يشكل عيد الشباب، الذي يحتفل به الشعب المغربي يوم 21 غشت من كل سنة، مناسبة للاحتفاء بالتزام الشباب كقوة فاعلة في المجتمع، والتذكير بالدور المنوط بهم في تنمية البلاد وبناء غد أفضل، كما يمثل هذا الحدث، الذي يصادف ذكرى ميلاد الملك محمد السادس، مناسبة لاستحضار مظاهر العناية الملكية الموصولة بفئة الشباب، والتي تتجلى من خلال مختلف المشاريع والبنيات الخاصة بتقوية وتطوير قدرات هذه الفئة، بالإضافة إلى الأوراش والمشاريع الكبرى التي أعطى الملك محمد السادس انطلاقتها، لتجسد للاهتمام الخاص الذي تحظى به هذه الفئة العريضة لدى المؤسسة الملكية.
الشباب.. اهتمام ملكي لا ينقطع
دائما يحرص الملك محمد السادس من خلال خطبه وتوجيهاته على تأهيل الشباب المغربي والارتقاء بقدراته وتطوير ملكاته، وقد اتضح جليا من خلال مختلف المشاريع التي دشنها جلالته أو أعطى انطلاقتها، والتي تتوخى تطوير قدرات الشباب وصقل مواهبهم وتمكينهم من تكوينات تأهيلية تتيح ولوجهم السلس إلى سوق الشغل، إلى جانب مساعدتهم على اكتشاف ذواتهم وتفتق ملكاتهم في شتى مجالات الإبداع الحرفي والفني. وتتجلى الأهمية البالغة لهذه البنيات المتمثلة، على الخصوص، في المراكز السوسيو – تربوية والسوسيو – ثقافية والسوسيو – مهنية والمراكز السوسيو – رياضية للقرب المندمج، إلى جانب دور الشباب والفضاءات الجمعوية، في كونها فضاءات مواتية لاكتشاف الذات وتطوير المهارات وتعزيز الخبرات، في أفق تكوين شباب مؤهل لولوج سوق الشغل والمساهمة بفعالية في التنمية المحلية، إلى جانب تنشيط الحياة السوسيو- ثقافية.
وظلت قضايا الشباب في صلب الاهتمام الملكي في العديد من الأوراش والمبادرات الملكية وتحتل مساحة مهمة في الخطب الملكية، فالكثير من القرارات المهمة والتوجيهات الكبرى للحكومات والجماعات الترابية والأحزاب السياسية، والمجتمع المدني تأتي من جانب المؤسسة الملكية على اعتبار تقديرها للمخزون الشبابي والأدوار الكبيرة التي يمكن أن تلعبها هذه الفئة.
فإذا كانت المؤسسة الملكية تفتح باب الأوراش والمبادرات وتوفر الإرادة القوية نحو الاهتمام بهذا المكون البشري المهم، فإن إرادة الحكومة والمؤسسة التشريعية، والطبقة السياسية عموما والنقابات والأحزاب والجماعات الترابية والمؤسسات العمومية والقطاع الخاص، ينبغي أن تكون عند مستوى التحديات في التفاعل مع الشباب، فقد تجسد الاهتمام الملكي بالشباب من خلال الدعوة الملكية إلى بلورة سياسة جديدة مندمجة للشباب، باعتبارهم ثروة حقيقية ومحركا للتنمية، حيث قال الملك في الخطاب السامي الذي ألقاه أمام مجلسي البرلمان، قبل 3 سنوات بمناسبة ترؤسه لافتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية الثانية من الولاية التشريعية العاشرة: «وعلى غرار المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، فإننا ندعو لبلورة سياسة جديدة مندمجة للشباب تقوم بالأساس على التكوين والتشغيل، قادرة على إيجاد حلول واقعية لمشاكلهم الحقيقية، وخاصة في المناطق القروية والأحياء الهامشية والفقيرة».
وسجل الملك أنه لضمان شروط النجاعة والنجاح لهذه السياسة الجديدة، ينبغي استلهام مقتضيات الدستور، وإعطاء الكلمة للشباب، والانفتاح على مختلف التيارات الفكرية، والإفادة من التقارير والدراسات التي أمر بإعدادها، وخاصة حول «الثروة الإجمالية للمغرب» و«رؤية 2030 للتربية والتكوين» وغيرهما. كما دعا الملك إلى الإسراع بإقامة المجلس الاستشاري للشباب والعمل الجمعوي، كمؤسسة دستورية للنقاش وإبداء الرأي وتتبع وضعية الشباب، وأعرب عن أسفه لكون التقدم الذي يعرفه المغرب لا يشمل كل المواطنين وخاصة الشباب، الذين يمثلون أكثر من ثلث السكان والذين يخصهم بكامل الاهتمام والرعاية، مؤكدا أن تأهيل الشباب المغربي وانخراطهم الإيجابي والفعال في الحياة الوطنية يعد من أهم التحديات التي يتعين رفعها، مبرزا أنه أكد أكثر من مرة، سيما في خطاب 20 غشت 2012، أن الشباب هم الثروة الحقيقية ويجب اعتبارهم محركا للتنمية وليس عائقا أمام تحقيقها.
وعبر الملك عن أسفه إذ «رغم الجهود المبذولة فإن وضعية شبابنا لا ترضينا ولا ترضيهم، فالعديد منهم يعانون من الإقصاء والبطالة ومن عدم استكمال دراستهم، وأحيانا حتى من الولوج إلى الخدمات الاجتماعية الأساسية»، كما أن منظومة التربية والتكوين، يضيف، لا تؤدي دورها في التأهيل والإدماج الاجتماعي والاقتصادي للشباب، مبرزا أن السياسات العمومية القطاعية والاجتماعية، رغم أنها تخصص مجالا هاما للشباب، إلا أن تأثيرها على أوضاعهم يبقى محدودا، لضعف النجاعة والتناسق في ما بينها، وعدم ملاءمة البرامج لجميع الشرائح الشبابية، مشددا على أن معالجة أوضاع الشباب تحتاج إلى ابتكار مبادرات ومشاريع ملموسة تحرر طاقاتهم وتوفر لهم الشغل والدخل القار، وتضمن لهم الاستقرار وتمكنهم من المساهمة البناءة في تنمية الوطن.
تكوين الشباب.. خريطة طريق ملكية
وضع الملك محمد السادس تأهيل الشباب المغربي وتكوينه في قلب النموذج التنموي، الذي تشتغل عليه البلاد، وهو الأمر الذي برز جليا في الخطب الملكية الأخيرة، والتي ركز خلالها الملك على ضرورة توفير تكوينات للشباب تؤهلهم لولوج سوق الشغل. وشدد الملك محمد السادس على هذا الجانب، بالتحديد في الخطاب ألقاه بمناسبة الذكرى الـ 66 لثورة الملك والشعب، حين نبه إلى ضرورة أن يكون التكوين المهني في صلب النموذج التنموي الجديد للمغرب.
وسلط الملك الضوء على الرهانات المرتبطة بالتكوين المهني وعلى هشاشة الساكنة القروية وضواحي المدن، والتي يجب عليها أن تستفيد من عرض مدرسي وتكويني معزز، من شأنه إكسابها المهارات المهنية التي تضمن اندماجها في الحياة النشيطة، منبها إلى ضرورة أن يكون التكوين المهني المنشود عاملا أساسيا لإغناء رأسمالنا البشري.
وأعطى الملك حينها تعليماته بأن تبرمج وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي، بتنسيق مع القطاعات الوزارية الأخرى، بالنسبة للعالم القروي، في خريطة الطريق المتعلقة بقطاع التكوين المهني، مجموعة من التكوينات المتعلقة بالمجال الفلاحي، وكذلك إرساء شعب لتثمين الفرص والمؤهلات الأخرى التي يزخر بها العالم القروي، من قبيل السياحة القروية، والصناعة المجالية.
مدن المهن والكفاءات.. فضاءات جديدة لاحتضان الشباب
يهدف برنامج مدن المهن والكفاءات، الذي يعد العمود الفقري لخريطة الطريق الجديدة الخاصة بتطوير قطاع التكوين المهني، إلى إحداث جيل جديد من المؤسسات التكوينية، يمكن من تعزيز قابلية تشغيل الشباب، ويرفع من تنافسية المقاولات، ويحفز خلق القيمة على المستوى المحلي، إذ سيتم في إطار هذا البرنامج إنشاء 12 مدينة للمهن والكفاءات، والتي تعد بنيات متعددة الأقطاب والتخصصات، من المرتقب أن تستقبل 34.000 متدرب سنويا، سيتطلب تنفيذ هذه المشاريع ميزانية استثمار تقدر بـ3.6 ملايير درهم.
