شوف تشوف

الرئيسيةتقاريرملف التاريخ

عيد الأضحى.. محطات تاريخية «كبيرة» لا تُنسى

نفي من البلاد وأحكام إعدام لمخططين لقلب النظام

«بعض مناسبات عيد الأضحى دخلت التاريخ، لأنها تزامنت مع أحداث سياسية لا تُنسى. وحيثما تقاطعت السياسة مع المناسبات الدينية، يبقى أثر قائم، وندبة لا تنمحي..

هذا ما وقع بالضبط في مناسبات كثيرة، قبل استقلال المغرب وبعده، غلبت فيها حمرة السياسة القانية على حمرة دماء الأضاحي، وانشغل الناس عن أجواء العيد بأجواء أخرى ساخنة.

بدءا من المكائد التي أدت إلى نفي الملك الراحل محمد الخامس، وصولا إلى المحاكمات العسكرية والسياسية وتنفيذ أحكام الإعدام في حق المدانين، صباح يوم العيد.. كلها ذكريات عصيبة تزامنت مع صباح يوم العيد، وجعلت منه محطة سياسية كادت أن تغلب على صبغته الروحية..».

يونس جنوحي

 

++++++++++++++++++++++++++++++

العيد الذي تحول إلى مظاهرات ضد فرنسا بسبب نفي محمد الخامس

المعروف أن الملك الراحل محمد الخامس نُفي يوم 20 غشت 1953، لكن سقط سهوا من التاريخ أن نفي محمد بن يوسف تزامن مع احتفالات عيد الأضحى لتلك السنة.

إلى درجة أن قدماء المقاومة يحكون كيف أن الخلايا السرية قررت أن ترد بطريقتها على نفي السلطان يوم عيد الأضحى، وأن تجعل حفلات رأس السنة التي يحييها الفرنسيون احتفالا بدخول سنة 1954، دموية، انتقاما من السياسة الفرنسية في المغرب.

بعض العائلات الوطنية رفضت ذبح أضحية العيد حُزنا على قرار نفي السلطان محمد بن يوسف، في ما تحولت المساجد إلى بؤر لقيادة المظاهرات، ليتحول عيد الأضحى في سنة 1953 إلى فوضى عارمة في الشوارع، بسبب تدخل البوليس الفرنسي لقمع المتظاهرين.

وما زاد من تعميق حزن الأسر المغربية في ذلك العيد، حملة الاعتقالات التي باشرتها السلطات الفرنسية في حق آلاف الشبان المغاربة المتظاهرين. وهناك من اعتقلوا حتى دون أن يشاركوا في المظاهرات، وكانت تهمتهم الوحيدة أنهم مغاربة في الشارع العام.

علم الحجاج المغاربة بدورهم بخبر نفي الملك الراحل محمد الخامس وهم في رحلة الحج، وهو ما خلف حزنا كبيرا في أوساط الحجاج، وجعل الفرنسيين يتأهبون لاندلاع الأحداث في فترة عودة الحجاج إلى ميناء الدار البيضاء. إذ كان معروفا لدى مصالح الاستخبارات الفرنسية أن بعض قادة الحركة الوطنية كانوا في موسم حج تلك السنة، والتقوا هناك بقادة وطنيين وقوميين من دول عربية تدعم مطالب المغرب بالاستقلال عن فرنسا.

لكن الانفجار الحقيقي للأوضاع كان في الشوارع المغربية، مباشرة بعد انتشار الخبر. وتزامن النفي مع استعداد المغاربة لإحياء شعيرة عيد الأضحى، كان رسالة واضحة للإمعان في إهانة إحساس المغاربة والمس بمعتقدهم ورموز البلاد، وهو ما أجمع عليه الوطنيون الذين عبروا في المساجد فورا عن رفضهم لقرار النفي، ورفض ابن عرفة الذي نُصب سلطانا على المغرب باتفاق بين الأعيان بقيادة الباشا الكلاوي وبين الإقامة العامة الفرنسية.

تحولت المساجد إلى هاجس أمني للفرنسيين أكثر من أي وقت مضى. ويمكن الجزم بأن أول تطويق للحرية الدينية للمغاربة، جرى عندما تزامن نفي الملك الراحل محمد الخامس مع عيد الأضحى، حيث تحولت المساجد إلى أماكن لتجمع الوطنيين وقادة المظاهرات المناوئة لفرنسا، حتى أن مواعد الصلاة تحولت إلى ساعة صفر لانطلاق المظاهرات، وهو ما جعل فرنسا تعلّق إقامة صلاة الجمعة في بعض المساجد، طيلة الأسابيع الأولى التي تلت نفي الملك الراحل.

امتناع بعض الأسر المغربية عن إحياء احتفال عيد الأضحى ورفض ذبح الأضاحي، كان وسيلة احتجاج أمام قرار السلطات الفرنسية، بادر وطنيون إلى تنفيذه من تلقاء أنفسهم، وهو ما عكس تبني شرائح عريضة من المغاربة للمواقف نفسها، حتى قبل أن ينسق الوطنيون في ما بينهم لتوحيد الصفوف.

 

 

احتفالات من زمن «الأبيض والأسود»

عندما تعلق الأمر بنفي الملك الراحل محمد الخامس وتنصيب ابن عرفة، برز اسم الباشا التهامي الكلاوي، على اعتبار أنه «عرّاب» الصفقة التاريخية بين الأعيان وفرنسا للإطاحة بالسلطان محمد بن يوسف.

وحتى عند تأمل بعض الوقائع التاريخية والمحطات المعروفة في تاريخ المغرب، يبدو واضحا أن اللحظة التي ساءت فيها العلاقة بين الملك الراحل محمد الخامس والباشا الذي كان مخلصا له إلى وقت قريب، بقيت خفية ودوافعها غير مفهومة.

راج في بعض المصادر التاريخية أن العلاقة بين الملك الراحل محمد الخامس والباشا ساءت أثناء احتفال عيد المولد النبوي في بداية الخمسينيات، عندما تحول حديث عادي بين الباشا والسلطان إلى سوء فهم، خصوصا وأن الباشا عبر عن رفضه لسياسة السلطان القاضية بتقريب الوطنيين منه ومساندته لهم، مقابل الابتعاد عن الإدارة الفرنسية ومطالبتها برفع يدها عن المغرب.

لكن هنا نورد واقعة حكاها الصحافي والسكرتير العسكري الفرنسي غوستاف بابين، الذي اشتغل في المغرب سنة 1914. يقول هذا الصحافي إن العلاقة بين السلطان والباشا ساءت في أحد أيام عيد الأضحى، عندما تعرض الباشا لسوء معاملة على يد حاشية السلطان، فأضمر في نفسه كراهية كبيرة لمحيط القصر الملكي ودبر للانتقام، ولم يتأت له الأمر سوى في سنة 1953، حيث نُفذت المؤامرة في أجواء عيد الأضحى أيضا!

حكى بابين أيضا أن الباشا الكلاوي في شبابه قد قدم لتهنئة السلطان الشاب محمد الخامس بعيد الأضحى. وقال إن الباشا رغب في إبراز مكانته القبلية وقوته وسطوته، وحاول أن يتحدى التقاليد وتجرأ على تجاوز الترتيب وتحدى «قائد المشور»، وهو موظف مخزني يتوارث المنصب في القصر الملكي ومهمته هي ترتيب زوار السلطان وفق التقاليد المخزنية المرعية، التي كان التهامي الكلاوي يعرفها جيدا، بل ويحفظها عن ظهر قلب. قال «بابين» إن الباشا الكلاوي كان مغرورا ومندفعا، وحاول تجاوز بقية القواد والأعيان الذين جاؤوا لتهنئة السلطان بعيد الأضحى، وتمشى أمامهم بثقة، محاولا تجاوز البوابة التي يحرسها قائد المشور، فما كان منه إلا أن جر الباشا بعنف من جلبابه الذي استحال لونه الأبيض الناصع إلى سواد قاتم، بسبب تراب الأرضية التي سحبه فوقها قائد المشور.

هذا المشهد السوريالي كذبه الكاتب الأسكتلندي «غافين ماكسويل» حرفيا، في كتابه «لوردات الأطلس» الذي صدر نهاية الستينيات، وقال إنه ليس واقعيا. إذ إن الباشا الكلاوي لم يكن بذلك التهور الذي يجعله يتمادى إلى درجة احتقار التقاليد المخزنية، سيما وأن الأمر يتعلق بتقديم التهاني للسلطان شخصيا وفي قلب القصر الملكي. يقول ماكسويل إن بابين اختلق القصة من عنده، وإنه ليس هناك أي شهود على الواقعة، ولو أنها وقعت فعلا، لكانت حديث الأعيان والمخزنيين لسنوات طويلة، وليس لأيام فقط.

++++++++++++++++++++++++++++

عيدٌ انتهى على الحدود الجزائرية مع وجدة

مساء يوم عيد الأضحى الذي تزامن سنة 1975، مع برد دجنبر القارس، ألقت السلطات الجزائرية آلاف الأسر المغربية المقيمة في الجزائر على الحدود مع وجدة، بعد أن جردت أفرادها من كل ممتلكاتهم ولم تترك معهم سوى أوراق إثبات الهوية، لكي يتسنى للسلطات المغربية التأكد أن الأمر يتعلق فعلا بمواطنين مغاربة.

بدأت أطوار القضية أيام هواري بومدين، الذي كان منزعجا من نجاح المسيرة الخضراء في 6 نونبر 1975. واعتبر الأخير أن المسيرة رسالة له من الملك الراحل الحسن الثاني، واختار من تلقاء نفسه أن يُرتب انتقاما يعكس مدى الكراهية التي يكنها للمغرب والمغاربة.

وفي يوم عيد الأضحى سنة 1975، والسنة على وشك الانتهاء ولم يعد يفصل عن رأس السنة سوى أيام قلائل، فوجئ المُحتفلون المغاربة بعيد الأضحى، المقيمون بين الجزائريين، بالسلطات وقوات الأمن تقتحم منازلهم وتأمرهم تباعا بترك كل شيء وراءهم، وعدم اصطحاب أي شيء معهم. القليلون فقط نجحوا في تهريب وثائق ملكية، نجت من التفتيش الدقيق الذي مروا منه في مخافر الشرطة، قبل أن يُشحنوا جميعا على دفعات، على متن شاحنات، لكي يُلقى بهم في الحدود المغربية الجزائرية في ساعة متأخرة من الليل، بعد ساعات طويلة قضوها في المخافر.

كانت هناك عائلات مغربية تركت أضحية العيد معلقة في قلب المنزل، بينما اقتيد آخرون من قلب غرفة الضيوف وهم يستضيفون جزائريين في منازلهم. وكل هذه المشاهد لم تشفع عند المسؤولين الجزائريين، الذين اختاروا توقيت تنفيذ المخطط بدقة.

الجُرح الذي تركه هواري بومدين بقراره، في نفوس مئات آلاف المغاربة، في إطار 45 ألف أسرة مغربية مطرودة، الذين رُحلوا عن الجزائر وجُردوا من ممتلكاتهم، لم يندمل. إذ إن معاناتهم جميعا استمرت حتى بعد حرص السلطات المغربية وقتها على استقبالهم في الحدود. إذ لم يكن سهلا على إدارات الدولة التعامل بشكل مفاجئ مع مئات آلاف النازحين في وقت واحد، في برد قارس منتصف دجنبر، وتوزيعهم على مختلف المدن المغربية. وهي العملية التي استغرقت أسابيع طويلة.

يشعر جزائريون كُثر بالحسرة على ما آلت إليه الأوضاع سنة 1975، خصوصا منهم الذين كانوا يقطنون في المغرب ولا يزالون. عندما وصل خبر تجميع الجزائر للمواطنين المغاربة، ورميهم في الحدود، إلى الرباط تحركت وزارة الداخلية وقتها عبر مكتب الشؤون السياسية ومصالح إدارية أخرى، إلى الاتصال بالسلطات المحلية في مدينة وجدة وإصدار تعليمات عاجلة لاستقبال المُرحلين وتوفير الخيام، حتى لا يبيتوا ليلتهم الأولى في العراء.

لكن الليلة الأولى، تحولت إلى ليال طويلة في الخيام، ببردها وحرها، ولم يتفكك المخيم إلا في أواخر سنة 1977 عندما تم إدماج الـ45 ألف أسرة التي تم ترحيلها من الجزائر إلى الحدود. يحمل الكثيرون من الذين التقيناهم ذكريات كثيرة عن ذلك المخيم، حتى أن بعضهم يحملون إهداءات منه على أجسادهم ويحملون معهم آلاما في المفاصل نتيجة تعرضهم للبرد الشديد، وتروي سيدة اسمها لطيفة بلحاج، وهي من الأمهات اللواتي تم ترحيلهن من الجزائر، بالرغم من أصولها الجزائرية، أن بعض النساء وضعن أبناءهن في المخيم وتمت عمليات الولادة في ظروف بدائية جدا، وكانت السلطات المغربية توفر بعض الدعم للعائلات في انتظار انتهاء الأزمة.

في الرباط، كانت بعض المشاورات قد جرت بين موظفين في وزارة الداخلية لاقتراح ترحيل المواطنين الجزائريين ورميهم في الحدود كرد مغربي على ما قام به هواري بومدين، الذي كان وقتها يقود سياسة عدائية مع المغرب، بالرغم من التاريخ المشترك بين البلدين، سيما خلال سنوات الخمسينيات والستينيات.

سبق في «الأخبار» أن خصصنا ملفا مطولا عن هذه القضية، واستقينا مجموعة من الشهادات لمغاربة عاشوا تلك المأساة، وكانت الخلاصة وقتها أن تداعيات الملف الذي بدأ في عيد الأضحى سنة 1975 ما زالت قائمة إلى اليوم، خصوصا وأن ممتلكات هؤلاء المغاربة سُلبت منهم بالقوة، وما زالت موجودة في الجزائر.

 

السجن المركزي بالقنيطرة.. إعدام انقلابيين فجر العيد

عندما أعدم الانقلابيون المتورطون في انقلاب الصخيرات في يوليوز 1971، كان التنفيذ سريعا للغاية ولم تُتح الفرصة للمتورطين حتى لكي يدافعوا عن أنفسهم، واتضح لاحقا أن بعض الأسماء التي أعدمت لم يكن تورط أصحابها واضحا بما يكفي لإدانتهم.

وعندما وقع الانقلاب الثاني في غشت 1972، والذي استهدف الطائرة الملكية، ظهر أن بعض المخططين له كانوا داعمين للانقلاب الأول ولم تُكشف أسماؤهم وقتها، وهو ما أكد أن بعض الذين أعدموا غداة الانقلاب الأول قد يكون بينهم أبرياء.

في انقلاب 1972، جُمع المدانون وبدأت التحقيقات معهم واستمرت لأشهر، قبل أن تصدر الأحكام النهائية عن المحكمة العسكرية، حيث قضت بإعدام 11 متورطا، وهو الحُكم الذي نُفذ يوم 17 نونبر 1972، وتزامن مع فجر يوم عيد الأضحى.

في ساحة الرماية المجاورة التي لم تكن بعيدة عن زنازين السجن المركزي إلا بأمتار قليلة، سُمع صوت طلقات الرصاص وهي تخترق أجساد المتورطين في المحاولة الانقلابية.

عندما أعلن الخبر في الصحف وعلى أمواج الإذاعة، عم حزن كبير عكر على العائلات فرحة العيد، خصوصا وأن العشرات كانوا مدانين بأحكام طويلة، بينما كانت الأسر التي ينتمي إليها الانقلابيون في حالة صدمة، إذ لم يتوقع أحد أن تنفذ أحكام الإعدام، ساعات قليلة قبل صباح يوم العيد.

وهكذا فقد ارتبط عيد الأضحى لدى العائلات التي كانت لها صلة بالملف، بذكرى أليمة لم تفارق أفرادها لسنوات طويلة، بل هناك منهم من يعترفون إلى اليوم بأن الذكرى ترسخت في أذهانهم أكثر بارتباطها بصبيحة يوم العيد.

لم يكن هذا يعني أن هناك تعاطفا لدى الناس مع قضية الانقلاب برمتها، لكن الأكيد أن تنفيذ الأحكام، صبيحة العيد، ترك أثرا من الامتعاض في النفوس، سيما لدى الذين كانوا يعرفون العائلات المكلومة بفقدان أحبائها في ذلك الصباح.

نفذ حكم الإعدام وقتها في حق كل من محمد أمقران، الوافي كويرة، عبد القادر زياد، حميد بوخالف، عبد العالي المهدي، العربي بينوا، الطاهر بحراوي، عبد الرحمن كمون، الحاج العربي، واليزيد ميداوي.

بينما بقية المُدانين حُكم عليهم بفترات سجن طويلة ومتوسطة، لكنهم جُمعوا سنة 1973 مع المُدانين بأحكام أخرى في قضية انقلاب الصخيرات، واقتيدوا جميعا لكي يعيشوا تجربة «تزمامارت» الشهيرة التي استمرت زهاء 18 سنة.

المثير أن المغاربة كانوا على موعد آخر مع تنفيذ أحكام إعدام، صبيحة يوم عيد الأضحى، إذ بعد سنة واحدة فقط، نفذت أحكام إعدام أخرى في قضية عمر دهكون ومن معه، الشهيرة بملف أحداث مولاي بوعزة، والتي نفذت أحكام الإعدام فيها، صباح يوم عيد الأضحى أيضا.

