غرام وانتقام
في الزيارة التي بدأها رئيس الأركان الأمريكي جوزيف دافورد تكون القاهرة قد استقبلت خلال شهر أبريل خمسة مسؤولين كبار بمعدل واحد كل ستة أيام.
إذ إضافة إلى رئيس الأركان فالآخرون هم:
وفد الكونجرس برئاسة ليندسي جراهام، رئيس مجلس النواب يول رايان، رئيس المنطقة المركزية جوزيف فوتل، وزير الخارجية جون كيري.
ويلفت النظر في هذا العدد أن مصر استقبلت في الشهر الذي سبقه وزيرة القوات الجوية الأمريكية ديبورا لي جيمس ووزير البحرية ريمون مايسون وقائد العمليات الخاصة المشتركة هامولد توماس.
وزير الخارجية جون كيري لخص الهدف من تلك الزيارات بقوله إن بلاده ملتزمة بدعم استقرار مصر وتعزيز العلاقات معها، ومساندتها في التغلب على ما تواجهه من تحديات أمنية واقتصادية.
وذكر البيان الذي صدر عن رئاسة الجمهورية عقب اجتماع الرئيس السيسي مع الوزير الأمريكي ونشرته الصحف يوم الخميس الماضي (٢١ /٤) أن الرئيس أعرب عن حرص مصر على الارتقاء بالتعاون الثنائي مع الولايات المتحدة على جميع الأصعدة، وأنه أشار إلى أهمية تعزيز التنسيق والتشاور بين البلدين بما يمكنهما من مواجهة مختلف التحديات وما يعترض منطقة الشرق الأوسط من توتر واضطراب.
لست في وارد الحديث عما جرى في لقاءات المسؤولين الأمريكيين مع نظرائهم المصريين. كما أني لا أبالغ إذا قلت بأنها تعني أن جسور التعاون والتفاهم بين البلدين مفتوحة على مختلف الأصعدة والمسارات، السياسية والعسكرية فضلا عن الاقتصادية بطبيعة الحال.
إلا أن المرء لا يستطيع أن يكتم شعوره بالدهشة حين يرى التواصل على المستوى الرسمي حاصلا بين القاهرة وواشنطن على ذلك النحو، ويطالع في الوقت ذاته خطابا تسوقه وسائل الإعلام المصرية يتحدث عن استهداف مصر والتآمر الأمريكي عليها، وضلوع المخابرات المركزية الأمريكية في حملات تشويه نظامها والعمل على عزله وإسقاطه… إلى آخر المقولات التي حفظناها لكثرة ترديدها.
حين يقع المرء على هذا الكلام فإنه يعذر إذا تملكته الحيرة والبلبلة، ذلك أنه يرى في الزيارات المكثفة للمسؤولين الأمريكيين دلالة قوية على عمق العلاقات وتشعبها، الأمر الذي يتعارض بالكلية مع ما تردده وسائل الإعلام المصرية عن دور الولايات المتحدة في التآمر والعزل والسعي لإسقاط النظام.
ليس في ذهني أي دفاع أو تبرير للموقف الأمريكي، ولا أخفى استياء وقلقا إزاء العلاقات الحميمة وما يسمى بالتحالف الاستراتيجي بين القاهرة وواشنطن.
في الوقت ذاته فإنني أفهم أن تكون هناك تباينات أو خلافات بين البلدين في عدة أمور، إلا أن ذلك يظل شيئا مختلفا عما توحي به حملات مع وسائل الإعلام المصرية.
هل نحن بصدد فيلم سياسي يتداخل فيه الغرام مع الانتقام؟ وإذا لم يكن الأمر كذلك فبماذا نفسر حفاوة المسؤولين المصريين وغمزات الإعلاميين في نفس الوقت؟
قبل محاولة الإجابة عن السؤال ألفت النظر إلى أن ما تنشره الصحف في هذا الصدد ليس تطوعا من جانبها أو تحريات قام بها محرروها.
وإنما المفهوم أن تلك تسريبات تقوم بها إدارات التوجيه المعنوي لتشكيل انطباعات معينة تتصور أنها تخدم النظام القائم.
في التفسير تلوح أسباب عدة. أحدها أن التسريبات التي من ذلك النوع تحاول الإيحاء بأن المؤامرة مستمرة والنظام في خطر، وذلك أسلوب شائع يعتمد في التعبئة على تخويف الناس من الخطر القادم من الخارج الذي يستهدف النظام. وهو ما يفترض أن يقاوم بضرورة الالتفاف حول النظام.
ثمة عنصر آخر يتمثل في محاولة إقناع الرأي العام بأن مصر بعدما استعادت عافيتها في ظل النظام القائم أصبحت تصارع الدول الكبرى وتتحداها.
وهناك سبب ثالث يتمثل في التعبير عن الاستياء وابتزاز الولايات المتحدة والضغط عليها، خصوصا أن أجواءها تفتح الأبواب لاستقبال وفود الإخوان التي تخاطب بعض المؤسسات الأمريكي..
ومعروف أنه بسبب الصراع الحاصل في مصر فإن ذلك أصبح يثير حساسية لدى القاهرة التي باتت تعبر عن استيائها من خلال تلك الحملات.
خصوصا أنها باتت تحدد علاقاتها الخارجية في ضوء تقييمها لعلاقة مختلف الدول مع الإخوان ــ والله أعلم.