فرنسا دولة غير مرغوب فيها
فقدت فرنسا معقلا آخر من معاقل نفوذها بالقارة الإفريقية بعد العملية الانقلابية التي وقعت بالنيجر، والمثير في الأمر أن أول قرار اتخذه داعمو الانقلاب هو الهجوم على السفارة الفرنسية دون سواها من المقرات الديبلوماسية، لبعث رسالة مفادها أن فرنسا دولة غير مرغوب فيها، بل إن الانقلاب في حد ذاته يظهر عدم الرضى عن تلك السياسات والتدخلات السافرة التي تقوم بها فرنسا في عهد ماكرون.
لقد وعد الرئيس الفرنسي الحالي بسياسة إفريقية جديدة خلال الحملة الانتخابية عام 2017، وتعهد بأن تكون باريس «شريكًا استراتيجيًا» للقارة السمراء، وأنها ستعمل على تطوير علاقات مبنية على أساس المكاسب العادلة والمتبادلة معها، إلا أن تلك الوعود ظلت بالنسبة لماكرون مجرد حبر على ورق، بل إن ساكن قصر الإليزيه لم يُرصد حتى المكتسبات التي حققت من قبل أسلافه وعمل بنجاح على تدمير علاقة فرنسا بمعظم الدول الإفريقية.
إن ما تعيشه فرنسا اليوم في إفريقيا يعد بلا مبالغة أسوأ مرحلة في علاقتها بمستعمراتها السابقة في القارة السمراء، فمن كان يصدق أن تقع الانقلابات في النيجر ومالي وبوركينافاسو فقط لتقليم أظافر نفوذ فرنسا واستبعاد تأثيرها وتدخلها المتغطرس في قرارات دولهم. وفي الحقيقة كانت الصحيفة الشهيرة «لوبوان» صريحة حينما تساءلت بعنوان عريض «هل مازال هناك رئيس؟» قبل أن تجيب أن ولاية ماكرون من خمس سنوات كانت ميتة، بل إنها تمثل تسارعا مذهلا في تفكيك المؤسسات والنفوذ الفرنسيين.
وخلاصة القول إن الساحة الإفريقية سوف تكون في الفترة المقبلة مسرحا للمزيد من انهيار النفوذ الفرنسي على المستوى العسكري والاقتصادي والثقافي، ليس فقط بسبب سياسة التعالي والغطرسة وإعطاء الدروس التي يمارسها ماكرون، بل بسبب دخول منافسين حقيقيين لسحب البساط من النفوذ الاستعماري الفرنسي وفي مقدمة هذه الدول نجد الصين والولايات المتحدة الأمريكية وتركيا والبرازيل وإسرائيل والذين سيجعلون من نفوذ باريس بالقارة السمراء مجرد ماضٍ للذكرى لا يمكن أن يستمر في الحاضر والمستقبل.