فرانسوا لوبان
انتهز فرانسوا هولاند فرصة انشغال الفرنسيين بالإعداد لاحتفالات رأس السنة لاستبدال بندقيته من الكتف اليسرى إلى الكتف اليمنى، وذلك في مسألة ما أصبح يعرف بـ«إسقاط الجنسية». إذ حسم لصالح تعديل الدستور وإدراج بند سلخ الجنسية عن الفرنسيين٬ بالتبني أو الحاملين للجنسية الفرنسية والذين ثبت تورطهم في أعمال إرهابية. ولم يعمل مجلس الوزراء سوى على المصادقة على مشروع هذا القانون الذي سيناقش في البرلمان في الثالث من فبراير القادم. حسم هولاند إذن في الموضوع بعد أن سادت أجواء الإشاعات واللخبطة وأظهرت غيابا في التنسيق والجدية في معالجة قضايا أساسية، مثل قضية تجريد فرنسيين من هويتهم. فقد جاءت أول هفوة من كريستيان طوبيرا، وزيرة العدل، لما صرحت لمحطة إذاعة جزائرية٬ (القناة الثالثة)٬ خلال زيارتها للجزائر، بأنه تم العدول عن هذا المشروع الذي قالت عنه إنه لن يدرج في الإصلاح الدستوري الذي سيناقش في 3 فبراير القادم. كما أوحى إمانوييل فالس نفسه بأن إدراج هذا القانون قد يتسبب في مشاكل قضائية عويصة. كما طلعت صحيفة «ليبيراسيون» الفرنسية بخبر وصفته بالانفرادي ذكرت فيه استنادا لمقربين من هولاند، بأن هذا الأخير تخلى عن فكرة إسقاط الجنسية عن مزدوجي الجنسية الذين «ولدوا فرنسيين» وتمت إدانتهم في أعمال إرهابية. المهم أن هولاند في الأخير قال كلمة الفصل في الموضوع ليتسبب في انبثاق عنف رمزي وسياسي يمكن اعتبار كلمة «déchéance» درجته الصفر. فكلمات إسقاط٬ تجريد٬ نزع إلخ… لا تفي بالحمولة العنيفة للكلمة بالفرنسية.
والمعروف أن إسقاط الجنسية من بين المطالب التي ناضل ويناضل من أجلها الفصيل المتطرف لمارين لوبان. وقد جعل منها نيكولا ساركوزي بدوره مطلبا سياسيا ومطرقها في جميع التجمعات والخطب.. وقد أعلنت الجبهة الوطنية، على لسان فلوريان فيليبو٬ نائب رئيسة الجبهة٬ بأن هذه الأخيرة ستساند وتصوت لصالح مشروع القرار.
منذ تراجعه عن منح الأجانب حق التصويت في الانتخابات المحلية والبلدية٬ أثبت هولاند انزلاقه نحو سياسية وخيمة ومارقة تجد منهلها في برنامج اليمين المتطرف. وتذكرنا الخطوات التي أقدم عليها إلى الآن بالسياسة التي انتهجها ساركوزي في الانتخابات الرئاسية لإزاحة وتهميش الجبهة الوطنية. يسعى هولاند إلى سحب البساط من تحت أقدام خصومه في اليمين واليمين المتطرف، وذلك في أفق الانتخابات الرئاسية لعام 2017، غير أنه يجهل ميولات الناخب الفرنسي الذي يفضل الأصل على النسخة. وانسياق هولاند الخطير نحو أطروحات اليمين واليمين المتطرف واضح. يتجلى ذلك في تقنين فرض حالة الطوارئ في البلاد إثر هجمات باريس التي وقعت الشهر الماضي وأدت لمقتل العشرات. في المداهمات والتفتيش٬ في نشر قوات الجيش في الشوارع إلخ.. كل ذلك إرضاء لقوى اليمين واليمين المتطرف٬ وعلى حساب الحريات السياسية والمدنية. لكن من المستبعد أن تجعل السياسية الاسئصالية والعسكرانية من هولاند رئيسا شعبيا. على أي كانت المصادقة على هذا الإعلان بمثابة رجة سياسية في صفوف اليسار (أو ما تبقى منه) وأيضا في صفوف المنظمات الحقوقية والمجتمع المدني التي أدانت جميعها ما أسمته «الخيانة» لقيم اليسار ولمبادئ حقوق الإنسان. واحتجاجا على هذا الانزلاق قدم العديد من المسؤولين والمناضلين الاشتراكيين استقالتهم من الحزب. هذا دون الحديث عن ردود فعل الصحافة الأجنبية التي استقبلت هذا القرار بامتعاض كبير. وقد عنونت صحيفة «إل مانيفيستو» الإيطالية عنوانها الرئيسي: «فرانسوا لوبان»، كما شددت بعض التعاليق على مزايدات فالس وهولاند واصطفافهما على خط الجبهة الوطنية. فيما تحولت المواقع الاجتماعية إلى مشهد ساخن للتنديد والإدانة. استراتيجية هولاند- فالس غير قادرة على إيقاف العمليات الانتحارية أو الحد من تفريخ الجهاديين الذين لا تعني الجنسية الفرنسية بالنسبة لهم شيئا٬ بل يعتبرونها ضلالة. إذ لا يتورعون في حرق جوازات سفرهم الفرنسية أمام الكاميرات كما قام بذلك عبد الحميد آبا عود وغيره. ينظرون لأنفسهم على أنهم جند الله ومقاتلون بلا حدود. هؤلاء يشكلون أقلية زائغة. تبقى الأغلبية المسالمة التي ينتابها الشعور بأن هذا الإجراء موجه ضدها. وقد تتذكر بالكاد في الانتخابات الرئاسية لعام 2017 هذا التصرف العدائي ضدها. ومن دون الانسياق السهل وراء نظرية المؤامرة، يمكن القول إن هولاند ـ فالس «دويتو» إسلاموفوبي منساق وراء اللوبي الصهيوني. على أي سيكون مزدوجو الهوية البالغ عددهم 3 ملايين شخص سببا في سقوط هولاند. وبذلك سيسلم المفاتيح مجددا إما إلى ساركوزي وإما لمارين لوبان.