شوف تشوف

الرئيسية

فتيات يلجأن إلى الزواج للفرار من قيد مؤسسات الرعاية الاجتماعية

يحرص كثير من أبناء وبنات دور الرعاية على تدبير إشكالية الشريك عبر وسائط بديلة، في ظل غياب ولي أمر يملك هذه الصلاحية. ولأن أغلب النزلاء والنزيلات يخضعون إداريا لوصاية إدارة المؤسسة، في شخص مديرها الذي يمثل الوصاية بشكل عرفي، يبحث كثير من النزلاء والنزيلات في مواقع الزواج على الأنترنيت عن فرصة لتدبير الأمر بشكل ذاتي.

البحث عن عريس افتراضي
في موقع «زواج» على الشبكة العنكبوتية، نقرأ الحوار التالي بين شاب يبدي رغبة في الزواج عبر الوسائط الإلكترونية، ونزيلة بإحدى مؤسسات الرعاية الاجتماعية:
«في البداية أود أن أشكرك على رغبتك في التعرف علي، وإليك بياناتي: اسمي سعاد أنا بنت الخيرية، عمري 20 عاما، وأود أن تعرف أن جنسيتي من المغرب أصلي من مدينة الرباط، وعن حالتي الاجتماعية فأنا آنسة، أما مؤهلي العلمي فهو بكالوريوس».
وتضيف الفتاة بجرأة عالية، وهي تخاطب الشاب الفلسطيني الجنسية: «أنا بنت يتيمة ولدتني أمي في الشارع وتركتني وأنا رضيعة، فكفلتني الخيرية جزاها الله ألف خير والحمد لله. أكملت تعليمي الثانوي وأنا الآن أحضر دبلوما عاليا، الحمد لله على قدري وأنا راضية به لأني لم أختره بنفسي، فأنا محترمة وأخلاقي عالية ومعظم أوقاتي أنشغل فيها بالدراسة».
تجمع بنات دور الفتيات الراغبات في الزواج عبر «الشات»، على ضرورة توفر النصف الآخر على مجموعة من المواصفات، «أتمنى من الله عز وجل رجلا يكون يقدرني ويحترمني ويخاف الله ولا يخذلني أو يكذب علي، والمرجو من الجادين مراسلتي».
ونقرأ في موقع «سوق الزواج» طلبا لنزيل يعرض رغبة الاقتران عبر الموقع: «أنا شاب عمري 35 سنة كبرت في دار الرعاية الاجتماعية، يعني الخيرية، أعمل بمدينة الناظور في البناء، أبحث على فتاة عازبة أو مطلقة ولها أطفال أو فتاة مطلقة ولها عقم، أو فتاة ليست عذراء وهي عازبة أو أرملة لا يهم إن كانت أكبر مني في العمر المهم هو الحب».
وفي موقع «بنت الحلال للجادين فقط»، يواصل أبناء وبنات دور الرعاية هواية التنقيب عن النصف الآخر، عن شريك الحياة الذي يملك مجموعة من المواصفات التي تحفظ الكرامة وتصون العهد وتنهي الارتباط بالخيرية.

