة السياسية معطلة وأسيرة اشتراطاته؟ ثمة، بالطبع، سؤال بسيط بقدر ما هو حاسم ومركزي وجوهري: حسنا، وما العمل إذن؟ استقالة الحكومة (ومن أين يأتي لبنان بفريق «تكنوقراط» مستقل، في الحدود الدنيا، عن «القرطة» الحاكمة التقليدية؟)؛ واستعادة الأموال المنهوبة (مَنْ يستعيد أموال مَنْ، وبموجب أي تشريع، وكيف يُضبط الفارق بين النهب والكسب، وأية سلطة تجبر إمبراطور المصرف المركزي رياض سلامة على الامتثال؟)؛ وقانون انتخابات جديد (مَنْ يسنه غير الرهط ذاته في مجلس النواب، وهل سيكون القانون الجديد نسبيا أم أكثريا أم طوائفيا أم… أرثوذكسيا؟). هذه ليست أسئلة معلقة في فراغ رهيب، مخيف مقيم متوالد ذاتيا، على أرض الواقع وفي حيز التطبيق الفعلي، فحسب؛ بل هي معضلة أية انتفاضة شعبية لبنانية تنهض على مطالب مشروعة تخص العيش الكريم والعمل والخدمات الدنيا والاقتصاد والاجتماع والحقوق المدنية. والمعادل الموضوعي هنا هو أن نيل بعض تلك المطالب، فما بالك بمعظمها، لا يقتضي طي صفحة «العهد» وحده، بل يتطلب على نحو أو آخر كسر المنظومة ذاتها، القديمة المتقرنة المستدامة، المتوالدة ذاتيا بدورها. ولكن كيف للمنظومة أن تنكسر، أيا كان مستوى الكسر هنا، دون إسقاط بهذه الدرجة أو تلك للنظام الأعلى الذي يديمها ويستولدها؟ ومن سيكسر، أو يضع هذا الهدف على جدول الزخم الشعبي، دون أن يلقى ردود الكسر المضادة التي قد تكون أقوى وأشد بطشا وعتوا؛ على غرار ما أوحت به تحركات أنصار «حزب الله» و«أمل» في النبطية وصور، وما قد يكون القادم فيه أعظم وأدهى إذا تآلفت القوى المناهضة للانتفاضة الشعبية فالتحق بها التيار العوني أو آل فرنجية أو آل أرسلان؟
الجلي، حتى تتضح صورة أخرى، أن «حزب الله» في ورطة كبرى داخلية لبنانية – لبنانية هذه المرة، قد تكون أشد حرجا وأكثر تطلبا من أزمة 7 أيار (ماي) 2008، حين كشف «سلاح المقاومة» عن هويته الأولى المكرسة لتطويع الداخل اللبناني. ولعل أول معطيات الورطة قد توضحت في خطابَيْ نصر الله تعليقا على الانتفاضة الشعبية، إذ بين التأييد والتهديد تارة، والوعد والوعيد تارة أخرى، ليس من دون الغمز من التمويل والسفارات والأجندات الخفية؛ شدد نصر الله على حفظ المنظومة كما هي اليوم، ليس لأي سبب آخر يسبق حقيقة كونها المنظومة ذاتها الذي صنعها الحزب وكرسها وباتت علامته المسجلة، حتى يشاء تبديل مظهرها الخارجي وبعض وجوهها، وليس مضامينها أو مكوناتها.
والجلي، كذلك، أن رباعي نصر الله وعون ونبيه بري وسعد الحريري لا يملك مخزونا عمليا، أو عملياتيا على وجه الدقة، لاستيعاب الزخم الشعبي المتصاعد؛ وثمة، أغلب الظن، مراهنة مزدوجة على الإلهاء (عن طريق ورقة الإصلاحات الاقتصادية)، وعلى التنفيس التدريجي (تحت ضغط الزمن وحاجات الحياة اليومية، خاصة في ضوء إغلاق الطرقات والمصارف والمدارس). وفي هذا أيضا، إنْ نجح كليا أو حتى جزئيا، بعض تجليات «المعجزة اللبنانية»؛ دون سواها!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى