فرسان الإرهاب
بعد التفجيرات الإرهابية التي هزت مدينة الدار البيضاء يوم 16 ماي سنة 2003، اتجهت الأنظار نحو حزب العدالة والتنمية وحملته جهات أمنية وسياسية المسؤولية الأخلاقية عن هذه التفجيرات، حتى أن زعيما اتحاديا اسمه محمد اليازغي، يحلم اليوم بإحياء الكتلة التاريخية مع العدالة والتنمية، كتب مطالبا بحل هذا الحزب نهائيا لمسؤوليته السياسية في ما وقع.
استدعت الداخلية قياديين من العدالة والتنمية وذهبوا متوجسين خائفين، وسمعوا تقريعا شديدا وتحميلا واضحا لهم لمسؤولية ما حدث، فاعتذروا ووعدوا بالعمل في اتجاه القطع مع احتضان الفكر المتشدد الذي أنتج هؤلاء الوحوش الذين مزقوا أشلاءهم وأشلاء الأبرياء.
وقد كان قرار حل حزب العدالة والتنمية جاهزا، لولا عدم موافقة الملك محمد السادس عليه.
فصوت الحزب عن طريق فريقه في البرلمان على قانون مكافحة الإرهاب بعدما كان من أشد معارضيه.
هكذا كتب لحزب بنكيران عمر جديد، لكن مع مرور السنوات وتمكن الحزب من دواليب الحكم وحصوله على المراتب الأولى في الانتخابات الجماعية والتشريعية، وتضخم أنوات قيادييه، عاد الحزب إلى احتضان الفكر المتطرف الذي ينتج الإرهاب.
وقد رأينا كيف أن أعضاء بشبيبة حزب بنكيران أعلنوا صراحة إشادتهم بتصفية السفير الروسي على يد إرهابي سموه شهيدا. ورأينا كيف طالب بعضهم في صور تركيبية الحارس الشخصي للرئيس المصري (شرعي ولا ما شرعيش هاداك شغل المصريين بيناتهم) أن يهديه الله ويقتدي بالحارس التركي.
إن الخطير في قضية هؤلاء المشيدين بالإرهاب ليس فقط تزكيتهم للقتل، بل تضامن برلمانيين وقياديين داخل حزب العدالة والتنمية معهم.
البرلمانية آمنة ماء العينين، عضوة المجلس الأعلى للتربية والتعليم، أدانت بشدة اعتقال نشطاء شبيبة «البيجيدي» الذين هللوا لاغتيال السفير، أما البرلماني خالد البوقرعي، رئيس شبيبة حزب بنكيران، فقد ذهب أبعد من زميلته واعتبر قانون مكافحة الإرهاب قانونا شنيعا وقبيحا.
وهما معا انتقدا ما اعتبراه صمت بنكيران والرميد عن هذه الاعتقالات التي طالت أعضاء من شبيبة الحزب بتهمة الإشادة بالإرهاب.
والواقع أن توالي الأحداث خلال السنوات الخمس الماضية التي قضاها حزب العدالة والتنمية في قيادة الحكومة، كشفت أن الحزب وذراعه الدعوية حركة التوحيد والإصلاح يحتضنان بعض دعاة التطرّف والإرهاب، إما من خلال تحريضهم على القتل أو الإشادة بأعمال إرهابية يجرمها القانون، الذي بالمناسبة أدخل عليه وزير «العزل» وما تبقى من حريات، تعديلات خلال ولايته.
لقد كشفت عملية اغتيال السفير الروسي في تركيا عن الوجه الحقيقي لبعض «الخلايا النائمة» داخل الحزب، وأسقطت كل الأقنعة التي يقدم بها الحزب نفسه على أنه حزب معتدل، أما كتائب «المداويخ الإلكترونيين» التي طالما تبرأ منها بنكيران، علنيا لإبراء الذمة فيما في السر يبارك ويتابع ما يقومون به عبر جنرالهم ونائبه سليمان العمراني، فهي ليست سوى أداة تنفيذ، لأنها عندما تسمع بنكيران يتهم روسيا بتدمير سوريا وتسمع بوليف يصف الجيش الروسي بالكفر، والكافر يجوز فيه الْجِهَاد، فهي لا تفعل سوى الاستجابة للإشارة وإطلاق النفير، لأن الإشادة باغتيال السفير الروسي بتركيا من طرف إرهابي تركي، هي دعوة صريحة إلى الجهاد ضد كل من يخالف رأي الجهاديين.
ولا يجب أن ننسى أنه قبل حادث اغتيال السفير الروسي، دعا عمر الصنهاجي القيادي بشبيبة حزب بنكيران، إلى قطع رؤوس كل من يعارض حزبه أو يخالفه في الرأي وفصلها عن أجسادها وتعليقها في الساحة العمومية، وأثناء التحقيق معه من طرف المكتب المركزي للأبحاث القضائية، سارعت البرلمانية آمنة ماء العينين والبرلماني عبد العالي حامي الدين وخالد البوقرعي المسؤول عن شبيبة الحزب وقياديون آخرون للدفاع عنه ومساندته والتنديد بالتحقيق معه، أما البرلماني والمحامي عبد الصمد الإدريسي، عضو الأمانة العامة للحزب، فنصب نفسه للدفاع عنه في حالة متابعته أمام القضاء، وعندما انتهى التحقيق معه من طرف رجال الخيام أقامت له الشبيبة حفل استقبال على غرار الاستقبالات التي تخصص للأبطال العائدين بالانتصارات من الحرب.
ولو أن حزب العدالة والتنمية اتخذ موقفا صارما وواضحا من دعاة القتل وفصل الرؤوس عن أجسادها داخل صفوفه لفهمنا أن الأمر يتعلق بأصوات شاذة ومعزولة، لكن أن يتجند الحزب وأذرعه للدفاع عن أصحاب هذه الدعوات فهذا يعيدنا إلى أجواء ما قبل 16 ماي حيث كان خطاب الكراهية والقتل خبرا يوميا داخل منابر الحزب.
إن صمت قيادة الحزب عن هذه الدعوات الإرهابية يجعله متورطا أيضا في الإشادة بالإرهاب، لأنه اكتفى، كما روجت جريدة الصيرفي، بمناشدة صاحب صفحة «فرسان الإصلاح» لوقفها، والحال أن الأمر كان يستوجب طرده بسبب عدم امتثاله، كما لا يجب أن ننسى الضغوطات التي قام بها الرميد وزير العدل للحيلولة دون متابعة المنتسبين لحزبه الذين تورطوا في الإشادة بالإرهاب والدعوة إليه، وأيضا عدم موافقته على مضمون البلاغ المشترك بينه وبين وزير الداخلية بخصوص فتح تحقيق في الصفحات الفايسبوكية التي نشرت تدوينات يشيد أصحابها بقتل السفير الروسي في تركيا، خصوصا بعدما كشفت التحقيقات أن الموقوفين من طرف الأمن ينتمون إلى حزب العدالة والتنمية، وبعضهم يشرف على صفحات «الكتائب الإلكترونية» للحزب، أبرزهم المسؤول عن إدارة صفحة غيرت اسمها إلى اسم «فرسان الإصلاح» بعدما كانت تحمل اسم «فرسان العدالة والتنمية»، بطلب من بنكيران شخصيا.
أما الرميد الذي تبرأ من بلاغ الداخلية ووزارته، فهذا ليس بسلوك جديد لديه، فهو دائما يحرص على تجنيب نفسه تحمل مسؤولية قرارات الدولة، كما فعل في قضية العفو عن البيدوفيل كالفان تاركا المؤسسة الملكية في مواجهة مباشرة مع احتجاجات الشارع، أو كما فعل مؤخرا في الانتخابات عندما انسحب من اللجنة الحكومية لتتبع الاستحقاقات الانتخابية إلى جانب وزارة الداخلية وكتب تدوينة يتبرأ فيها من أي تزوير يطول العملية الانتخابية عوض تصريف موقفه داخل المؤسسات الحكومية، فيما تورط الموقع الذي يديره مستشاره الإعلامي في نشر أخبار وأشرطة مفبركة دون أن تطوله المتابعة القضائية.
مما تسبب للرميد في سماع ما لا يرضيه بعدما اعتقد أنه سيسمع خبر تعيينه رئيسا للحكومة مكلفا بتشكيلها.
أضف إلى ذلك أن الرميد وقف خلف بنكيران ليلة إعلان النتائج من طرف الحزب قبل الإعلان الرسمي عنها من طرف وزير الداخلية، واليوم يعيد التاكتيك نفسه في قضية بلاغ الداخلية حول الإشادة بالإرهاب، فهو لا يريد أن يكون سببا ويتورط في اعتقال إخوانه، رغم أنه كان من أشد المدافعين عن مقترح جاء به أثناء تعديل القانون الجنائي والمسطرة الجنائية داخل لجنة العدل والتشريع، يجرم كل من وضع علامة الإعجاب الفايسبوكية «جيم» على مادة إرهابية في الفيسبوك، وقال إنه تجب محاكمته، وعندما وقعت الاحتجاجات من طرف كتائب حزبه، لأنهم كانوا يعرفون أنهم سيكونون أول ضحايا هذا التعديل، خرج الرميد ببلاغ ينفي من خلاله أن يكون قد صرح بتجريم وضع «جيم» على مواد إرهابية منشورة بمواقع التواصل الاجتماعي، وهو يعرف حق المعرفة أن جل أفراد الخلايا الإرهابية التي فككها «البسيج» تنسق مخططاتها مع قادة داعش عبر مواقع التواصل الاجتماعي، ومنهم أشخاص اعتقلوا في إطار هذه الخلايا سبق للرميد أن ترافع نيابة عنهم أمام محكمة الإرهاب بعد أحداث 16 ماي، التي شكك بنكيران بعد وقوعها في فاعلها الحقيقي، مع أن كثيرا من هؤلاء الذين قدمهم حزب بنكيران والمحامي الرميد كحملان وديعة وبريئة التحقوا بتنظيم داعش في جبهات القتال بالعراق والشام مباشرة بعد مغادرتهم للسجن.
وهاهم اليوم قاطعو الرؤوس المغاربة الذين التحقوا بسوريا والعراق يستعدون للعودة إلى المغرب رفقة أرامل زملائهم وهن حاملات معهن قنابلهن الموقوتة التي أنجبنها من أصلاب هؤلاء القتلة.
فإلى متى سيستمر القضاء في التساهل مع دعاة التطرف والمشيدين بالإرهاب، وإلى متى سيستمر حزب العدالة والتنمية وشبيبته وذراعة الدعوية في توفير الغطاء الشرعي للقتل وسفك الدماء ؟