لا مكان للزواج في قانون دور الرعاية
رغم أن قانون 05-14 المتعلق بشروط الرعاية الاجتماعية، وتدبيرها، يتحدث عن تأهيل هذه المؤسسات والسعي من خلال القانون المحدث عقب الزيارة الملكية للجمعية الخيرية لعين الشق لضمان كرامة وحقوق المستفيدين من خدماتها، فإن رهان الجودة المفضي إلى الكرامة لا يتحدث عن الإدماج الاجتماعي للنزلاء والنزيلات، ويركز بالخصوص على الحكامة.
ومن خلال قراءة متأنية في القانون، يتبين أنه جاء لسد الفراغ القانوني في مجال تسيير مؤسسات التعاون الوطني، وكذا لضمان تأطير مؤهل، ولإخضاع المؤسسات لضوابط ومعايير موحدة، وتحقيق حكامة جيدة. وركز أيضا على التكفل العابر بالنزلاء، على اعتبار أن التكفل أصلا مؤقت، إذ يسعى في كنهه إلى تأهيل الفرد ماديا ومعنويا لمواجهة تداعيات الزمن، مع التركيز على دفتر التحملات الذي يتضمن المعايير الدنيا الواجب اتباعها في مؤسسات الرعاية الاجتماعية.
من خلال هذه المقتضيات، يتضح أن «تزويج» النزلاء والنزيلات ليس من اختصاص الإدارة المسؤولة عن دار الرعاية، وأن الاندماج الأسري «مجرد خضرة فوق طعام»، كما يقول أحد العاملين في مؤسسات التعاون الوطني.
مدير دار الرعاية يزوج ابنه بنزيلة
في الثالث من شهر مارس الماضي، شهدت دار رعاية البنات التابعة لجمعية «نور»، حفل زفاف إحدى النزيلات، وهو الزواج رقم 65 الذي تم تحت إشراف إدارة المؤسسة، بينما تصل حالات الزواج الذاتي خارج نطاق المؤسسة إلى ضعف هذا الرقم. حضرت في حفل الزفاف جميع مكونات الأعراس العادية، (هودج ومنصة ونكافات وجوق وهدايا)، فضلا عن أفراد من عائلة العروسين، وزميلات العروس بالدار، وعدد من المحسنين والعاملين في هذا المرفق الخيري.
يفتخر محمد السعيدي، المدير العام لجمعية «نور» للرعاية الاجتماعية، ويقول إن النزيلات بمثابة بناته، مضيفا: «أحاول أن أساعد الفتيات على تكوين مشروع أسرة، منذ أن توليت شأن إدارة هذه الدار عملت على تنظيم 56 حفل زفاف، أعمل على تتبع جميع مراحل الزفاف من الخطوبة، والبحث عن وضعية العريس المتقدم لها، إلى أن تنتقل إلى بيت الزوجية، الأكثر من ذلك أنني اخترت زوجة لابني من دار رعاية البنات، وفي اعتقادي الشخصي فقد كان الزواج ناجحا وهذا دليل على أنني أحب لنفسي ما أحب لبنات الخيرية». وعبر السعيدي عن رفضه لما قيل عنه زواج تحت الإكراه، موضحا أن «المستفيدات لا يرغمن على الزواج، بل يتم كل شيء بموافقتهن، وكلما تقدم شخص رفقة عائلته قصد الزواج بمن وقع عليها الاختيار، تقوم الإدارة بدراسة حالته الاجتماعية، وسنه، ومؤهلاته، وعمله، وشروط عيشه، ونعرض كل هذه الأشياء على الفتاة. بعد ذلك تسمح إدارة «دار البنات» للمستفيدة بحضور مسؤولة، بفرصة التقاء العروس بعريسها مرات عديدة حتى تقتنع وتتفاهم معه، ومن ثمة تشرع الإدارة في الاستعداد لإقامة حفل الزفاف».
يساهم المحسنون في إقامة حفل الزفاف من خلال تجهيز وإصلاح وتأثيث بيت الزوجية، إذا كان الوضع المادي للعريس هشا، كما يتم تجهيز العروس بأجمل الملابس والحلي، فيما تتجند النزيلات لإنجاح الحفل.

نزيلات يرفضن الزواج بغاية الشفقة
لنزيلات دار الرعاية رأي خاص في قضية الزواج، حيث يجمعن على أن المدير، وبحكم اشتغاله سابقا في سلك القوات المسلحة الملكية، برتبة كولونيل، ظل يختار الأزواج من القطاع العسكري نفسه. تقول إحدى النزيلات أصرت على عدم الكشف عن هويتها: «هناك قصص مثيرة حول فتيات من دار الرعاية تزوجن من عرسان باختيار أو اقتراح من المدير، لكن الزواج كان مآله الفشل. تذكر النزيلات حكاية (نادية حكيم) التي تزوجت على يد المدير، برجل عسكري مسن اكتشفت في أيامها الأولى أنه يمارس كل المحظورات، «خلات ليه كلشي وهربت»، لكنها لم تعد إلى المؤسسة بعد فشل الزواج وظلت عرضة للضياع، وقد عرضت حكايتها في برنامج «قصة الناس»».
أما (ليلى) ذات الـ17 ربيعا، فقد كان مآلها شبيها بمصير سابقتها نادية، حين تزوجت من عسكري، وكأن قدرها هو الزواج بعساكر متقاعدين أغلبهم أرامل، يحولون البنات إلى خادمات. وحين سألت «الأخبار» إحدى النزيلات عن سر اختيار المدير إحدى الفتيات بالدار زوجة لابنه، قالت: «عن أي زواج يتحدث لقد تزوج ابنه من الخيرية صحيح، لكنه منعها من زيارة دار الرعاية وأجبرها على قطع الصلة مع النزيلات ومع من تبقى من عائلتها».
أغلب النزيلات اللائي تزوجن على يد المدير انتهى بهن المطاف إلى أبغض الحلال إلى الله، لهذا تسعى الفتيات إلى تدبير قضية الزواج عن طريق الاختيار الذاتي، سواء عن طريق «الشات» لأن أغلبهن يفضلن زوجا يمكنهن من العيش خارج الحدود، أو عن طريق التعارف العادي.
تقول إحدى النزيلات بنبرة غاضبة: «ذات يوم تعرفت على شاب وتقدم لخطبتي من مدير المؤسسة، استدعاني لحضور اللقاء التعارفي، ولكنني شعرت بالإهانة والخجل حين قال المدير للزوج المفترض: «شوف تهلا فيها عاونها مسكينة أشفق عليها». بكيت بعد انتهاء اللقاء، فلم يبق للمدير سوى أن يقول له: «أرجوك دير فيها خير وتزوج بيها».
وعلى الرغم من حالة الاستياء التي تخيم على المستفيدات، فإن (عائشة) كان لها رأي مخالف، فهذه الفتاة التحقت بدار البنات وعمرها لا يتجاوز العشرة أعوام، بسبب مشاكل عائلية، «هنا كبرت ودرست، وأعتبر هذه المؤسسة بمثابة أسرتي الحقيقية، التي قضيت بها أكثر من نصف عمري. تزوجت في هذه الدار، وأشرف على عرسي مدير المؤسسة، حيث حضرت الحفل المتزوجات السابقات بدار البنات، إضافة إلى أمي وشقيقاتي، وأنا الآن أم لطفلين».

