قبل أولمبياد أطلانطا أجبرت البطلة نزهة بيدوان على إجراء عملية جراحية، في الوقت الذي كان المغرب في أمس الحاجة لها لحيازة ميدالية..
هذه القصة تعود لسنة 1996، وكانت نزهة قد بدأت تشعر بآلام على مستوى الكاحل في سنة 1995، ويوما عن يوم تزداد مشاكلها الصحية، وآخرها حصل قبل الألعاب الأولمبية سنة 1996 في أطلانطا قبل شهرين حين ارتفعت حدة الألم. لم يكن الطب الرياضي متطورا حينها، لكن بعض الأطباء نصحونا بطبيب مختص في فرنسا، توجهت نزهة إلى عيادته، وضعها البروفسور أمام خيارين لا ثالث لهما: معالجتها بشكل يضمن التخفيف من الآلام لكن لا يضمن الحصول على ميدالية فضلا عن مضاعفات هذا العلاج على صحتها وعلى أدائها، والحل الثاني هو الخضوع لعملية جراحية والتغيب عن حدث كوني كالألعاب الأولمبية. اتصلت بي بيدوان وأنا في أطلانطا لتخبرني بقرارها إجراء عملية جراحية في الوقت الذي كنا نستعد لدخول غمار التنافس الأولمبي، هي التي اختارت العملية الجراحية وليس داودة.
لكنك قمت بتزكية القرار..
نعم لأنه كان صائبا، لأنه ضمن لها الاستمرارية في مشوارها الرياضي، وهنا يمكن أن نتصور، مثلا، اختيارها العلاج والمسكنات، قد تتألق في أطلانطا، لكنها قد تعيش على هواجس المضاعفات، يمكن لو شاركت بعد تخفيف الآلام أن تصل إلى النهائي، وقد تفوز بميدالية لكن ماذا لو شاركت في السباق وحصل لها تمزق ينهي مسارها. الحمد لله بعد العملية، أي في السنة الموالية، أصبحت نزهة بطلة العالم.
خلافا لما كان متداولا، برأت، في إحدى خرجاتك الإعلامية، العداء الجزائري نور الدين مرسلي من تهمة عرقلة العداء المغربي هشام الكروج في مسابقة نهائي 1500 متر خلال أولمبياد أطلانطا، في الوقت الذي كان الجميع يظن أن سقطة هشام كانت بفعل فاعل..
كي تفوز على نور الدين مرسلي، صاحب الأرقام القياسية وبطل العالم وبطل الأولمبياد، يجب أن تقرأ ألف حساب للسباق، فعلا وضعنا الخطة الملائمة ودخلنا غمار المسابقة، ما حصل لم يكن في الحسبان، الحمد لله الفيديوهات اليوم متاحة للجميع ويمكن الرجوع إليها للتأكد من أقوالي. أولا كان البطل الجزائري مرسلي أمام بطلنا الكروج يتقدمه بخطوة ومن المستحيل أن يقوم شخص في المقدمة بعرقلة شخص يركض وراءه، لأنه لا يراه ولا يملك مرآة عاكسة تمكنه من مشاهدة من يركضون خلفه. ما حصل هو حادثة سباق، أي أن رجل هشام اصطدمت بقدم نور الدين وكان بطلنا يخطو بعلو ففقد التوازن وسقط أرضا، ثم نهض من جديد وتابع السباق، وهذا يحصل مرارا في السباقات دون أن تكون وراءه نوايا سيئة أو تبادل اتهامات، لأن وتيرة الجري أحيانا تساهم في حوادث غير منتظرة، لاسيما حين يكون التنافس على أشده في المسابقات النهائية على الخصوص.
ما الدروس المستخلصة من هذه الواقعة؟
هذه الواقعة محطة تاريخية في ألعاب القوى الوطنية، فبعد أن كنا متذمرين يغمرنا القلق وكأن على رؤوسنا جبل، ساد صمت رهيب في المكان المخصص لنا، فجأة رن الهاتف وإذا بديوان القصر الملكي على الخط، يطلب من هشام الكروج الحديث مع الملك الراحل الحسن الثاني، الذي تابع السباق وشاهد نكبة الوفد المغربي. قال الملك للكروج: «بالنسبة لي أنت هو البطل الأولمبي، ارفع رأسك كل المغاربة فخورون بك، فأنت لازلت شابا ولازال المستقبل أمامك وعندي كامل الثقة فيك». نزلت هذه المكالمة بردا وسلاما على الوفد المغربي بمن فيه الطاقم التقني والإداري والطبي وأعضاء الجامعة الملكية المغربية لألعاب القوى، وعلى الكروج الذي عادت إليه معنوياته، والحمد لله أنه تجاوز هذه النكبة في الملتقيات الموالية وبصم على حضور قوي، أما نحن فلم نعر اهتماما كبيرا للسقطة وآمنا بالقدر والمكتوب ثم طوينا الصفحة، لأنه ربما لو فاز الكروج بالسباق وهزم مرسلي في تلك اللحظة قد تتغير المعطيات وقد يقول في قرارة نفسه: “لقد وصلت إلى المجد” وربما تكون لهذا الشعور آثار سلبية على مساره، هذه الواقعة أعطته نفسا جديدا وطموحا لأربع سنوات أخرى كانت فيها كبوة وحصل فقط على ميدالية فضية في 1500، لكنه عاد سنة 2004 بقوة وفاز بميداليتين في 5000 متر وفي مسابقة 1500.
كيف خططت لهذه العملية؟
كنا دائما في حوار متواصل بشكل يومي، تصور أن أغلب العدائين كانوا يجالسونني ربما أكثر من الساعات التي قضوها مع أولياء أمورهم قبل التحاقهم بالمعهد الوطني، لهذا ظلت العلاقات الإنسانية حاضرة حتى بعد اعتزال الركض والتسيير. كنا نعيش كعائلة ولم نكن نتخذ قرارا انفراديا بل كانت المقاربة التشاركية حاضرة في وضع مخططاتنا التقنية والإدارية. راسلنا الاتحاد الدولي لألعاب القوى وطلبنا منه تغيير برمجة مسابقتي 1500 و5000 متر، وقدمنا مستندات علمية حول هذا الملتمس، الذي كنا نراهن فيه على حصد ميداليتين مع العداء هشام الكروج. كان ملف الملتمس دقيقا وعلميا حتى نحصد ميداليتين في 2003 و2004، في تلك الفترة كان لنا صوت في الاتحاد الدولي لألعاب القوى.