 

عندما أعدم المُدانون بالمس بأمن الدولة يوم عيد الأضحى

توقيت تنفيذ حكم الإعدام في حق المدانين في قضية ثورة 23 مارس 1973، المعروفة بأحداث مولاي بوعزة، بمنطقة الأطلس المتوسط، جعل القضية تترسخ في أذهان المغاربة، خصوصا الذين كانوا قريبين من الأحداث.

إذ مباشرة بعد اعتقال المتورطين في المؤامرة وتوجيه التهم إليهم رسميا بالتخطيط لتدبير ثورة مسلحة في المغرب، وإدخال السلاح عبر الحدود الشرقية مع الجزائر، وتكوين خلايا الثورة في منطقة تنغير، والتخطيط للهجوم المسلح على المدن والاستيلاء على السلطة، حتى ساد ترقب كبير في المغرب، خصوصا مع تورط يساريين مغاربة في الموضوع. بدأت المحاكمات في يونيو، مع بداية فصل الصيف، وصدرت الأحكام لتُنفذ، يوم عيد الأضحى، الذي تزامن سنة 1973 مع بداية شهر نونبر.

التوقيت الذي نفذت فيه الأحكام أصاب المتابعين بالدهشة، حتى أن المناسبة استحقت وقتها لقب «أكثر أيام العيد حزنا» في تاريخ المغرب المعاصر.

أحد الباحثين المغاربة الذين وثقوا لهذه المحاكمة، التي اشتهرت بتوقيت تنفيذ أحكامها المتزامن مع عيد الأضحى، هو ذ. محمد لومة. هذا الأخير ألف كتابا عن ثورة مارس 1973، واختار له عنوان «الثورة الموؤودة». كان عمر دهكون أشهر المدانين في القضية، وأبرز اسم نُفذ فيه حكم الإعدام، يوم عيد الأضحى، وكان مُجمل من تم إعدامهم 15 شخصا، في حين نال العشرات أحكاما قاسية أخرى تراوحت بين المؤبد وفترات السجن طويلة الأمد.

الباحث المغربي محمد لومة نقل جزءا من إفادة عمر دهكون في محاكمته الشهيرة، وكتب يقول: «كانت وقائع جلسة المحكمة لصباح يوم الخميس 29 يونيو 1973 كما يلي:

  1. دهكون عمر: أعزب، لا عمل ولا سكن، ولا سوابق .

 

–  كانت أول سفرة لي إلى الجزائر أواخر 1960 عن طريق ألمانيا. وكانت المرة الثانية في سنة 1965، حيث اتصلت بالشتوكي بنسعيد هناك وهو من المقاومين اللاجئين. وقد حدثني بنسعيد عن الوضعية الداخلية في المغرب من الناحية الاقتصادية والاجتماعية، وعن أحداث مارس 1965 التي ذهب ضحيتها عدد من الأبرياء طلبة وعمالا وعاطلين. وإثر ذلك عرض عليّ الانخراط في منظمة سرية للقيام بعمليات ضد بعض الخونة والأيادي الخفية، التي تستفيد من الأوضاع وتستغل الفوضى لتهريب الأموال بمسـاعـدة أياد أجنبيـة وصهيونية. ولما كنت في الجزائر علمت بصدور العفو عن بعض المقاومين اللاجئين في الجزائر. وعند رجوعي إلى المغرب اتصلت بمحمد البصري بعد أن أشار علي بنسعيد بذلك وبلغه عن طريقي تحياته، وكان محل اللقاء الكتابة العامة. فعقد معي موعدا خارج المكتب. وبقيت العلاقة صرفة إلى بداية صيف 1966، لا تتعدى إطار الشبيبة الاتحادية. وكان الهدف هو محاربة الأمية في الطبقة العاملة. وفي 30 يوليوز 1966 كان لي موعد مع محمد البصري على الشاطئ، وجرى بيننا الحديث التالي:

حيث سألني ما رأيك في أن شخصا مسؤولا في حكومة بلادك شارك في اغتيال زعيم مغربي؟ ففكرت في الحال وعرفت أن الأمر يتعلق بالمرحوم المهدي بن بـركـة. وأن الشخص المسؤول هو أوفقير، وأجبته :

إذا كانت هناك حجة ثابتة في الاغتيال، فيجب أن تخصص محكمة شعبية لمحاكمة هذا الشخص. فأعلمني البصري آنذاك أنه سيسافر إلى منطقة ما في المغرب أو الخارج، فأعطيته العنوان في ضريح سلا للإبقاء على الاتصال».

