شوف تشوف

الرأي

«فرصة غلاسكو» لضبط انفلات المناخ

عبد الوهاب بدرخان

قمة المناخ في غلاسكو «فرصة» يجب ألا تفوت… كل الدول ترفع هذا الشعار، وكلها متهمة أكثر أو أقل بالمساهمة في رفع درجة حرارة الأرض، وما باتت تعنيه هذه الظاهرة من كوارث متوقعة. التحذيرات التي دأبت الأمم المتحدة على إطلاقها، قبل أكثر من ثلاثة عقود، لم تعد مجرد استشراف لخطر مستقبلي محتمل، بل أصبحت واقعا معاشا.
حين كانت أزمة وباء «كوفيد- 19» في زخمها تحسنت البيئة عالميا، بسبب الحجر والإقفال اللذين شملا أيضا حركة الطيران والصناعات الكبرى، فانخفضت الانبعاثات الكربونية قسرا. وخلال تلك الأزمة حصل نقاش علمي (فلسفي)، عابر للحدود، عن العلاقة بين الأوبئة والتغير المناخي، بين الإنسان (وسائر الكائنات) والطبيعة، وبين الانتهاك المتزايد للبيئة وازدهار الاقتصادات التي أطلقت العولمة منافساتَها بلا أي ضوابط.
المناخ والوباء تصدرا جدول أعمال قمة الـ«20» في روما، عشية «كوب 26» في غلاسكو (اسكتلندا) أو القمة السادسة والعشرين لـ197 دولة معنية بالمناخ، ولم يعد في إمكانها الاستهانة بالمشكلة أو الاشتباه في أنها «خدعة» أو «مؤامرة»، ولا ادعاء أنها شأن «قدري» لا علاقة له بالبشر ولا يرتب عليهم أي مسؤولية. ورغم أن الأبحاث العلمية عادت إلى الثورة الصناعية وما قبلها لدرس أثر الاقتصادات الكبرى على «صحة» الكوكب الأرضي، بإنسانه وحيوانه وزرعه وجباله وبحاره، ما زالت العديد من الدول تتذرع بحجج شتى مثل تزايد السكان وحاجاتهم ليبرر تلكؤها في التزام التعهدات الدولية بخفض الانبعاثات الغازية.
لكن الوباء وموجات الحر والجفاف والحرائق والفيضانات والعواصف وارتفاع منسوب البحار.. فعلت فعلها في فرض الاعتراف بالواقع المتغير الذي يقتل ويضاعف الأعباء على الاقتصادات. كان اتفاق باريس عام 2015 قد اعتُبر اختراقا تاريخيا، بموافقة الدول كافة، إذ حدد 1.5 درجة حرارة قصوى ينبغي عدم تجاوزها، لكن تخبرنا الأمم المتحدة اليوم بأن التزام التعهدات ظل غير كاف، وأن استمرار ارتفاع درجة الحرارة قد يصل 2.7 بحلول عام 2050. والأرجح أن المنظمة الدولية تطلق هذا الإنذار لتحصل على تجديد وتشديد للتعهدات في غلاسكو، لكن توقعات الخبراء غير متفائلة. هناك محطة 2030 التي ستكون مؤشرا لمدى الاهتمام والوعي الدوليين. ويُفترض أن يشهد العقد الحالي في مختلف أنحاء العالم مزيدا من الجهود التشريعية المقيدة للانبعاثات، ومن التقدم نحو الطاقات البديلة أو السياسات الخضراء.
وعلى سبيل المثال برزت عربيا مبادرات متقدمة من دولة الإمارات التي خصصت وزارة للتغير المناخي والبيئة، كذلك من السعودية التي كشفت أخيرا عن مشاريع للاستثمار في خفض الانبعاثات، تمهيدا لتصفيرها. لكن تجدر الإشارة إلى أن معظم الدول لم تشرع بعد في إدراك أن مسألة التغير المناخي لم تعد شيئا خارج الحسابات، بل أصبحت جزءا عضويا من السياسات والاستراتيجيات للدول الكبرى. ويظهر ذلك خصوصا في توجهات الإدارة الأمريكية الحالية.
قد يبدو بعض المحللين مبالغين حاليا في استشراف مراهنة على الطبيعة وتفاعلاتها في حل أو تهدئة النزاعات الإقليمية المزمنة، بعدما استحالت تسويتها بالقوة أو بالسياسة، لكن ربما يفرض هذا الاستشراف نفسه مع الوقت. الفقر والمناخ والوباء تقتحم السياسة الدولية، مقابل كل القيم التي سادت لعقود طويلة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى