شوف تشوف

الافتتاحيةالرئيسيةسياسية

فرنسا الأنوار تدخل النفق المظلم

 

منذ لويس نابليون، أول رئيس في تاريخ فرنسا، وهو الذي تم انتخابه في سنة 1848، في ظل الجمهورية الفرنسية الثانية، لم يسبق لفرنسا أن نزلت لهذا المستوى المتدني دبلوماسيا وحقوقيا واقتصاديا واجتماعيا، كما وصلت إليه في عهد الرئيس الحالي إيمانويل ماكرون، فما أن تخرج فرنسا في عهده من ورطة داخلية أو دبلوماسية حتى يُدخلها الرئيس الحالي في ورطة أخرى أشد قوة وتهديدا لاستقرار الجمهورية الخامسة.

ففي عهد الرئيس ماكرون فقدت فرنسا ببشاعة نفوذها في المنطقة التقليدية في إفريقيا، وغذت سياسة ماكرون تنامي الغضب الإفريقي بسبب العجرفة الفرنسية، مما جعلها تتلقى لطمات على خدها في مالي وتشاد وبوركينا فاسو والغابون والمغرب حتى الجزائر خادمها المطيع، بالاضافة إلى دول الخليج التي حاولت التودد لها، لكسب بعض الغاز.

وفي عهد الرئيس ماكرون منيت فرنسا بهزائم ثقيلة في ملفات رئيسية كالملف الأوكراني والعلاقة مع نظيره بوتين وفي الملف اللبناني والملف النووي الإيراني وارتفع الجفاء بين باريس وبرلين، وسجلت برودة العلاقة مع إيطاليا وإسبانيا بسبب موقفها الإيجابي من قضية الوحدة الترابية.

وبلا شك ففي عهد هذا الرئيس عاشت فرنسا لأول مرة في تاريخها تحت تهديد التفكك الاجتماعي والاقتصادي، فلم تعرف باريس حراكاً اجتماعياً وحقوقيا صعبا وخطيرا مثل ما عرفته في احتجاجات قضية أصحاب السترات الصفراء والتمرد الشعبي ضد إصلاحات الضمان الاجتماعي والمظاهرات الغاضبة على ارتفاع كلفة الكهرباء والغاز والخدمات والتضخم وانهيار القدرة الشرائية للشرائح الاجتماعية الأكثر هشاشة.

لا ننسى أن ديون فرنسا العامة وصلت إلى مستويات قياسية لم تعرفها سابقاً. ففي الفصل الأول من هذا العام، تخطت سقف الـ3000 مليار أورو، وهو الأعلى في تاريخها و فرنسا التي كانت تصنف قبل عقد من الزمن في المرتبة الخامسة في الدخل الفردي عالميا، وبلد جميل يشتهر بالأزياء والأناقة والعطور ومحلات الشانزليزيه الراقية، تراجعت عشرين نقطة وأصبحت في المرتبة 25 في الدخل الفردي عام 2022.

أما على المستوى الحقوقي، فالمد التراجعي كان أقوى في عهد الرئيس الحالي الذي استغل ضعف المعارضة والتخويف من اليمين والإرهاب لسن قوانين تكتم الحريات، مثل قانون 2017 الذي تحول إلى إذن بالقتل بعدما وسع لعناصر الشرطة نطاق استخدام سلاح الخدمة، خارج حالة الدفاع عن النفس.

الخلاصة أن فرنسا تعيش إرباكات سياسية متتالية وتواجه نزعات احتجاجية وإضرابات واحتجاجات شعبية وتراجعاً دبلوماسيا واقتصادياً وحقوقيا واجتماعيا. والحال أن تجربة ماكرون مُرّة الطعم جدا وهو يعلم أنه لم يعد مرحبا به في أكثر من دولة خصوصا في إفريقيا، التي أهانه فيها أكثر من رئيس على مرأى ومسمع من الرأي العام الدولي.

إن حادثة القتل العمد للقاصر «نائل» بسبب مخالفة سير، وما خلفته من احتجاجات تقترب من حركة للعصيان ما هي إلا حلقة أخرى من حلقات الفشل التي يراكمها ماكرون، الذي وصلت معه فرنسا إلى ضرب كل المبادئ والقيم التي قامت عليها جمهورية الأنوار قبل أن تدخل في نفق مظلم مع الرئيس الحالي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى