فاز بجائزة «نوبل» للطب عن بحث يربط التيفوس بالقمل ودفن بمعهد «باستور»
حسن البصري
في حي المستشفيات بالدار البيضاء، وعلى بعد أمتار من معهد «باستور»، مازالت لوحة صامدة تخلد اسم الطبيب الفرنسي شارل نيكول. لم تسقط اللوحة المعدنية رغم استبدال اسم الطبيب باسم باستور، وكأني بمجلس المدينة استدرك الأمر فأزال لوحة التلميذ وعوضها بالأستاذ. لكن، في مناطق أخرى من الدار البيضاء، يصادفك هذا الاسم الذي تحمله صيدلية ومختبر تحليلات، كما يحمل واحد من مستشفيات العاصمة التونسية اسمه، فضلا عن مستشفى مدينة روان مسقط رأسه.
اسمه الحقيقي شارل جول هنري نيكول، ولد في 21 شتنبر 1866 بمدينة روان بفرنسا، تعلم مهنة الطب من والده عالم الأحياء أوجين نيكول، الذي كان طبيبا في مستشفى روان، ودرس بالمدينة نفسها، حيث حصل على درجته الطبية من معهد «باستور» في باريس عام 1893، ومن ثم عاد إلى روان حيث اشتغل في المستشفى الرئيسي لروان حتى عام 1896، إذ عين مديرا للمختبر البكتريولوجي.
انتقل والده أوجين إلى المغرب ومنه إلى الجزائر، حيث كلف بمهمة ضمن بعثة طبية، قبل أن يتلقى الابن شارل عرضا لإدارة معهد «باستور» بتونس عام 1903، وهو المنصب الذي شغله حتى وفاته، وإن كانت رغبته العمل في معهد «باستور» بطنجة، حيث أسر بها للدكتور بول ريملينغر الذي شغل منصب مدير للمعهد منذ تأسيسه عام 1911 إلى أن حصل المغرب على استقلاله.
حضر شارل حفل افتتاح معهد باستور بطنجة، وأعجب بمدينة تحت الوصاية الدولية، وعبر عن متمنياته بالعمل فيها، واصفا إياها في إحدى رواياته ببوابة أوربا، لكن الإقامة الفرنسية في تونس رفضت وظل مشرفا على معهد باستور بتونس العاصمة. هناك أجرى نيكول أبحاثه حول مرض التيفوس، التي استحق عنها جائزة «نوبل» في الطب عام 1928، حيث خلص، في دراسة علمية قيمة، إلى العلاقة بين القمل والتيفوس. وفي العام الموالي انضم لمجلس أكاديمية فرنسا وبعد عامين حصل على وسام الشرف اعترافا بالأعمال القيمة التي أسداها خدمة للإنسانية.
حين انتقل حكام فرنسيون للعمل في المغرب، جدد شارل ملتمسه، لكن الهيئة الطبية رفضت وظلت متمسكة به. غير أنه ظل يتردد بين الفينة والأخرى على معشوقته مدينة طنجة التي كانت حاضرة في كتاباته الأدبية والفلسفية، من بينها «معجنات بيلوني» و«حكايات مارموز» و«اللصان»، فضلا عن دراسات قيمة في مجال الطب.
استغرب رجال الطب حين اكتشفوا في شارل الروائي، ووعدهم بنيل جائزة «نوبل» للأدب كما نال جائزة الطب، لكن الموت لم يمهله، حيث عاش أيامه الأخيرة في مختبره متحديا المرض.
توفي نيكول في تونس العاصمة يوم 28 فبراير 1936 ودفن بها. وعلى قبره يمكن مشاهدة صورة غصني شجرة تفاح (رمزا لنورماندي، مسقط رأسه) وشجرة زيتون (رمزا لتونس). وسمي مستشفى بتونس باسمه تخليدا لذكراه ابتداء من عام 1948، لكن الغريب في وفاة شارل نيكول أنه أوصى بدفنه في حديقة المستشفى، مع إصرار على أن يلف جسده قبل الدفن في بذلته الطبية البيضاء.