الزفاف الجماعي التضامني
كانت جمعية دار الطالبة بالجديدة وبني هلال سباقتين إلى تنظيم حفل زفاف جماعي لفائدة 12 شابا وشابة يتحدرون من فئات اجتماعية معوزة، من مختلف الجماعات التابعة لإقليمي الجدية وسيدي بنور، بمبادرة من «الجمعية الهلالية للتنمية والتضامن»، وبدعم من أحد الممونين الذي حرص على تحمل جميع نفقات العرس، بحضور مجموعة من الفنانين من أمثال السعدية أزكون وعبد الواحد موادين ومصطفى هنيني، ومن تنشيط الفنان الشعبي عادل البنوري و«الكوبل» الجديدي الحائز على لقب «لالة لعروسة» لسنة 2016، وهي المرة الثالثة التي ينظم فيها زفاف من هذا القبيل، وشمل فئات جد مستضعفة، على حد قول عائشة طالح، رئيسة «الجمعية الهلالية».
لا تخضع كثير من دور الرعاية الاجتماعية لقانون 05/14، خاصة الجمعيات التي لا تؤوي النزلاء، ولكن هذه الجمعيات غالبا ما تنهي موسمها بزفاف يتيمة أو يتيم، على غرار «جمعية العون والإغاثة بطنجة» التي نظمت حفل زفاف جماعي لفائدة 20 زوجا من الشباب اليتيم، وذلك في إقامة «يسرى» بحي السوريين، وتميز بحضور عائلات الأزواج وأقاربهم والعديد من المدعوين من المجتمع المدني.
في مثل هذه الحفلات تعطى الكلمة لرئيس الجمعية كي يسلط فيها الضوء عن الحفل وأهدافه، والزواج وأفضاله، كما تعطى الكلمة للعدل، ويستهل الحفل بآيات من الذكر الحكيم، وتتكلف «جمعية العون والإغاثة» بمبالغ المهور التي حددت في مبلغ 5000 درهم لكل زوج وقدمت هدايا أخرى لهم.

تخفيضات في نفقات الزواج
في ظل عزوف الشباب عن الزواج، انتشرت في ضواحي بوعرفة ظاهرة الزواج منخفض التكلفة، ذلك أن إحدى دور الرعاية الاجتماعية بالإقليم اهتدت إلى ما يشبه «الريكلام» لفائدة الراغبين في الزواج من نزيلات الدار، حيث حددت الإدارة ثمن الصداق في 18 ألف درهم ويتضمن جميع الاحتياجات الخاصة بالزفاف، مع توقيع التزام من طرف العريس، يضمن استمرار المعاشرة لما لا يقل عن خمس سنوات، ويمكن أن يتم الانفصال بعد السنوات الخمس، دون متابعة قضائية في حال عدم الإنجاب، ضدا على ضوابط مدونة الأسرة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى