فرنسا و«العالم الجديد»: نحو ثورة خضراء
بيير لوي ريمون
يطرح الاختراق الذي حققه حزب الخضر في الانتخابات البلدية الفرنسية، إشكالية أوسع من مجرد الحديث الدائر عن قدرة الخضر على لم شمل أسرة اليسار الفرنسي المتفككة.
فالخضر بما يطرحونه من مشروع بديل هدفه قولبة علاقة المواطن بالمدينة (بالمعنى اليوناني لكلمة «مدينة»، أي المجال العمراني الذي يعتبر تكريسا للحياة العامة)، يسعون بالربط بين مقولتي «الطبيعة» و«المدينة»، المعروفتين فلسفيا، وليس بالتفريق بينهما كما هو معتاد، إلى إنهاء هذه القطيعة التي جسدها تصور متداول للحضارة، قام على اعتبار أن الطبيعة عالم بدائي هذبته المدينة.
هنا تمكن العودة إلى واحدة من مؤسسات الحركة الخضراء في العالم، الأمريكية راشيل كارلسون، صاحبة كتاب «ربيع صامت»، الذي فتح المجال واسعا، سنة إصداره 1974، لتطور الحركة الخضراء العالمية أيامها.. لأن الكتاب، بعد أن حقق رقما قياسيا في المبيعات وقتئذ، انتقل إلى خبر كان، قبل أن يتهافت عليه القراء مجددا، إسوة بما صرح به الناشر الجديد للترجمة الفرنسية عبر أثير إذاعة فرنسا الثقافية، من تحقيق مبيعات الكتاب حوالي 300 نسخة في الشهر الواحد، على الرغم من نشر الترجمة في دار نشر متواضعة.
«ربيع صامت» عنوان معبر، بل معبر جدا، أطلقته كارسلون بعد ربيع براغ بقليل وقبل الربيع العربي بكثير. ربيع بيئي، قد يقول قائل، وليس ربيعا سياسيا، إلا أن قيادة شؤون الأمة، وهي التعريف الأصلي للسياسة، تمر عبر القضية البيئية، وفق ما تذكرنا به عبارة «الإيكو سيستم»، الإيكو نظام، أي المحيط الذي يتحرك ضمنه البشر باستمرار. فهل ثمة إدراك فعلي لأولوية القضية البيئية؟ هل «الموجة الخضراء» التي نلحظها في فرنسا حاليا من تجليات دخول البشرية ما بتنا ندعوه بـ«العالم الجديد»؟
على أي حال سجلنا في ليون، مدينتي، قدوم عمدة جديد مجهول من أغلبية السكان الساحقة، منهم أنا، يركب دراجته إلى القصر البلدي ويعلن «بداية فصل جديد»، كما سجلنا في ستراسبورغ قدوم شابة دون الأربعين، على رأس المدينة، أعلنت أن «غدا يبدأ اليوم». كما سجلنا اهتزاز معسكر مارتين أوبري، عمدة «ليل» الاشتراكية المحنكة، التي انتصرت على القائمة الخضراء بفارق طفيف جدا. فما الذي حدث حتى تميل رياح العالم، فرنسا نموذجا، إلى اعتناق العقيدة البيئية بتصاعد لافت -(لو استثنينا بعض السلوكيات المقلقة، وأعني هنا تحديدا قياديي أمريكا والبرازيل)؟ أكيد أن ظاهرة الاحتباس الحراري وانقراض فصائل أساسية للتوازن البيئي مثل الدب القطبي، أو حتى الدب الأسمر، وقد قُتل واحد عمدا هنا قبل أيام في منطقة الـ Pyrénées، في ما يشتبه في أن تكون جريمة ارتكبها مربو النعاج في حق فصيلة محمية، ظواهر تتلاقى في تصاعد الإدراك البيئي من جهة، و«اختمار» السلوك «التوعوي» النوعي من جهة أخرى. لقد عكست الحالة الفرنسية صدى توجه متزايد نحو الموضوع البيئي عبر ممارسات يومية انتقلت إلى التصويت السياسي. لكن السؤال الذي يبقى مطروحا هو إلى أي حد سنستمر في التغني بلازمة «خضراء لا تنزل الأحزان ساحتها»؟