غسيل الثروات
ما زال تهرب العديد من المسؤولين والمنتخبين من التصريح بالممتلكات واقعا ملموسا، على الرغم من أن دستور المملكة أسند في فصله 147 للمجلس الأعلى للحسابات مهمة مراقبة وتتبع التصريح بالممتلكات، كما ألزم الفصل 158 من الدستور كل شخص منتخبا كان أو معينا، يمارس مسؤولية عمومية، أن يقدم، طبقا للكيفيات المحددة في القانون، تصريحا كتابيا بالممتلكات والأصول التي في حيازته، بصفة مباشرة أو غير مباشرة، بمجرد تسلمه لمهامه، وخلال ممارستها وعند انتهائها.
هناك العديد من تقارير المجلس الأعلى للحسابات التي تطرقت للتهرب من التصريح بالممتلكات، كما سبق الكشف عن ثغرات في النظام المعمول به للتصريح، ما يتطلب الصرامة في سد كافة المنافذ القانونية التي يتم استغلالها من قبل المعنيين للتغطية عن ثرواتهم وممتلكاتهم التي يتم تسجيلها في كثير من الأحيان بأسماء الزوجات وأفراد العائلة والمقربين والتحايل على القانون بطرق ملتوية.
لقد اعتمد المغرب قانون التصريح الإجباري بالممتلكات منذ سنة 2010، والكل يعلم أن صدقية تصريح البرلمانيين والمنتخبين وكبار المسؤولين في الدولة ومن يملكون سلطة الأحكام والقرارات والتوقيعات بثرواتهم وممتلكاتهم، يشكل أحد ركائز الشفافية والنزاهة، ناهيك عن كون الأمر من أهم مداخل مكافحة انتشار فيروس الفساد الذي يكلف ميزانية الدولة خسائر بالملايير وفقدان ملايين مناصب الشغل وتدني مؤشرات الثقة في المؤسسات الرسمية.
هناك العديد من الجهات التي تعمل في الخفاء، لوضع عراقيل أمام كل تحيين لقوانين التصريح بالممتلكات أو ضبط تتبع الثروات التي يملكها عدد من المنتخبين والمسؤولين، فضلا عن وضع عراقيل أمام قانون الإثراء غير المشروع، وذلك لخلط الأوراق وربط الأمر بالحريات وعدم التضييق عليها وإمكانية تصفية الحسابات السياسية وخدمة الأجندات الضيقة بواسطة القانون، لكن الدولة تتوفر على مؤسسات متعددة وتمتلك من القوة ما يخول لها كشف كل كواليس استغلال للقانون خارج ما شُرع له، وضبط المخالفات والتهرب والتحايل في عملية التصريح بالممتلكات.
في ظل التقدم والازدهار الذي ينشده المغرب على المدى المتوسط، والمشاريع الاستثمارية الضخمة التي تم إطلاقها، يجب أن يتم بالموازاة مع ذلك الرفع من وتيرة محاربة الفساد الذي يقاوم كل أشكال الإصلاح والمبادرات التنموية، ومحاصرة الفيروس الخطير بواسطة تسريع تنزيل الرقمنة الإدارية، والحرص على التدقيق في الثروات والممتلكات التي مهما كانت محاولات إخفائها في التصريح الملزم، تظهر نعمها في واضحة النهار على أفراد العائلة والسفريات والفيلات والسيارات الفخمة، وقضاء العطل بالمنتجعات السياحية بالخارج، وامتلاك الضيعات الواسعة وشراء العقارات لإضفاء الشرعية على أموال الرشوة واختلاسات الصفقات العمومية والفساد الإداري.