غزو البلهاء
الحياد السلبي الغريب الذي تتعامل به الحكومة ومؤسساتها، كمسؤولة عن صناعة السياسات العمومية وتطبيقها، مع موضوع روتيني اليومي يدفعنا إلى التساؤل هل تعي الحكومة فعلا خطورة هذا النوع من المحتويات الرقمية على بنية الأسرة المغربية التي هي النواة الصلبة للمجتمع؟
قد يبدو الموضوع تافها ولا يرقى إلى مستوى النقاش العمومي، لكن الحقيقة أن خطورة فيديوهات وقنوات روتيني اليومي وروتيني الليلي، والتي تحظى بنسبة مشاهدة عالية، على المجتمع والأسرة والطفولة لا حدود لها. فهي ترويج لصورة منحطة عن المرأة والأم وربة البيت وتقدمها كأداة جنسية لإثارة الغرائز تحت ذريعة القيام بأشغال البيت.
وليس هذا فحسب، بل وصل الأمر إلى حد تقديم نموذج جديد وصادم للأسرة لم يعهده المغاربة من قبل وهو نموذج رب البيت الذي يقدم زوجته كأداة للمتعة البصرية والاستيهامات الجنسية للمشاهدين الغرباء مقابل نقراتهم التي تتحول إلى دراهم يضخها يوتيوب في حساب الزوجين كل شهر.
نحن اليوم أمام مس خطير بالسمعة الرقمية للمغرب، فبمجرد ما تدخل وسائل التواصل الاجتماعي والمنصات الرقمية تقفز أمامك مواضيع تربط المغرب إما بالعنف أو الاغتصاب أو الجنس.
ولو كان المغرب فعلا لا توجد به سوى هذه المصائب لفهمنا الأمر، لكن ما يبعث على السخط هو أن المغرب اليوم محط أنظار قوى دولية كبرى نظرًا لموقعه ولمكانته الجيواستراتيجية على الخريطة الدولية. فالمغرب حاضر في كل الملفات الكبرى الساخنة إقليميًا ودوليًا والجميع يحسب له حسابًا، وعوض أن تكون سمعة المغرب الرقمية سمعة جيدة نرى كيف أن هذه السمعة تلطخها ظواهر مرضية وأعطاب اجتماعية وعاهات نفسية تستوجب تعاملًا صارما من لدن السلطات المكلفة بإنفاذ القانون.
فاليوم لا حديث سوى عن اغتصاب الأطفال، والمجرمين الذين يشهرون سيوفهم في وجوه رجال الأمن، وفيديوهات روتيني اليومي والليلي اللذين أصبح أبطالهما أشهر من نار على علم.
وأعتقد أن ما يسمونه روتيني اليومي وروتيني الليلي إذا لم يتم التعامل معه بجدية سنجد أنفسنا عما قريب أمام عشرات الآلاف من القنوات في اليوتيوب التي تقدم هذا المحتوى المدمر الذي سيغري كثيرين بالاقتداء به نظرًا للعائدات المادية التي يدرها على أصحابها.
والدمار الأخلاقي والتشوهات التي تسببت فيها وما زالت سنوات من البث الممنهج واليومي للمسلسلات المكسيكية والتركية التي ألحقت أعطابا عميقة بالبنية العميقة للأسرة المغربية، وهو الدمار الذي لم تستفد منه سوى الشركات الوسيطة في اقتناء هذه المسلسلات وشركات الإشهار التلفزيوني، ستكمله هذه القنوات التي تتكاثر في اليوتيوب مثل الفطر والتي تنشر الغباء والكبت والتخلف والعنف الرمزي والمادي المرتبط بكل هذه الأمراض.
وهناك مصيبة أخرى ستظهر نتائجها المدمرة قريبا هي تطبيق تيك توك.
ولمن لا يعرف هذا التطبيق فهو عبارة عن منصة أو محطة اجتماعية يقوم فيها الأشخاص بتصوير أنفسهم بفيديو قصير ويضيفون إليه عددا من المؤثرات الموسيقية مأخوذة من أفلام عربية وأجنبية من رقص، وغناء، وموضة وأزياء وغيرها من المواد المتوفرة عبر الأنترنت، بالإضافة إلى مجموعة من المُلصقات التي تضاف إلى الوجه حيث تحتوي على أكثر من 100 ملصق .
ومع انتشار الوباء وفرض الحجر الصحي الذي سجن الملايين داخل منازلهم انتشر تطبيق تيك توك مثل النار في الهشيم وأصبح من بين أبرز التطبيقات استخدامًا.
جاذبية التطبيق الصيني أنه يمنح المشتركين فيه إمكانية ربح المال عن طريق شراء الهدايا”Gift” .
فعندما يقوم المُعجب أو المتسوق بشراء سلعة معينة من بين السلع المتوفرة فهذا سيعود بالنفع على المشترك وعلى المنصة نفسها، حيث إنها ستقوم بتقاسم الأرباح معك، والأسعار تبدأ بالسنتات قد تكون 3 سنتات وربما تصل إلى أكثر من ذلك 20 أو 40 دولاراً أمريكياً.
عندما تدخل تطبيق تيك توك في المغرب تكتشف مفاجآت مرعبة فعلا. أعتقد أن تيك توك المغربي هو التيرموميتر الحقيقي للمجتمع العميق، فيه يمكن أن تعثر على نتوءات وتشوهات الشخصية المغربية.
تيك توك المغربي شبيه ببرنامج تلفزيون الواقع سوى أن هذا البرنامج يصور في الأستوديو فيما عندنا فالبلد هو الأستوديو وأفراد الشعب هم أبطال البرنامج.
وفي عالم شبكات التواصل الاجتماعي يمكن تقسيم المغاربة إلى ثلاث طبقات، طبقة فيسبوك متوسطة الدخل حيث يختلط الفهايمية بمتتبعي اللايفات وعشاق الجيمات والتنابز بالألقاب، وطبقة إنستغرام صحاب البوزات والتقزقيز والتقاط الفيديوهات والصور مع حلوة لاكريم جنب لابسين، ثم هناك طبقة تيك توك، حيث مغاربة القاع. هناك يمكن أن تعثر على انشغالات المغاربة الحقيقية، فتعثر على متتبعي جماعة المريولين صحاب الطراطر الذين يجوبون المغرب على صهوات دراجاتهم النارية، وهم قوم دايرين شي تحاسن فشي شكل وكيسمعو لشي حاجة سميتها الواي واي، وهناك يمكنك أن تكتشف أن فتاة اسمها جيهان مولات الشعر الطويل لديها متابعون أكثر مما لدى رئيس الحكومة.
شحال هادي كانو الناس كايعرضو العاهات الجسدية ديالهم فالزنقة باش يربحو لفلوس، دابا كايعرضو العاهات الاجتماعية ديالهم فتيك توك والزنقة هيا اللي داخلة عندهم كاتفرج.
صدق الكاتب والروائي الإيطالي الراحل أمبيرطو إيكو عندما قال: “أدوات مثل تويتر وفيس بوك تمنح حق الكلام لفيالق من الحمقى، ممن كانوا يتكلمون في البارات فقط بعد تناول كأس من النبيذ، دون أن يتسببوا بأي ضرر للمجتمع. وكان يتم إسكاتهم فورا. أما الآن، فلهم الحق بالكلام مثلهم مثل من يحمل جائزة نوبل. إنه، غزو البلهاء”.