شوف تشوف

الرأيالرئيسيةسياسية

فخر العرب

اشتهرت أخيرا على منصة تيكتوك أغنية على شكل Parody تسخر من احتفالات المسلمين المقيمين بدول غربية بأعياد الميلاد. عنوان الأغنية هو «جينغل حلال» أو «أجراس حلال» إن جاز لنا التعبير. جاءت هذه الأغنية الساخرة كرد فعل على العديد من مظاهر الاحتفال المبالغ فيه أحيانا من طرف أسر مسلمة، أصبحت تخصص مبالغ مالية ضخمة من أجل اقتناء شجرة الكريسماس ومستلزمات تزيينها من أضواء وأجراس وأشرطة ذهبية وفضية وغيرها. إضافة إلى ذلك أصبح العديد من المهاجرين المسلمين يقيمون حفلات عشاء باذخة احتفاء بذكرى ولادة السيد المسيح. ولعل أشهر محتفل بالكريسماس يبقى وبلا منازع نجم ليفربول الأول وفخر العرب اللاعب المصري محمد صلاح، الذي يطل علينا كل سنة وهو يرتدي رفقة أسرته الصغيرة بيجامات حمراء أثناء التفافهم حول شجرة عيد الميلاد البراقة. يثير هذا الطقس الاحتفالي السنوي لصلاح جنون وحفيظة ملايين المتابعين المتدينين الذين ينهالون عليه بالسب والشتم والاستهزاء ليختموا وصلتهم القدحية بطلب الهداية للرجل.

من الملاحظ أن احتفالات عيد الميلاد لا تثير الجدل في أوساط المسلمين فحسب، بل إن تواريخ الاحتفال وأهميته وقدسيته بل ومصداقيته أيضا تظل محل اختلاف بين الطوائف المسيحية المتعددة. فإذا كان مبدأ الاحتفال العقائدي مختلفا عليه من أبناء الملة الواحدة، لماذا يصر العديد من المسلمين على المشاركة في موسم الكريسماس واحتفالات رأس السنة الميلادية؟ وهل فعلا يعود أصل أعياد الميلاد إلى الديانات الوثنية الأوروبية؟ وهل يمكن لنا تصنيف الطقوس الاحتفالية ضمن ثقافة الاستهلاك الرأسمالية التي قامت باستخدام معتقد ديني كمنتوج تجاري يدر عليها سنويا ملايير الدولارات من الأرباح؟

من الملاحظ كذلك أن احتفالات المغاربة بالعام الجديد طرأت عليها بعض التحولات الجذرية المثيرة للاهتمام والتساؤل. من منا لا يتذكر سهرات رأس السنة الميلادية وكيف كانت العائلات المغربية تلتف حول التلفاز وهي تلتهم «حلوى د لاكريم» وما تيسر من المشروبات الغازية، في أجواء أسرية حميمية دافئة. غير أن السنوات الأخيرة شهدت انتقال مفهوم الاحتفال الشعبي البسيط  باستقبال عام جديد، إلى تمظهرات ثقافية أكثر تعقيدا. حيث لا يكتفي بعض المغاربة وخاصة في المدن الكبرى بالاحتفال بـ«البوناني»، بل يصرون على الاحتفال بليلة عيد الميلاد التي تصادف 24 دجنبر من كل سنة. بل أصبحت تقام أسواق «النويل» على غرار العواصم المسيحية، وتجتمع العائلة والأصدقاء على مائدة العشاء الأخير التي غالبا ما تضم أصنافا من المطابخ الأوروبية التقليدية. (الله يرحم أيام الطارطا د ربعين درهم لي كبرو بها ولاد الشعب).

فهل الاحتفاء بالمعتقدات الدينية للآخر دليل على التسامح والانفتاح وقابلية التعايش الثقافي؟ أم أن الأمر لا يعدو أن يكون مجرد انسلاخ هوياتي وتبعية رأسمالية استهلاكية وانبطاح للمستعمر؟ يدافع البعض عن «الأطروحة الاحتفالية» كونها لا تعبر عن معتقد ما ولا تزعزع آخر. غير أن أبجديات أنثروبولوجيا الأديان لا تفصل بالضرورة بين مبدأ الاحتفال بالرمز العقائدي والايمان به. فهل يعي هؤلاء المغاربة المأزق الثقافي الذي وقعوا فيه؟ جولة سريعة في سيميائيات الشجرة و«الجينغل حلال» وهدايا «راس العام» ستكشف لنا أصل الحكاية.

احتفلت الثقافات القديمة، بما في ذلك الرومان والقبائل الجرمانية، بالانقلاب الشتوي، أقصر يوم في السنة، كوقت للولادة والتجديد. كان هذا عندما تبدأ الشمس في العودة، مما يشير إلى أن الأيام أصبحت أطول وفصل الربيع قادم. كان مهرجان ساتورناليا الروماني، الذي كان يحتفل به من 17 إلى 23 دجنبر، يكرم الإله زحل بالولائم وتقديم الهدايا وتبادل الأدوار، حيث كان العبيد والسادة يتبادلون الأماكن. وكان هذا الاحتفال يتميز بالمرح والحفلات والشعور بالانتماء للمجتمع الذي يتردد صداه في احتفالات عيد الميلاد الحديثة.

بالإضافة إلى ذلك، كان أهل الشمال يحتفلون بمهرجان يول، وهو وقت لتكريم آلهتهم، وخاصة إله الشمس، كما تم دمج تقاليد يول، مثل جذع يول، الذي كان يُحرق ليرمز إلى عودة دفء الشمس ونورها، في عادات عيد الميلاد. إن مفهوم التزيين بالأجراس والأغصان والأشجار دائمة الخضرة هو جانب آخر موروث من التقاليد الوثنية. كانت هذه النباتات، التي ظلت خضراء طوال فصل الشتاء، ترمز إلى الحياة وسط البرد والظلام.

كما أن تقديم الهدايا، وهي السمة الأساسية لاحتفالات عيد الميلاد الحديثة، لها جذور وثنية. كان تبادل الهدايا خلال عيد زحل وسيلة لتعزيز حسن النية وترسيخ الروابط الاجتماعية. وعلى نحو مماثل، ساهمت فكرة تقديم شخصية أسطورية للهدايا، مثل الإله أودين أو القديس نيكولاس، الذي ارتبط بالكرم، في تقليد سانتا كلوز في عيد الميلاد. وبمرور الوقت، أصبح سانتا كلوز شخصية محورية في احتفالات عيد الميلاد، متأثرا بالعناصر الوثنية والمسيحية.

نحن هنا لا نحاسب نوايا الناس أو نشكك في معتقداتهم الدينية، أو نتخندق في معسكرات أعداء الحياة والفرح من المدافعين عن ثقافة الموت والكبت والتحريم والترهيب. ولكننا فقط نقدم معلومة قد تكون غائبة عن ذهن البعض.. وبهذا نكون قد أسدلنا الستار على عام آخر مضى.. وسنة سعيدة وغير بالقاعدة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى