لم تهتم بتحذيرات والدتك التي كانت تطالبك بالتوقف عن إهدار أموالك في سبيل كرة محشوة بالهواء..
كنت أتفادى نظرات أمي التي كانت تحمل إشارات قلق مني لأنني وهبت حياتي لكرة الصالات، علاقتي بهذه اللعبة كعلاقة مرضى السكري بالأنسولين، كلما وجدت نفسي في فضائها إلا وشعرت بالارتياح. لهذا كلما دخلت البيت إلا وتظاهرت بالتعب حتى تسدد لي نظرات العتاب التي تخترق جسدي.
حين كنت تقضي عقوبتك الحبسية في سجن القنيطرة، كانت والدتك تأتي كل صباح إلى ساحة قبالة المعتقل وتجلس لساعات وهي تعتقد أن ابنها سيفرج عنه، تكرر هذا المشهد أياما طويلة، ما صحة هذه الرواية؟
هذه حكاية حقيقية، ولكن المؤلم فيها حقا هو أنني تسببت لها في آلام على مستوى العينين لازمتها إلى حين وفاتها، ربما من فرط بكاؤها اليومي، حيث كانت تأتي إلى بوابة السجن وفي المساء تعود إلى بيتها، عكس والدي تماما الذي كان يشجعني على الانخراط في مجال كرة القدم ويتقاسم معي عشقي لكرة القدم المصغرة. أما أمي فكانت، وهي في البيت، تجلس في نفس المكان وحين أزورها ترسل لي إشارات القلق، كانت تبدو لي كقارئة فنجان وهي تتأمل فنجاني المقلوب.
ألا تشعر بالذنب تجاهها؟
فعلا أشعر بالذنب لأنها ماتت وأنا في المهجر فحرمت من وضع القبلة الأخيرة على جبينها، في آخر أيامها كانت تقول لي إن حلمها هو أن تكون لها جنازة مهيبة، مع الأسف لم أحقق لها هذا الحلم لأن أيادي الغدر حكمت علي بالرحيل خارج وطن أرادوه خاليا من صناع النجاح، وحين تركت وطني غصبا عني وأصبحت الهجرة قدري ربطتها بحياة أبنائي، حين رزقت ببنت في الولايات المتحدة الأمريكية أسميتها دينا هاجر، وحين رزقت بابن أطلقت عليه اسم ريان هاجر، لتظل الهجرة جزءا من حياة أسرتي.
حدثنا عن لحظة مغادرتك للسجن وكيف قفزت في ذهنك فكرة الرحيل؟
غادرت السجن بعفو ملكي، مباشرة بعد مغادرتي المعتقل عقدت ندوة صحفية في الدار البيضاء، كانت فرصة بالنسبة لي لوضع الرأي العام في صلب حقيقة القضية، وكنت حينها أحضر نفسي لمغادرة البلاد، وبعد أيام قليلة وجدت نفسي في أمريكا أتنفس هواء ليس هواء وطني وأعيش حياة أخرى ضدا على أحلام العيش والموت في وطني.
هل قررت التخلص من بعض الأصدقاء الذين اكتشفت، وأنت في محنة الاعتقال، حقيقتهم، بمعنى آخر هل كانت فترة حبسك درسا؟
حين غادرت السجن كان هدفي الأول الاستمرار في رسالتي ولكن من خارج الوطن، أي أن رهان الهجرة كان أولوية، أما الأصدقاء فألتمس لهم العذر لأن البعض يخشى من تبعات مساندة الجامعة وهو يرى كيف تم حبك المؤامرة، وهناك من يجنح إلى السلم، لكل صديق رؤيته للأمور.
فجأة ودون سابق إشعار حزمت حقائبك وسافرت صوب أمريكا، حدثنا عن تفاصيل القرار الحاسم في حياتك..
انتابني شعور غريب، قلت في قرارة نفسي إن القادم سيكون أفظع، تصور في الرابعة صباحا وأنا في فراشي قررت الهجرة إثر كابوس.
ما هو؟
رأيت في منامي مشهدا مرعبا. أشخاص يجرونني نحو عمود الإعدام، كانوا يطلبون مني توديع أسرتي كي ينفذ في هذا الحكم، والدتي أيضا عاشت نفس الكابوس يا للمفارقة ! وحسب ما جاء في تفاصيل هذا الكابوس، فقد توجهت فعلا لتوديع والدتي وأفراد أسرتي وتوجهت رفقة حارسين صوب عمود الإعدام معصوب العينين، وقد وقف رجل ليسدد رصاص بندقية، لكن الرصاص لم يقتلني وهرعت صوب والدتي أبشرها بخلاصي لكنها كانت تقول لي لم تتخلص بعد، وحين استيقظت قررت الهجرة وقطعت آخر خيوط التردد التي كانت تشدني إلى بلدي.
قبل أن تغادر المغرب انخرطت في عالم السياسة ودخلت الانتخابات، ألا تشعر اليوم بأنها واحدة من أغلاطك؟
أولا أنا لم أنتم لأي حزب سياسي، لكن دخولي عالم السياسة فرضته علي الكرة، لقد كان بعض المنتخبين يغلقون في وجه فريقي أجاكس القنيطري القاعات ويغلقون صنابير الدعم ويعرقلون تنظيم تظاهرات عالمية، خاصة محنتي خلال تنظيم بطولة أوربا، ما كلفني 76 مليونا، لهذا قررت خوض التجربة الانتخابية من أجل دعم الرياضة في مدينتي القنيطرة.
لكن لابد من ارتداء لون سياسي في الانتخابات..
عرض علي الترشيح بلون حزب الحركة الوطنية الديمقراطية، تنافست في نفس الدائرة مع عبد العزيز رباح وفزت عليه بفارق مريح، كانت شهرتي وراء فوزي في الانتخابات البلدية.
ألم تكن تفكر في عواقب هذا التحدي على أسرتك، وأنت تبيع بيتك وسيارتك من أجل الكرة؟
حين أقف أمام المرآة كنت أطرح نفس السؤال، فلا أجد له جوابا، حتى وأنا في المجلس البلدي كرئيس للجنة الرياضة كنت أقتني من مالي الخاص الكؤوس والجوائز والتذكارات، وفي كثير من الأحيان وجدت نفسي أمام القضاء لهذا السبب. وإلى الآن لازلت أضحي من أجل الكرة، أخيرا سافرت لتشجيع المنتخب المغربي في ليتوانيا بمناسبة كأس العالم لكرة الصالات من مالي الخاص وقبلها سافرت من ميامي إلى العيون لمتابعة نهائيات كأس إفريقيا، وشجعت منتخب بلادي في كولومبيا واللائحة طويلة..
كنت رئيسا لفريق أجاكس القنيطري وحين هاجرت إلى أمريكا أنشأت فريقا آخر باسم أجاكس ميامي، ما الحكمة من ذلك؟
فعلا لقد ظل طيف أجاكس يطاردني في حلي وترحالي، هنالك أسست فريق أجاكس ميامي كامتداد لفريق القنيطرة، كانت رسائلي رياضية وسياسية في بلد مؤثر في السياسة العالمية، في كثير من التظاهرات كانت الصحراء المغربية حاضرة وروح الانتماء حاضرا.
هل تحذرك أسرتك الصغيرة من العودة إلى “هيت” كرة الصالات؟
أتمنى ألا يحذو ابني ريان مهاجر نفس سبيلي وألا يكون مصيره مصيري، للأسف هناك من أهدر فرصة الانتقام مني وحاول الانتقام من ابني، لكن ما لا يعرفه الكثيرون هو أن ابني تلقى دعوات من المنتخب الأمريكي وخاض معه عدة مباريات، لكن حلمه هو الانتماء لمنتخب وطني، في غرفته صور وشعارات “أسود الأطلس”، أتمنى أن يتركوه لحاله. أتمنى أن أتلقى دعوة للمساهمة في تنمية الكرة داخل الصالات في بلدي بدون أي مطلب مالي، لأن ابتعادي عن اللعبة أشبه بإخراج سمكة من الماء.