عودة خطابات التحريض
تشهد لغة الخطاب السياسي مؤخرا، عودة لافتة لمفاهيم وقاموس العنف والتحريض والتشهير بلغ درجة اتهام رئيس الحكومة الأسبق عبد الإله بنكيران، لوزير العدل الحالي والأمين العام لحزب الأصالة والمعاصرة بكونه “داعية فساد”. كنا نعتقد أننا قطعنا مع مثل هاته الخطابات المليئة بالكراهية والحقد التي جعلت المواطن يدير ظهره للسياسة والسياسيين، لكن هناك من هو مصر على أن يعيدنا إلى زمن ولى.
وبدل أن يتصارع قادة الأحزاب وتتنافس الحكومة والمعارضة على قاعدة السياسات العمومية وما تحقق وما لم يتحقق من وعود وتعهدات، فإن البعض التجأ إلى خطابات التحريض والتجييش التي تفرق ولا تجمع، وتزرع بذور الكراهية، خطابات ليست في مصلحة البلاد في هذا السياق الصعب الذي نعيشه داخليا وخارجيا.
والحقيقة التي لا يمكن أن ينكرها أحد هي أن تصاعد خطاب العنف والتوتر هو أحد وجوه الأزمة الخانقة التي تعيشها الأحزاب السياسية، والتي تجعل كل طرف يندفع إلى تخوين الآخر المختلف معه واتهامه بأنه فاسد ويقود المغرب للهلاك وهو سبب كل الشرور، ما علمه المسبق أن لا أساس له من الواقع.
وما يثير القلق هو بنكيران وأمثاله، يعلم علم اليقين أن ما يتفوه به من عنف لفظي قد يتطور، حتى لأسباب عادية إلى عنف مادي تجاه منافسه السياسي، والجميع يتذكر حادثة اغتيال المناضل الاتحادي عمر بنجلون الذي ذهب ضحية تجييش ديني وسياسي من أشخاص يعرفهم جيدا. ورغم أن العنف اللفظي ليس سبباً مباشراً للعنف الجسدي وامتداداته بالسلاح، ولكنه دليل على تقبل فكرة العنف، وتعويد بعض المجانين على شرعية ارتكابه.
والطامة العظمى أن السياسيين بتبادل العنف اللفظي بينهم يعتقدون أنهم فوق القانون، وأنهم يتمتعون بالحصانة التي تجعل القضاء بعيدا عن تجاذباتهم، وهذا أمر خطير أن يصبح المجال السياسي فضاء لنشر التحريض والتشهير والسب والقذف دون جزاءات قانونية، مما يعطي صورة سلبية للمواطن في تعامل القانون الانتقائي مع الجرائم، فيصبح السياسي فوق القانون بينما المواطن تحت القانون، وهذا هو ما ينعت بقانون بيت العنكبوت الذي يصطاد الحشرات الصغيرة وتدوسه الطيور الكبيرة.