ويهدف برنامج مدن المهن والكفاءات إلى إحداث جيل جديد من المؤسسات التكوينية، يمكن من تعزيز قابلية تشغيل الشباب، ويرفع من تنافسية المقاولات، ويحفز خلق القيمة على المستوى المحلي.
يتم، في إطار هذا البرنامج، إنشاء 12 مدينة للمهن والكفاءات، بمختلف جهات المملكة والتي يتمحور تصورها حول ثلاث ركائز أساسية تتجلى في توفير عرض تكويني محين وفضاءات بيداغوجية حديثة ورأسمال بشري مثمن، وذلك بغية توفير تكوين مهني ذي جودة عالية، قادر على تلبية حاجيات سوق الشغل من الكفاءات.
ويمنح برنامج مدن المهن والكفاءات، الذي تطلب تنفيذ مشاريعه ميزانية استثمار تقدر بـ3,6 ملايير درهم، مرونة وسلاسة في التسيير، تمكنها من التكيف بشكل فعال ومتواصل مع حاجيات سوق الشغل، بحيث يرتقب أن تستقبل 34 ألف متدرب سنويا. وسيغطي العرض التكويني الجديد 12 قطاعا، 3 منها جديدة وهي الرقمنة والذكاء الاصطناعي والصحة والخدمات للأشخاص.
ويأتي إحداث مدن المهن والكفاءات بعد جلسات عمل خصصها الملك محمد السادس لبرنامج تأهيل عرض التكوين المهني وتجديد الشعب والمناهج البيداغوجية، والتي تعكس العناية الملكية بقطاع التكوين المهني باعتباره رافعة استراتيجية، ومسارا واعدا لتهييء الشباب لولوج الشغل والاندماج المهني.
وأعطى الملك تعليماته من أجل تطوير تكوينات جديدة في القطاعات والمهن الواعدة، مع تأهيل التكوينات في المهن التي تنعت بالكلاسيكية، والتي تبقى المصادر الرئيسية لفرص الشغل بالنسبة إلى الشباب، مثل تلك المرتبطة بقطاعات الصناعة، والخدمات، والبناء والأشغال العمومية، والفلاحة والصيد والماء والطاقة والصناعة التقليدية.
وشدد الملك، خلال جلسة العمل التي ترأسها في فاتح أكتوبر 2018 بالقصر الملكي بالرباط، خصصت لتأهيل عرض التكوين المهني وتنويع وتثمين المهن وتحديث المناهج البيداغوجية، على ضرورة تطوير عرض التكوين المهني بشكل أكبر، من خلال تبني معايير جديدة للجودة، خاصة في قطاع الفندقة والسياحة بكيفية تحفز وتواكب الإقلاع الضروري لهذا القطاع الاستراتيجي.
كما أعطى الملك توجيهاته قصد بلورة تكوينات مؤهلة قصيرة، تناهز مدتها أربعة أشهر، تشمل وحدات لغوية وتقنية مخصصة للأشخاص الذين يتوفرون على تجربة في القطاع غير المهيكل، وذلك من أجل منحهم فرصة الاندماج في القطاع المهيكل، ومن ثم تثمين خبراتهم وملكاتهم.
وترأس الملك محمد السادس، بعد جلستي عمل تم تخصيصهما لهذا الموضوع، يوم الخميس 4 أبريل 2019، بالقصر الملكي بالرباط، جلسة تقديم خريطة الطريق المتعلقة بتطوير التكوين المهني وإحداث «مدن المهن والكفاءات» في كل جهة.
وتتميز مدن المهن والكفاءات بعرض تكويني متنوع، موجه نحو مهن جديدة، يتم تحديده استجابة لحاجيات المنظومات الاقتصادية الجهوية من الكفاءات ودعم تنميتها، وقد تم تطوير هذا العرض باعتماد مقاربة تشاركية.
كما تتميز هندسة التكوين التي ستؤطر البرامج الجديدة، وفق معطيات مكتب التكوين المهني وإنعاش الشغل، بتنمية الكفاءات بشكل أساسي عبر الممارسة العملية، وتخصيص 30 في المائة من المقررات الجديدة لتقوية الكفاءات الذاتية؛ اللغوية والرقمية والمقاولاتية، بشكل أولوي.
كما تتميز بإضافة أسدس لشعب قطاعي «الفندقة والسياحة» و«التسيير والتجارة»، مخصص لتعزيز اللغات الأجنبية والكفاءات الذاتية، وإدماج قوي للرقمنة في التكوين، وبرامج جديدة لتحسيس المتدربين وتشجيعهم على خلق المقاولة، وكذا مواكبة حاملي المشاريع ودعمهم لإنشاء مقاولاتهم، واستخدام مناهج بيداغوجية جديدة، أكثر تفاعلية، تمكن من تحرير الطاقات الإبداعية للمتدربين.
وسيستفيد متدربو مدن المهن والكفاءات من فضاءات حديثة، توفر لهم بيئة معيشية وتعليمية تحفز على اكتساب الكفاءات وتنمية القدرات الذاتية والإبداعية، بحيث تم تصميم فضاءاتها بشكل يمكن من تحقيق الأهداف المنشودة، وذلك من خلال توفير بنيات مشتركة، تقدم خدمات مختلفة لفائدة المتدربين من مختلف القطاعات والمهن.
ولتمكين الشباب القاطنين بمختلف مناطق الجهات، سيما بالمناطق النائية من ولوج مدن المهن والكفاءات، ستتوفر كل مدينة على دار للمتدربين، توفر خدمات الإيواء والمطعمة بمعدل 16 في المائة من مجموع المتدربين.
تشغيل ودعم الشباب.. رهان ملكي
إلى جانب التكوين والتأطير، يبقى تشغيل ودعم المشاريع الصغرى للشباب محورا أساسيا من اهتمامات الملك بفئة عريضة من الشعب. وفي هذا الصدد شدد الملك في خطاب في البرلمان بغرفتيه، بمناسبة افتتاح الدورة التشريعية لهذه السنة، على أن المقاولات المغربية، ومنظماتها الوطنية والجهوية والقطاعية، مدعوة لأن تشكل رافعة للاستثمار وريادة الأعمال، وأضاف أن القطاع البنكي والمالي الوطني مطالب بدعم وتمويل الجيل الجديد من المستثمرين والمقاولين، خاصة الشباب والمقاولات الصغرى والمتوسطة. كما جدد الملك الدعوة إلى إعطاء عناية خاصة لاستثمارات ومبادرات أبناء الجالية المغربية بالخارج.
ولتحقيق الأهداف المنشودة، حث الملك الحكومة، بتعاون مع القطاع الخاص والبنكي، على ترجمة التزامات كل طرف في “تعاقد وطني للاستثمار”، مشيرا إلى أن هذا التعاقد يهدف إلى تعبئة 550 مليار درهم من الاستثمارات، وخلق 500 ألف منصب شغل، في الفترة بين 2022 و2026.
كما دعا الملك في عدة مناسبات الحكومة وبنك المغرب إلى التنسيق مع المجموعة المهنية لبنوك المغرب، قصد العمل على وضع برنامج خاص بدعم الخريجين الشباب، وتمويل المشاريع الصغرى للتشغيل الذاتي، وقال إن هذا المخطط يهدف إلى تمكين أكبر عدد من الشباب المؤهل حاملي المشاريع، المنتمين لمختلف الفئات الاجتماعية، من الحصول على قروض بنكية لإطلاق مشاريعهم وتقديم الدعم لهم لضمان أكبر نسبة من النجاح، منبها إلى أن جهود الدولة لمحاربة بطالة الشباب لا تكفي في هذا المجال، وهو ما يقتضي انخراط القطاع الخاص في عملية التنمية، خاصة القطاع البنكي والمالي الذي يعتبر حجر الزاوية في كل عمل تنموي.
وتم إطلاق برنامج «انطلاقة» لدعم المقاولات الصغرى والمتوسطة رسميا، على إثر التوقيع أمام الملك محمد السادس على الاتفاقيات المتعلقة بالبرنامج المندمج لدعم وتمويل المقاولات، وبالإضافة إلى ما تضمنه برنامج «انطلاقة» من شروط تمويل تفضيلية وصلت حد تمويل المقاولات الصغرى بضمان من الدول وبقروض بنسبة فائدة اعتبرت الأقل في تاريخ التمويلات البنكية المغربي، يوفر البرنامج متابعة قبلية وبعدية للمشاريع تتجاوز الجوانب المتعلقة بالتمويل والتي تشكل أساس هذا البرنامج، حيث تم التوقيع على اتفاقيات بين البنوك وصندوق الضمان المركزي، التي تهم تنزيل المنتوجات، وقد جاء هذا البرنامج المندمج لدعم وتمويل المقاولات تنفيذا للتوجيهات الملكية.