التعاطف الذي حصده عمر دهكون، رغم ثقل التهمة التي وُجهت إليه، مصدره تداخل الأسماء المعارضة للنظام في المغرب مع أسماء الذين نفذ فيهم حكم الإعدام، صباح عيد الأضحى، حيث عمّ حزن كبير في البلاد، خصوصا وأن أغلب من ارتبط اسمهم بالتخطيط لثورة مسلحة في المغرب، استفادوا من عفو لاحقا، وهو ما لم ينله الذين أعدموا يوم عيد الأضحى.

 

أقدم توثيق لـ«العيد الكبير» سجله صحافي في فاس سنة 1909

تركت هذه الشهادة التالية توثيقا لأجواء عيد الأضحى في مدينة فاس، أيام حكم المولى عبد الحفيظ. إذ إن صاحبها نقل أجواء القصر الملكي بفاس، صباح عيد الأضحى.

يقول لاورنس هاريس الذي كان في مهمة صحافية بالمغرب، بعد وصول المولى عبد الحفيظ إلى الحكم، وهو يتحدث عن أجواء عيد الأضحى:

«صباح الثلاثاء، الخامس من يناير، بدأت رحلة العودة.

غادرنا بوابة فاس في تماما الساعة الثامنة صباحا، قافلة صغيرة من خمسة أشخاص وخمسة حيوانات. سائق البغال، وهو رجل بوجه متجهم اسمه محمد، وصبيه الذي يمشي خلف بغلين مثقلين بالأمتعة. «بوسليم» والعربي يقودان البغلين اللذين يحملان الحقائب، وكنت أنا أركب البغل الوحيد المسرّج. العربي صديق «بوسليم»، وقد جاء إلى فاس قادما من طنجة، عندما رافق إليها أحد الأوروبيين. لم تعجبه فاس، وطلب إذني كي يعود معي إلى طنجة كخادم لي. لقد كان أظرف وألطف من يمكن تخيله، وكانت طيبته تجعل الرحلة أقل مللا.

كان يشتغل كمرشد سياحي محلي في طنجة، وقد التقط لغة إنجليزية لطيفة ومنسابة.

لحظات قليلة قبل السفر، استعرت مسدسا صغيرا بخرطوشين فقط، لأعبر به بلدا خطيرا، في مرحلة حرجة تزامنت مع أيام «العيد الكبير». اليوم هو ثاني أيام العيد، واليوم الذي قبله شهد إعطاء السلطان لانطلاقة العيد.

في باحة القصر، وأمام حشد من الوزراء وكبار القوم و«المخازنية» والقواد، يذبح السلطان كبشا يحمله أحد العبيد في ما بعد إلى داخل القصر مسرعا إلى مزار المولى عبد الحفيظ. إذا أوصل الكبش حيا، فإن السنة المقبلة ستكون موفقة بالنسبة إلى السلطان، وإذا مات الحيوان في الطريق إلى الداخل، فإن العبد الأسود يواجه مصيره غير الموفق.

لا حاجة هنا إلى القول بأن الضغط على شرايين الحيوان، سيجعله بلا شك يصل إلى الداخل حيا. ثلاثة أيام بعد ذلك يتواصل ذبح الخراف، كل عائلة لديها خروف أو أكثر لذبحه. تنزع الجلود وتعطى لأناس يلبسونها ويجوبون بها راقصين شوارع تفوح برائحة الدم.

لقد أنذرت ألا أسافر خلال هذه الفترة، لكنني فضلت الخروج باكرا من فاس، خصوصا بعد تجربة الحادث التي جعلتني غير مرتاح للبقاء.

ساعة بعد خروجي من فاس، اتبعنا الطريق العادية والمعروفة، لكنني أقنعت محمد بصعوبة أن نستدير بحدة إلى اليمين، وأن نتدرج في طريق «ولاد جمعة». الجبالة والريفيون الذين يسكنون هذا الإقليم دخلوا في ثورة مفتوحة، ويعتبر المرور من هناك خطرا كبيرا. أكد لي محمد أن الهضاب كلها موبوءة بقطاع الطرق، ويمكن أن نتعرض للتصفية».

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى